علامة تجارية ماليزية تنافس “ماكدونالدز” محلياً بدعم من المقاطعة

في ظهيرة يوم سبت من صيف عام 2024، كان أطفال ليلاتول ساراجانا محمد إسماعيل يلحّون عليها ليذهبوا إلى ”ماكدونالدز“ مجدداً، لكن ليلاتول، كغيرها من مسلمي ماليزيا، كانت تُقاطع سلسلة مطاعم الوجبات السريعة هذه وغيرها من العلامات التجارية الأميركية احتجاجاً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
لم يثنِ هذا الخيار الأخلاقي، تضامناً مع شعب غزة، أطفالها عن تناول الدجاج المقلي، أحد أشهر أطباق السلسلة في البلاد. ومع ازدياد طلبهم لأفخاذ الدجاج المقرمشة، لجأت ليلاتول إلى تهدئة الوضع مؤقتاً بأن عمدت إلى قليها بنفسها في المنزل. ثمّ قررت أن تخطو خطوة أكبر في هذا الاتجاه.
لأنها مقتنعة بوجود آلاف، إن لم يكن ملايين، الماليزيين الآخرين الذين يتوقون إلى الشيء نفسه، لكنهم يتجنبون العلامات التجارية العالمية التي يُنظر إليها على أنها مرتبطة بإسرائيل أو حليفتها المقربة، الولايات المتحدة، أطلقت ليلاتول مشروعها الخاص، وهو منافس صغير النطاق لسلسلة المطاعم العملاقة.
المقاطعة في مصر تنعش مشروب “سبيرو سباتس” والشركة تتوقع مضاعفة مبيعاتها 40 مرة
بعد مرور أكثر من عام بقليل، نمت سلسلة مطاعم “أحمد فرايد تشيكن”- التي أسستها ليلاتول وزوجها محمد توفيق خير الدين- من شاحنة طعام متنقلة وصولاً إلى 35 فرعاً. وبحلول نهاية عام 2026، سيرتفع هذا العدد إلى حوالي 110 فروع.
في جميع أنحاء هذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا، الذي يقطنه 34 مليوناً ثُلثاهم مسلمون، ساهم الزبائن الذين قاطعوا سلاسل المطاعم العالمية تضامناً مع فلسطين في ازدهار العلامات التجارية المحلية.
على سبيل المثال، ضاعفت سلسلة مقاهي “زوسبريسو” (Zuspresso) الماليزية، التي كان لديها عدد فروع أقل من ”ستاربكس“ في عام 2023، عدد فروعها العام الماضي في حين تقلص عدد فروع “ستاربكس”.
اليوم، تُعدّ سلسلة مقاهي “زوس كوفي” أكبر مورد للقهوة في ماليزيا، حيث تضم أكثر من 700 فرع تُقدّم قهوة لاتيه بنكهة اليقطين، إضافة إلى مشروبات أخرى بنكهات محلية مثل جوز الهند وسكر النخيل.
هل ترسخت فكرة المقاطعة حقاً؟
برغم تزايد احتمالات التوصل إلى خطة سلام في الشرق الأوسط، يبدو أن توجه المستهلكين نحو البدائل المحلية سيستمر.
يقول أديب زلكابلي، مؤسس شركة “فيوفايندر غلوبال أفيرز” (Viewfinder Global Affairs) للاستشارات الجيوسياسية التي تُتابع الاتجاهات في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا: “هذا التغيير دائم. لا شك أن السياسة، أو الأحداث في فلسطين تحديداً، تُشكّل عاملاً رئيسياً يدفع المستهلكين إلى العلامات التجارية البديلة. تُعدّ فلسطين أهم قضية في السياسة الخارجية الماليزية”.
أصبحت ماليزيا، ثالث أغنى دولة في جنوب شرق آسيا، بؤرةً للمشاعر المؤيدة للفلسطينيين في السنوات الأخيرة. وقد كسب رئيس الوزراء أنور إبراهيم شعبيةً لدى الناخبين المسلمين الذين يرون في دعم الفلسطينيين واجباً دينياً عبر تأييده العلني لحركة حماس، المصنفة منظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
“أمريكانا للمطاعم” تواصل التعافي من أثر المقاطعة
تجذب المسيرات الداعمة للقضية الفلسطينية آلاف الأشخاص، بينما تنتشر ملصقات “أنقذوا غزة” على الطرقات. ولا تربط ماليزيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
لقد تصاعدت حدة المعارضة لسلسلة مطاعم ”ماكدونالدز“ في الأيام الأولى للصراع الإسرائيلي مع حماس، بعد انتشار صور لفروع ماكدونالدز في إسرائيل وهي تقدم وجبات طعام للجنود على مواقع التواصل الاجتماعي.
سارعت ”ماكدونالدز ماليزيا“، وهي شركة امتياز تملكها شركة ”ليون هورن“ (Lionhorn) السعودية، إلى النأي بنفسها عن تصرفات ”ماكدونالدز إسرائيل“. وجاء في بيان صادر عن ”ماكدونالدز ماليزيا“ في أكتوبر 2023: “لا ينبغي اعتبار القرار الأحادي الذي يتخذه أحد أصحاب الامتياز إجراءً عالمياً“.
تجاهل التباين بين أصحاب الامتيازات
مع ذلك، استمرت ردود الفعل السلبية المحلية في كثير من فروع سلسلة مطاعم ماكدونالدز وعددها 370 فرعاً في ماليزيا، بما في ذلك تخريب اللافتات واللوحات الإعلانية والمطاعم.
لم ترد ”ماكدونالدز ماليزيا“، التي لم تفصح عن الأثر المالي على عملياتها، على طلب للتعليق. وفي الربع الأخير، نمت المبيعات المماثلة في قطاع أسواق ”ماكدونالدز“ الدولية المرخصة للتطوير، والذي يشمل ماليزيا، بنسبة 4.7%.
لا تُعدّ ماليزيا بأي حال من الأحوال سوقاً ذات أثر كبير على العلامات التجارية العالمية الكبرى. (تشير تقديرات شركة الأبحاث ”موردور إنتليجنس“ إلى أن حجم صناعة خدمات الطعام في البلاد سيتضاعف تقريباً، ليصل إلى 27.5 مليار دولار بحلول عام 2030؛ في حين سيتجاوز في الولايات المتحدة 1.5 تريليون دولار).
“ستاربكس” تتعافى من المقاطعة وتعتزم فتح 500 متجر جديد بالمنطقة
إلا أن خسارة العملاء ما تزال لها تداعيات تجارية، خاصةً وأن ماليزيا ليست الدولة الوحيدة التي تعيد النظر في علاقتها مع العلامات التجارية الاستهلاكية العالمية.
أعلنت شركة ”كوكاكولا آيسيك“، التي تعبئ وتبيع منتجات ”كوكاكولا“ في الشرق الأوسط، هذا الصيف عن انخفاض حصتها السوقية في تركيا وباكستان، وذلك بعد دعوات لمقاطعة الشركات الغربية التي يُعتقد أنها على صلة بإسرائيل.
في إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، أغلقت شركة ”بي تي فاست فود إندونيسيا“، المشغلة لامتياز سلسلة مطاعم ”كنتاكي“، عشرات الفروع خلال العامين الماضيين، نتيجة عزوف الزبائن عن شراء دجاجها المقلي. والقائمة تطول. وبمجرد أن يتحول الزبائن إلى العلامات التجارية المحلية، يؤكد الكثيرون أنهم لن يعودوا إلى ”كنتاكي“.
نجاح السلاسل المحلية أسبابه ليست سياسة فحسب
أما سلسلة مقاهي ”زوس“ الماليزية، التي توسعت إلى الفلبين أواخر عام 2023، فقد افتتحت فروعاً لها في تايلندا وسنغافورة وبروناي، إدراكاً منها أن الجميع، وليس الماليزيين فقط، يقصدونها.
يرغب المستهلكون في منتجات محلية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم. في الفلبين، على سبيل المثال، تعمل الشركة على تعزيز ولاء المستهلكين من خلال بيع مشروبات قهوة بنكهة أوبي وهو اليام الأرجواني. قال فينون تيان، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة زوس: “نسعى جاهدين للحفاظ على هذه الثقة المتزايدة في العلامات التجارية المحلية”.
بالطبع، لن تنجو جميع العلامات التجارية المحلية التي ازدهرت خلال فترة المقاطعة. قال عزيزول أميلودين، الباحث غير المقيم في المعهد الماليزي للأبحاث الاقتصادية: “قد يتباطأ التوسع بسبب محدودية الموارد”.
بينما قد يميل المستهلكون الآن إلى العلامات التجارية المحلية، يقول سيدني لورانس كوايز، الرئيس التنفيذي لشركة ”بيرجايا فود“ (Berjaya Food)، التي تدير ”ستاربكس“ في ماليزيا: “للعلامات التجارية العريقة تاريخها وقوتها”. وأضاف أنه على الرغم من المقاطعة وإغلاق المتاجر والخسائر الفادحة التي نجمت عن الصراع في غزة، ما تزال الشركة “تؤمن إيماناً راسخاً بعلامة (ستاربكس) التجارية”، مبيناً أن الأعمال التجارية تتعافى تدريجياً.
حالياً، تشهد العلامات التجارية المحلية مثل سلسلة مطاعم ”أحمد فرايد تشيكن“ ازدهاراً ملحوظاً. تحقق هذه السلسلة، التي أسستها ليلاتول وزوجها، وكلاهما بلغ من العمر 34 عاماً، مبيعات شهرية تُقدّر بنحو 3 ملايين رينغيت (حوالي 730 ألف دولار)، وهو عائد ممتاز على استثمارهما الأولي وقدره 700 ألف رينغيت لبناء أول فرع في ديسمبر 2024.
في شاه علم، مركز التصنيع في سيلانغور، الولاية الأكثر تطوراً في ماليزيا، قد تظنون بسهولة أن واجهة مطعم ”أحمد“ الحمراء الزاهية وتصميمه الأنيق، الذي افتُتح حديثاً، تشبه أياً من سلاسل مطاعم الوجبات السريعة العالمية.
في الداخل، كان فيصل محمد وزوجته يجلسان إلى طاولة لتناول وجبة غداء من الدجاج والبطاطا المقليين مع مشروبات غازية. قال فيصل، 41 عاماً، وهو أيضاً من رواد مقهى ”زوس“: “عندما يتعلق الأمر بسلاسل مطاعم الوجبات السريعة العالمية، لا أعتقد أنني سأعود إليها. المطاعم المحلية لا تقل عنها جودةً… هذا المكان يقدم كل ما تقدمه المطاعم الأخرى، باستثناء القضايا السياسية“.



