اخر الاخبار

عندما تستخدم المصارف المركزية “إنستغرام” .. ماذا لديها لتقوله؟

ثمة شبه بين المصارف المركزية وجينات الإنسان، إذ إن سياساتها لا تنجح إلا إذا  آمن الناس بها. لكن أزمة التضخم الأخيرة هزت ثقة الناس بالبنوك المركزية، فكانوا كأطفال استودعوا أسناناً لبنية تحت وسائدهم، واستيقظوا ولم يجدوا هديةً، بل اكتشفوا أن كل ما حدث هو أنهم فقدوا أسناناً.

لإعادة بناء هذه الثقة، بخاصة في أوساط الشباب الذين لم يختبروا الكثير من السياسات النقدية الودودة خلال حياتهم، لجأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ومثله المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وغيرها من البنوك المركزية إلى وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة تسويق وتأثير. 

تصحيح المعلومات المضللة

تدرك المصارف المركزية أن أبناء الجيل “زد” وجيل الألفية يستقون معظم الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهم لا يولون كثير انتباه للخطابات المعقدة المليئة بالمصطلحات التقنية مثل “النقاط الأساسية” و”التأثيرات غير المباشرة”. لذلك، اتجه حوالي 100 مصرف مركزي إلى إنشاء صفحات على تطبيق “إنستغرام” للتواصل مع هذه الفئات العمرية.

بحلول ديسمبر 2023 (وهو تاريخ أحدث البيانات المتاحة)، ارتفع عدد المصارف المركزية النشطة على المنصة بأكثر من الثلث مقارنة بالعامين السابقين، وفقاً لدليل المصارف المركزية السنوي.

قال مايكل ماكماهون، أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة أوكسفورد ومستشار المصارف المركزية لشؤون الاتصالات: “إذا لم تبادر لصياغة سرديتك، فهناك من سيتولى ذلك”.

اليابان تطالب البنوك بإجراء اختبارات للتصدي لشائعات “التواصل الاجتماعي”

يهدف هذا المسعى في جزء منه للتصدي لانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت. فغالباً ما يكون رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول محوراً للشائعات أو السخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يغذي نظريات المؤامرة التي تزعم أن المصارف المركزية ترفع أسعار الفائدة لمجرد أنها تجد متعة في الإيذاء.

أظهر مقطع مصور على “إنستغرام” باول وكأنه يتسبب بانهيار الأسواق بمجرد تفوهه بعبارة “مساء الخير” وقد حصد أكثر من مليون اعجاب. كما أن مقطعاً مصوراً آخر على “تيك توك” يتضمن تلاعباً بصوت باول ليبدو وكأنه يقول “ليبارك الله طابعة أموالي” وقد نال أكثر من مليون مشاهدة.

منصة لتوجيه الرسائل

بعض محاولات البنوك المركزية للتواصل مع الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستحق الثناء، بينما تبدو بعض المحاولات الأخرى محرجة بقدر ما. عموماً، تميل هذه المصارف إلى نشر معلومات حول تاريخ العملات النقدية والورقية وتصاميمها في الدول التي تنتمي إليها.

يغلب على حساب الاحتياطي الفيدرالي على إنستغرام تحذيرات من عمليات الاحتيال، في حين يروج بنك البرازيل لنظام المدفوعات الفورية الناجح الذي يستخدمه الملايين. وقبيل بطولة يورو 2024، نشر البنك الوطني الروماني مقطعاً لموظفيه وهم يلعبون كرة القدم على أرضياته الرخامية، فيما يشارك بنك كندا يوميات مصورة لزيارات صناع السياسات في أنحاء البلاد، مرفقة بسرد صوتي يبدو، لسبب ما، وكأنه أُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي. 

أما البنك المركزي الألماني (بوندسبنك)، فينظم فعالية سنوية تستهدف الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً، حيث يتيح للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي إجراء مقابلات مع صانعي السياسات النقدية.

شملت النسخة الأخيرة من هذه الفعالية جلسة بعنوان “اليورو بين يديك في أي وقت وأي مكان؟ مال المستقبل الرقمي”. كانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد حضرت نسخة عام 2023، حيث كشفت أنه حتى ابنها خسر أموالاً بسبب استثماراته في العملات الرقمية. وفي منشور على حسابها الشخصي على إنستغرام، قدمت لاغارد شرحاً لقرار خفض أسعار الفائدة، مصحوباً بصورة لها وهي ترتدي قلادة ذهبية تحمل عبارة “in charge” (أنا المسؤولة) باللغة الإنجليزية.

حضور متواضع نسبياً

مسؤولو المصارف المركزية في الغالب خبراء يتقاضون رواتب عالية ويتخذون قرارات تؤثر على حياة الناس بطرق قد تبدو غامضة، إلا أنهم يجدون أنفسهم مضطرين لخوض منافسات على كسب الشعبية بأساليب القرن الواحد والعشرين التي يتقنها المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال، حاول البنك المركزي الأوروبي إظهار موظفيه بصورة أقرب إلى الناس العاديين، من خلال نشر مقاطع على إنستغرام تُظهر ما يُسمى “تجمّع الفريق”، أي دخول الأشخاص الذين يحددون أسعار الفائدة إلى المبنى قبل الاجتماعات المهمة، مصحوبة بموسيقى إيقاعية حيوية.

كما يظهر في مقطع فيديو آخر لبنك إنجلترا، المسؤولون وهم يتجمعون لالتقاط صورة جماعية في مكان يبدو بعيداً كل البعد عن أسلوب جيل زد، داخل قاعة فاخرة ذات جدران فستقية اللون وأعمدة مذهبة.

الصين تغلق 373 حساب تواصل اجتماعي بسبب الشائعات المضللة

لكن ما يزال حضور البنوك المركزية على وسائل التواصل الاجتماعي محدوداً مقارنة بنجوم هذه المنصات. برغم أن قراراً واحداً يصدر عن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يسبب تحولات بقيمة تريليونات الدولارات في الأسواق العالمية، إلا أن حسابه على إنستغرام لا يضم سوى حوالي 200،000 متابع. وهذا رقم ضئيل مقارنة مع 649 مليون متابع لنجم كرة القدم كريستيانو رونالدو، الذي يحتل المرتبة الأولى على المنصة، أو 3.6 مليون متابع لروبرت كيوساكي، مؤلف سلسلة النصائح المالية (Rich Dad, Poor Dad).

يتصدر بنك فنزويلا قائمة البنوك المركزية الأكثر متابعة على إنستغرام، مع 1.9 مليون متابع، على الرغم من أن منشوراته لا تتعدى نشر سعر الصرف في أغلب الأحيان. (يبدو أن متابعي إنستغرام يعشقون الدراما!). ويحتل بنك إندونيسيا المرتبة الثانية مع حوالي مليون متابع، يُطلق عليهم اسم “أصدقاء الروبية”.

أما كريستين لاغارد، فهي واحدة من القلائل بين قادة البنوك المركزية الذين لهم حسابات شخصية علنية على “إنستغرام”، ولديها 181 ألف متابع— أي أكثر من ضعف متابعي البنك المركزي الأوروبي نفسه.

تحدث لغة الشباب

يترك المصرفيون المخضرمون لزملائهم الأصغر سناً مهمة شرح أسعار الفائدة وحالة الاقتصاد عبر “إنستغرام”، وفقاً لأندري سبايسر، العميد التنفيذي لكلية “باييس” للأعمال في لندن. فالناس يميلون إلى الوثوق أكثر بمن هم أقرب لسنهم، كما يجدون أنه يسهل فهم أمور مثل السياسات النقدية أو التضخم عندما يشرحها شخص يتحدث بأسلوب قريب منهم ويستخدم مصطلحات وعبارات مستوحاة من الثقافة الشعبية السائدة.

أضاف سبايسر: “الاعتماد على شخص يمكن للجمهور أن يتعاطف معه، مثل اختيار شاب ليقوم بهذه المهمة، قد يكون أسلوباً فعالاً”. قال ساكاري سوانينين، رئيس المحتوى الرقمي في البنك المركزي الأوروبي، إن الموظفين من الجيل “زد” غالباً ما يقدمون أفكاراً جديدة ومبتكرة لحساب إنستغرام الخاص بالبنك. وأضاف: “يقولون رأيت هذا الأمر وأعتقد أنه سيكون مناسباً لنا… نحن نعتمد عليهم بشكل كبير”.

في مثال على ذلك، نشر البنك المركزي الأوروبي مقطع فيديو مستوحى من الميمز المنتشرة على “تيك توك” التي يظهر فيها أشخاص أكبر سناً يقرأون نصوصاً كتبها أفراد من الجيل “زد”. في المقطع، تتحدث امرأة باللغة الإنجليزية بلكنة فرنسية واضحة قائلة: “شعار اليورو؟ إنه أيقوني… يا له من أمر رائع!”، مستخدمة تعبيراً بالإنجليزية شائعاً بين الشباب اليوم.

كما نشر البنك في يوم عيد الحب هذا العام صورة لرمز اليورو مصنوعاً من قلوب الشوكولا، مرفقة بتعليق: “الورود حمراء، البنفسج أزرق، التضخم في طريقه للاستقرار حول 2%”.

قد يكون بنك جامايكا المركزي الأكثر مواكبة للعصر بين البنوك المركزية على وسائل التواصل الاجتماعي. فمقاطع الفيديو التي ينشرها على إنستغرام تظهر حشوداً من الناس يرقصون على أنغام موسيقى الريغي خلال الحفلات الشهرية التي يقيمها البنك في مقره خلال استراحة الغداء. لم يتوقف عند ذلك، بل تعاون مع فنانين محليين لتأليف أغانٍ مستوحاة من السياسة النقدية. في إحدى هذه الأغاني، يردد المغني “لا نريدك مرتفعاً جداً، ولا منخفضاً جداً. أن يكون التضخم مستقراً ويمكن التنبؤ به، فهذا هو الطريق الصحيح”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *