اخر الاخبار

عمالقة “وول ستريت” يريدون موطئ قدمٍ في الرياض وأبوظبي

كان لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك”، من بين الشخصيات البارزة التي شاركت أكتوبر الماضي في “مبادرة مستقبل الاستثمار” التي تنظمها السعودية سنوياً على غرار منتدى دافوس. وبعد أيام قليلة، ظهر فينك في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، المسؤول عن صندوق أبوظبي الاستثماري الضخم الذي يدير أصولاً قيمتها 1.5 تريليون دولار.

حصلت “بلاك روك”، التي تسيطر على أصول بقيمة 11.5 تريليون دولار، مؤخراً على الموافقة لإنشاء مقر إقليمي في الرياض. كما تتعاون مع الأسرة الحاكمة في أبوظبي لتنفيذ إحدى أكبر المبادرات حتى الآن لتمويل بناء مراكز البيانات والبنية التحتية للطاقة.

يقوم المسؤولون التنفيذيون في شركات “وول ستريت” بزيارات لدول متعددة سنوياً ضمن جولاتهم لتعزيز أعمالهم، لكن الرياض وأبوظبي، اللتان تتنافسان على لقب مركز الأعمال الرئيسي في الشرق الأوسط، تمثلان وجهات فريدة من نوعها. فكل مدينة تتحكم بأكثر من تريليون دولار من أموال صناديق الثروة السيادية، ما يجعلهما من أكبر مراكز رأس المال في العالم.

اجتذاب الشركات العالمية

الشيخ طحنون، وهو أحد نائبي حاكم أبوظبي، ومستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وشقيق رئيسها، أجرى محادثات مع العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين تحدثوا في “مبادرة مستقبل الاستثمار” السعودية، وفقاً لما نُشر على حسابه على منصة “إكس”.

وشملت هذه القائمة الرئيس التنفيذي لمصرف “مورغان ستانلي” تيد بيك، وستيف شوارزمان من شركة “بلاكستون”، وروث بورات من شركة “ألفابت”، التي تتعاون مع السعودية لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي بمليارات الدولارات. وفي الوقت نفسه، زار الرئيس التنفيذي لمجموعة “غولدمان ساكس” ديفيد سولومون أيضاً أبوظبي، بعد وقت قصير من إعلان شركته عن مكتبها الجديد في الرياض، وفقاً لشخص مطلع على الأمر.

طرحت المدينتان سلسلة من المبادرات في إطار سعيهما إلى زيادة مكانتهما العالمية. إذ تطلب الرياض من الشركات الدولية زيادة تواجدها المحلي في البلاد، أو المخاطرة بخسارة تعاقدات حكومية، بما دفع شركات مثل “جنرال أتلانتيك” و”غولدمان ساكس” لزيادة حجم عملياتها في المملكة.

مزايا العاصمتين

بعض الشركات كانت مترددة في جعل الرياض مركزها الإقليمي الرئيسي لأن بعض الموظفين يفضلون نمط الحياة في الإمارات. ولجعل العروض أكثر جاذبية، قدمت أبوظبي أيضاً سلسلة من الامتيازات، بما في ذلك برنامج دعم نمط الحياة للعاملين في قطاع التمويل، القادمين إليها.

لكن العديد من الشركات التي تتطلع إلى جمع الأموال أو الدخول في صفقات مدفوعة ببرامج تنويع طموحة، تحاول الحفاظ على موطئ قدمٍ في المدينتين.

على سبيل المثال، أفادت شركة “بلاك روك” أن مركزها الجديد في الرياض سيساعد الشركة على توسيع عملياتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وليس فقط في المملكة. كما أن هناك وجوداً كبيراً لبنك “غولدمان ساكس” في كل من دبي وأبوظبي. بينما أعلن بنك “باركليز”، الذي يفكر في العودة إلى السعودية بعد عقد على خروجه منها، أنه ينوي زيادة عدد فريقه في الإمارات أيضاً.

في الوقت نفسه، ذكرت “بلومبرغ” أن بنك الاستثمار “لازارد”، الذي دخلت “أبوظبي القابضة” بمفاوضات للاستحواذ عليه العام الماضي، يعمل بقوة لتعزيز وجوده في السعودية.

مشاريع البنية التحتية

في حين شرعت كلتا المدينتين في حملات لجذب أكبر الشركات في العالم، أبرزت السنوات القليلة الماضية أيضاً أولويات المسؤولين المتباينة في الرياض وأبوظبي، وأنواع الشراكات التي يسعون إليها.

على سبيل المثال، تركز السعودية التي لديها نسبة كبيرة من السكان، غالبيتهم من الشباب، على مشاريع تطوير البنية التحتية لديها، لمضاهاة البنية التحتية في الإمارات.

لكن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تقييد بعض الموارد المالية، وباتت المملكة تطمح لجذب مزيد من رأس المال الأجنبي، ولهذا تسعى لجذب كبار مديري صناديق البنية التحتية العالمية إلى البلاد. ويُعدذُ إطلاق شركة “بروكفيلد” لإدارة الأصول صندوقاً جديداً بقيمة ملياري دولار في منطقة الشرق الأوسط، نموذجاً لما سبق.

في السياق عينه، أشار ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة الذي يسيطر على أصول قيمتها نحو تريليون دولار، في إحدى جلسات مبادرة مستقبل الاستثمار الشهر الماضي، إلى أن “الناس كانوا يأتون إلينا لطلب المال، لكننا الآن نشهد تحولاً، حيث يرغب الناس في الاستثمار المشترك معنا، بدلاً من مجرد طلب أموالنا”. 

بدورها، تحولت بورصة الرياض إلى فرصة إقليمية للبنوك الاستثمارية. فالمملكة في خضم برنامج طرح أصول واسع النطاق لتمويل خطط الاستثمار، وأدى هذا إلى تحويل الرياض إلى وجهة رئيسية لعمليات الطرح العام الأولي.

أما بالنسبة لأبوظبي، التي تمتلك ثروات كبيرة من الطاقة تتجاوز قدرة الاقتصاد المحلي على استيعابها، وتتمتع بالفعل ببنية تحتية تُعدُّ من الأفضل في المنطقة، فيتركز الاهتمام على استخدام هذه الأصول للتحضير لاقتصاد ما بعد النفط.

وفي وقتٍ يواصل “جهاز أبوظبي للاستثمار”، الذي تقدّر قيمة أصوله بنحو تريليون دولار، استثمار أغلب أمواله خارج البلاد، نجحت المدينة في جذب بعض أكبر صناديق التحوط في العالم.

تحقيق التوازن

دفعت هذه التطورات المسؤولين للشروع في توسيع نطاق “سوق أبوظبي العالمي” ليشمل جزيرة مجاورة، ما سيمنحه مساحة أكبر بـ10 مرات. وبعد أشهر من تصريح الملياردير آلان هوارد بأن أبوظبي يمكن أن تصبح مركزاً مالياً عالمياً، أفادت تقارير “بلومبرغ” بأن صندوق التحوط الذي أسسه يدير أموالاً من الإمارة أكثر من أي مكان آخر.

لكن هنا أيضاً، هناك حاجة لتحقيق توازن.

مؤسس شركة “بريدجووتر أسوشيتس” (Bridgewater Associates) راي داليو، الذي يُعتبر رمزاً لجهود أبوظبي لجذب شخصيات بارزة في مجال صناديق التحوط، كان في الرياض لحضور “مبادرة مستقبل الاستثمار”، وتمّ رصده مرتدياً الزي العربي التقليدي قبل الحدث، ثم أوضح لاحقاً في جلسة نقاش الأسباب الكامنة وراء ارتباطه بالمنطقة.

كان الملياردير قال في وصفه لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: “أعتقد أن سموه قائد عظيم”. مضيفاً: “يمكن القول إنه يشبه إلى حد كبير دنغ شياو بينغ في الصين أو لي كوان يو في سنغافورة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *