اخر الاخبار

عُمان.. جندي الإصلاحات الاقتصادية المجهول في الخليج

منذ عدة سنوات، كان لي حديث خاص مع أحد المستثمرين الدوليين في الأسواق الناشئة ركز فيه على احتمال أن تؤدي الضغوط المالية على سلطنة عمان، نتيجة تراجع أسعار النفط، إلى تخليها عن ربط عملتها الريال بالدولار الأميركي. لم يتحدث معي الرجل بدافع القلق، فقد كان من المراهنين على حدوث ذلك. 

لم يكن المستثمر جزءاً من مؤامرة دولية على اقتصادات الخليج والشرق الأوسط، لكنه كان يحاول الاستفادة من الأدوات المالية التي تتيح لحاملها التربح من تراجع أسهم أو سندات دولة أو شركة ما. كان شراء أدوات مرتبطة بالدين السيادي الدولاري العُماني “رخيصاً”، وهو ما جعل من مخاطر تلك الخطوة محدودة، على حد قوله.  

تذكرت هذا الحديث وأنا أقرأ آخر الأخبار الدالة على التحول الإيجابي الذي شهدته عُمان على مدار السنوات الخمس الماضية، من دولة يشك البعض في قدرتها على سداد ديونها بدون إجراء إصلاحات اقتصادية قاسية أو مساعدات خارجية، إلى قصة نجاح لسياسات استغلت الظروف الدولية (أسعار البترول)، وطبقت إجراءات محلية صارمة (مثل ضريبة القيمة المضافة) أدّت إلى تحسن تدريجي، لكنه كبير في أداء المالية العامة تحديداً. 

دلالات رفع تصنيف السلطنة

الدليل على هذا التحسن هو قيام عدة شركات للتصنيف الائتماني بترقية تصنيف عُمان، وآخرها قرار وكالة “فيتش” خلال شهر ديسمبر بتعديل نظرتها المستقبلية للسلطنة إلى “إيجابية” بدلاً من “مستقرة”. وتوضح عزة الحبسي، المحللة الاقتصادية في “عُمان إنفست”، أن من شأن ترقية التصنيف الائتماني للسلطنة مرة واحدة على الأقل خلال عام 2025 تشجيع مستثمري السندات الدولية على ضخ نحو 3 مليارات دولار في السندات والصكوك العُمانية، وهو ما قد يعني انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الاقتراض.

تعود هذه النظرة الإيجابية للأسواق إلى سياسات اقتصادية بدأت تؤتي بثمارها خلال العامين الماضيين، من خلال استراتيجية لتقليص حجم الدين العام الذي كان قد ارتفع من 5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 68% عام 2020. اعتمدت تلك الاستراتيجية على سداد أكبر كمية ممكنة من الديون، واستبدال بعض القروض مرتفعة الفائدة بأخرى أفضل، وهو ما أدى إلى تراجع حجم الدين إلى 40% في عام 2022. وتتوقع وزارة المالية أن يستمر هذا المنحنى في الانخفاض ليصل إلى 35% بنهاية عام 2024. 

صاحب هذه الاستراتيجية إجراءات لتعظيم دور الإيرادات غير النفطية من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الإنفاق من خلال تقليص دعم الطاقة. 

خفض الديون.. والدعم

تشير بيانات وتوقعات صندوق النقد الدولي إلى تحول مسار الإنفاق الحكومي في عُمان عبر عدة سنوات، وتحديداً النفقات الجارية والتي تشمل عادة الأجور والإنفاق الاجتماعي (الدعم)، حيث شهد هذا البند تراجعاً من 36% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 إلى 23.6% في عام 2023، بموازاة انخفاض الإنفاق الرأسمالي من 8.3% إلى 2.7% خلال نفس الفترة. 

لكن ماذا عن أداء عُمان مقارنة بدول أخرى في المنطقة؟ لنبدأ بحجم الدين مثلاً، الذي يتنبأ الصندوق أن يبلغ نحو 127% من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين بنهاية عام 2024. كما يتوقع الصندوق أن تحقق عُمان فائضاً مالياً بنحو 2.5% من حجم الاقتصاد في 2025، مقارنة بعجز في الموازنة يبلغ 7.3% في البحرين. تبدو الأرقام العُمانية مشجعة جداً حتى بالنظر إلى تجارب أخرى في الإصلاح في قطر والسعودية والإمارات. 

السلطنة تشارك كل هذه الدول بالطبع نفس التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الخليجي بشكل عام، وأبرزها اعتماد معظم هذه الدول على البترول باعتباره المصدر الرئيسي للإيرادات، وهو ما يجعلها عرضة لتذبذب أسعار الطاقة في السنوات المقبلة. 

تعزيز دور القطاع غير النفطي يعني اتخاذ مزيد من الإجراءات الجريئة على مستوى النفقات (إعادة هيكلة الدعم بصورة كاملة) أو مستوى الإيرادات (فرض مزيد من الضرائب على سبيل المثال). وتجدر هنا الإشارة إلى أن عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة -على حد علمي- التي تناقش علناً إمكانية فرض ضريبة دخل على الأفراد، وإن كان القرار الأخير للجنة الاقتصادية بمجلس الدولة يشير إلى نية تأجيل اتخاذ هذه الخطوة في الوقت الحالي.

لا نتحدث كثيراً عن عُمان، فمعظم الاهتمام يذهب للدول الأكبر في المنطقة العربية مثل السعودية والإمارات ومصر، غير أن التجرية العُمانية حتى الآن تستحق التنويه بفعل سرعة تحقيق النتائج وجرأة اتخاذ القرارات، حتى مع التسليم بأن المشوار لا يزال في مراحله الأولى. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *