عمالقة النفط ينضمون إلى “أوبك” في زيادة الإنتاج رغم تراجع الأسعار

تستعد أكبر شركات النفط بالعالم لتنفيذ خطط تسريع زيادة الإنتاج عندما تعلن عن أرباحها الأسبوع الجاري، رغم ضعف أسعار الخام وزيادة الإمدادات من “أوبك” وحلفائها.
رجحت تقديرات المحللين التي جمعتها “بلومبرغ” أن تنمو إمدادات “إكسون موبيل” (Exxon Mobil Corp.) و”شيفرون” (Chevron Corp.) و”شل” (Shell Plc) و”بي بي” (BP Plc) و”توتال إنرجيز” (TotalEnergies SE) بنسبة 3.9% العام الجاري و4.7% في 2026.
لماذا يرتفع إنتاج النفط؟
تستهدف هذه الزيادات، التي تشمل مشاريع جديدة وصفقات استحواذ، اقتناص المكاسب من الارتفاع المتوقع لأسعار الخام في النصف الثاني من العام المقبل.
لكن هذه الزيادات قد تُفاقم تخمة المعروض على المدى القصير.
اقرأ أيضاً: الكويت: دول “أوبك” مستعدة لزيادة الإنتاج إذا دعت الحاجة
علق نواه باريت، محلل الأبحاث في شركة “جانوس هندرسون” (Janus Henderson)، التي تُدير نحو 457 مليار دولار: “هم (شركات النفط) يتبنون نظرة طويلة الأجل مفادها أن الطلب على النفط سيكون أقوى بعد عام 2030”. وأوضح: “إذا لم يضخوا الاستثمارات اليوم، فستكون محافظهم في وضع غير مواتٍ عندما ترتفع الأسعار”.
شركات الطاقة تعيد ترتيب أولوياتها
وبعد سنوات من الأرباح الضخمة مع انتعاش الطلب على النفط عقب الجائحة، بدأت كبرى شركات الطاقة في العالم تشعر بوطأة انخفاض أسعار الخام التي تراجعت بنحو 14% هذا العام لتقترب من أدنى مستوياتها في أربع سنوات. ورداً على ذلك، تقلّص هذه الشركات الوظائف، وتخفض الاستثمارات منخفضة الكربون، وتُقلّص عمليات إعادة شراء الأسهم لتوجيه الأموال نحو الجزء الأكثر قيمة في أعمالها: إنتاج النفط والغاز.
قالت بيتي جيانغ، محللة في “باركليز” (Barclays Plc): “جميع الإمدادات التي تدخل السوق تقلّص القدرة الإنتاجية الفائضة لدى “أوبك”، لذا فهناك بصيص من الأمل في نهاية النفق”. وأضافت: “سواء كان ذلك في النصف الثاني من عام 2026 أو في عام 2027، ستضيق فجوة العرض والطلب حتماً، والمسألة تتعلق فقط بالتوقيت”.
تأثير العقوبات على روسيا
منحت العقوبات الأميركية الأحدث على عملاقتي النفط الروسيتين “روسنفت” (Rosneft PJSC) و”لوك أويل” (Lukoil PJSC) بعض الارتياح من تراجع أسعار النفط العام الجاري، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 7.5% الأسبوع الماضي ليتجاوز 65 دولاراً للبرميل. لكن سوق النفط لا تزال تعاني من فائض في المعروض مع اقتراب عام 2026، وتواصل منظمة البلدان المصدّرة للنفط وحلفاؤها التركيز على إضافة مزيد من الإمدادات.
اقرا المزيد: سعر النفط يستقر بعد تراجعه 3 أيام مع التركيز على روسيا والمخزونات
قد يبدو من غير المنطقي أن تضيف الشركات العملاقة براميل جديدة إلى سوق كهذه، لكن المديرين التنفيذيين يركزون على المستقبل، عندما لن يكون الخام وفيراً إلى هذا الحد. لا يزال الطلب على النفط ينمو، وإن كان ببطء، بينما يُتوقع أن يتباطأ إنتاج النفط الصخري الأميركي والإمدادات من الحقول الجديدة في غيانا والبرازيل خلال النصف الثاني من العقد الحالي.
3 محركات وراء نمو إنتاج النفط
يأتي النمو من ثلاثة مصادر رئيسية. المصدر الأول هو الاستثمارات التي أُجريت خلال السنوات القليلة الماضية والتي بدأت تؤتي ثمارها الآن، مثل مشروع “بالمور” التابع لشركة “شيفرون” في خليج المكسيك الأميركي. أما المصدر الثاني فهو المشروعات الجديدة، مثل مشروع “أوارو” الذي تنفذه “إكسون” في غيانا. والمصدر الثالث هو عمليات الاستحواذ، التي تُضيف إلى إنتاج الشركات الفردي دون أن تُضيف براميل جديدة إلى الإمدادات العالمية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك استحواذ “إكسون” على شركة “بايونير ناتشورال ريسورسز” (Pioneer Natural Resources Co) و”شيفرون” على شركة “هيس” (Hess Corp).
طالع أيضاً: انتعاش النفط والغاز يمنح “شل” دفعة قوية في الأرباح
تُحرز الشركات الأميركية العملاقة تقدماً في جميع هذه الجبهات الثلاث، بينما تركز “شل” و”بي بي” حالياً على الجبهتين الأولى والثانية فقط، وذلك لأن انخفاض قيمة أسهمهما يجعل إبرام الصفقات أكثر صعوبة. ويُشكّل هذا الاتجاه تناقضاً حاداً مع تراجع أسعار النفط خلال الجائحة، حين قلّصت الشركات الإنفاق الرأسمالي وأبطأت تنفيذ المشاريع الكبرى نظراً لانهيار الطلب على النفط وعدم التيقن من موعد عودته.
أضافت بيتي جيانغ: “هذه استثمارات تمتد لعدة سنوات” ولا يمكن تسريعها أو إبطاؤها بناءً على تقلبات الأسعار قصيرة الأجل و”بناؤها الآن يعني أنها ستكون جاهزة عندما ترتفع أسعار النفط حتماً”.
تخمة المعروض في النفط
بيع عدد أكبر من البراميل سيساعد أيضاً في تخفيف أثر انخفاض الأسعار في الأجل القصير، ويرجح أن تُحقق الشركات الخمس العملاقة مجتمعة أرباحاً قدرها 21.76 مليار دولار في الربع الثالث، وفقاً لتقديرات المحللين التي جمعتها “بلومبرغ”. وهذا يزيد بنسبة 7% عن الأشهر الثلاثة السابقة، مدعوماً بتحسّن هوامش التكرير. لكنه يظل أقل من نصف مستويات عام 2022. وقد رفعت الصناعة منذ ذلك الحين توزيعات الأرباح وعمليات إعادة شراء الأسهم، ما يجعل من الصعب الحفاظ على مستويات هذه المدفوعات.
قال جيمس ويست، المدير العام لأبحاث الطاقة والكهرباء في “ميليوس ريسيرش” (Melius Research): “هذه أكثر تخمة نفطية محسوب حسابها في التاريخ، ما يُشير إلى أنها لن تكون سيئة جداً”. وأضاف: “الشركات العملاقة كانت تستعد لهذا الأمر منذ فترة، لكن سيكون هناك ضغط على التدفقات النقدية الحرة”.
إبطاء عمليات إعادة شراء الأسهم
شرعت “شيفرون” و”بي بي” و”توتال إنرجيز” بالفعل في إبطاء عمليات إعادة شراء الأسهم، مشيرة إلى تقلبات السوق والحاجة إلى الحفاظ على المرونة في بيئة الأسعار الأضعف. وقد يكون هناك مزيد من هذه الخطوات في الطريق، ما لم تكن الشركات مستعدة لتحمّل ديون أكبر، بحسب ما كتبه المحلل في “آر بي سي كابيتال ماركتس” (RBC Capital Markets)، بيراج بوركاتاريا، في مذكرة بحثية.
وقال: “نتوقع مزيد من خفض عمليات إعادة شراء الأسهم حتى عام 2026”. وأضاف: “القدرة على الحفاظ على وتيرة إعادة الشراء تعتمد بشكل كبير على قوة الميزانية العمومية والاستعداد لاستخدامها”.
خفض تكاليف عمالقة الطاقة
كما أن التقليصات تطال مجالات أخرى أيضاً. إذ تعمل “بي بي” و”شيفرون”و”إكسون” على تسريح مجتمعة ما يصل إلى 17 ألف وظيفة، في مساعٍ لخفض التكاليف المرتفعة للعمالة. وفي الوقت نفسه، تقلّص الشركات العملاقة جهودها في مجال الطاقة منخفضة الكربون، التي كانت تُروّج سابقاً على أنها مستقبل القطاع.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف: تفاوت الأداء المالي لعمالقة الطاقة خلال الربع الأول
أوقفت “بي بي” عدداً من مشروعات الطاقة المتجددة، وقلّصت طموحاتها في مجال الهيدروجين، وحوّلت إنفاقها من الطاقة منخفضة الكربون إلى أنشطة الاستكشاف والإنتاج. أما “شل”، فأعادت توجيه إنفاقها بعيداً عن مشاريع الطاقة منخفضة الكربون، وتكبّدت مؤخراً خسائر بقيمة 600 مليون دولار بعد إلغاء مشروع مصنع للوقود الحيوي في هولندا كانت قد بدأت بالفعل في بنائه. كذلك، أجّلت “توتال إنرجيز” بعض مشروعات الطاقة النظيفة ووضعت سقفاً لاستثماراتها في الطاقة منخفضة الكربون، مشيرة إلى ضغوط التكاليف والعوائد غير المؤكدة.
العودة إلى النفط والغاز
يُدافع المديرون التنفيذيون عن هذه الاستراتيجية باعتبارها نهجاً واقعياً. إذ لا تزال أرباح أنشطة الاستكشاف والإنتاج، أي إنتاج النفط والغاز، تموّل الغالبية الساحقة من أرباح القطاع، وتُحقق حالياً عوائد أعلى من استثمارات الطاقة منخفضة الكربون، التي تضرّرت من أسعار الفائدة المرتفعة وسياسات إدارة ترمب المناهضة للطاقة المتجددة. كما أن هؤلاء التنفيذيين يدركون جيداً المتاعب التي واجهتها “بي بي” مؤخراً نتيجة قرار رئيسها التنفيذي السابق برنارد لوني بخفض إنتاج النفط والغاز ضمن أهدافه المناخية.
قد يهمك: الجزائر تقترب من اتفاق مع “إكسون” و”شيفرون” لتطوير الغاز الصخري
قال باريت: “تقدم “بي بي” مثالاً واضحاً على تغير الرسالة”. وأضاف: “لقد أدركت الشركة أنه إذا توقفت عن الاستثمار، فستبدأ الانخفاضات الطبيعية في الإنتاج، ولا أحد يريد أن يقع في ذلك الفخ مجدداً”.
ومع ذلك، يتوقع المحللون أن تُبقي “بي بي” و”شل” و”توتال إنرجيز” على مستوى صافي الدين تحت السيطرة خلال الربع الجاري، مع بدء ظهور تأثير برامج خفض التكاليف الأحدث وإعادة التركيز على النفط والغاز.
أما بالنسبة للشركات الأميركية، فكل الأنظار تتجه نحو أهداف الإنتاج طويلة الأجل التي ستُعلنها “شيفرون” بعد إتمام استحواذها على شركة “هيس” بقيمة 53 مليار دولار في يوليو الماضي.



