ضغط ترمب على باول يمثل أحدث دافع لبيع الأصول الأميركية

اكتسبت موجة بيع الأصول الأميركية زخماً يوم الاثنين، مع مواصلة الرئيس دونالد ترمب التفكير في إمكانية إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. إذ تراجع الدولار وانخفضت العقود المستقبلية للأسهم وسندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، مع تقييم المستثمرين لمخاطر إقالة باول وتداعياتها على أكبر اقتصاد في العالم.
اشتدت عمليات البيع عقب تصريحات مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت يوم الجمعة بأن ترمب يدرس الأمر، بعد أن أفاد تقرير بأن الرئيس يدرس مثل هذه الخطوة.
يشكّل احتمال إقالة باول ضربة جديدة للأصول الأميركية، بعد أن أثارت التعريفات التجارية العالية أو المرتفعة التي فرضتها واشنطن مخاوف بشأن ركود اقتصادي، وعززت الشكوك حول مكانة سندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن مفضل. قال ترمب إن انخفاض قيمة العملة سيجعل المنتجات الأميركية أكثر تنافسية مما يفاقم الضغوط على الدولار.
تحذيرات من فقدان الثقة بالدولار
قال كريستوفر وونغ، استراتيجي لدى “أوفرسي-تشاينيز بانكنغ” (Oversea-Chinese Banking): “بصراحة، إقالة باول تبدو أمر يصعب تصديقه. و”من شأن التشكيك في مصداقية الاحتياطي الفيدرالي، أن يؤدي إلى تقويض الثقة بالدولار بشكل كبير”.
تراجع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري إلى أدنى مستوى له منذ يناير 2024. وفي ظل ضعف التداولات بسبب العطلات، صعد الين إلى أعلى مستوياته منذ سبتمبر، بينما قفز اليورو إلى أعلى مستوى له في أكثر من ثلاث سنوات.
كتب وين ثين، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق لدى “براون براذرز هاريمان آند كو” (Brown Brothers Harriman & Co) في مذكرة بحثية “نعتقد أن ضعف الدولار سيستمر”. و”يتصاعد الهجوم على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. ويجب التعامل بجدية وبنظرة سلبية للغاية مع مجرّد الاعتراف بأن مسألة إقالته (باول) قيد الدراسة”.
صناديق التحوط تبيع الدولار
قال متعاملون مطّلعون على المعاملات طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخوّلين بالحديث علناً، إنّ عدة صناديق تحوّط كانت من بين الجهات التي باعت الدولار يوم الاثنين، عقب تصريحات هاسيت.
أظهرت البيانات المجمعة من لجنة تداول العقود المستقبلية للسلع أن صناديق التحوط أصبحت الآن الأقل تفاؤلاً بشأن الدولار منذ أكتوبر. في حين لا تساهم الأخبار أو التصريحات بشأن باول في تحسين المعنويات، يرى آخرون أن تصاعد الحرب التجارية العالمية سيظل على الأرجح المحرك الرئيسي لشراء وبيع الدولار في الأسواق.
قال ويل كومبرنول، المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي لدى “إف إتش إن فاينانشيال” (FHN Financial) في شيكاغو: ‘استقلالية البنوك المركزية قيمة للغاية، وهي ليست شيئاً يمكننا اعتباره دائماً موجوداً أو مضموناً، ومن الصعب استعادتها في حال فقدانها”. و’تهديداته ضد باول لا تعزز ثقة المستثمرين الأجانب في الأصول الأميركية، لكنني ما زلت أعتقد أن التغيرات أو التحديثات في السياسات المتعلقة بالرسوم الجمركية هي السبب الرئيسي وراء التحركات في الأسواق”.
ماذا يقول خبراء “بلومبرغ”
“يزداد قلق المستثمرين أيضاً بسبب الانتقادات العلنية ضد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، التي تهدد بإحياء المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي.
ماري نيكولا، الخبيرة الاستراتيجية في “ماركتس لايف” (Markets Live)
مع ذلك، يرى البعض أن التقلبات التي أثارتها الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام قد تصب في مصلحة باول. قال ماكسيميليان لين، الخبير الاستراتيجي لدى مصرف “كنديان امبريال بنك اوف كوميرس” (Canadian Imperial Bank of Commerce): “كما جرت العادة، من الصعب التنبؤ بتصرفات ترمب، لكن الهدوء النسبي للأخبار المتداولة في وسائل الإعلام بشأن الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع الماضي، قد يشير إلى أن الأسواق تكبح جماح ترمب”. و:”وإذا صحّ ذلك، فمن المفترض أن ينعكس أيضاً على ضمان استقرار باول في منصبه”.
بيع شامل للأصول الأميركية
لم يقتصر البيع يوم الاثنين على الدولار الأميركي، إذ تراجعت العقود المستقبلية المرتبطة بمؤشرات الأسهم الأميركية بنسبة 1%، في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطتي أساس (0.02%).
ازداد منحنى العائد على سندات الخزانة الأميركية انحداراً (عوائد السندات قصيرة الأجل ارتفعت أكثر من طويلة الأجل)، ، حيث تفوقت السندات لأجل عامين على السندات ذات الآجال الأخرى، وسط تكهنات بأن إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي ستمهد الطريق لمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.
أوسع فجوة منذ 1992
أدى احتمال إجراء المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة إلى انحدار حاد في منحنى العائد مؤخراً. وارتفع الفارق في العائد الذي يطلبه المستثمرون لحيازة سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاماً مقارنةً بسندات لأجل عامين، على مدى تسعة أسابيع متتالية- وهو أمر لم يتكرر سوى مرة واحدة منذ أن بدأت “بلومبرغ” في جمع هذه البيانات عام 1992. كما تعرضت السندات طويلة الأجل على منحنى العائد لضغوط، وسط تكهنات بأن صناديق التحوط تقوم بتصفية صفقاتها ذات الرافعة المالية.
في غضون ذلك، تزايدت تحذيرات الخبراء الذين يُحللون حركة السوق في “وول ستريت”، إذ تُضعف حرب ترمب التجارية التوقعات بشأن نمو الاقتصاد الأميركي وأرباح الشركات. خفض استراتيجيون في “سيتي غروب” الأسبوع الماضي توقعاتهم للأسهم الأميركية، مشيرين إلى أن فكرة “الاستثناء الأميركي” (بمعنى تفوق الولايات المتحدة على باقي العالم) ستظل تواجه تحديات أو مشاكل. وقد انضموا إلى محللين لدى مؤسسات أخرى مثل “بنك أوف أميركا” و”بلاك روك” في التحول نحو التشاؤم بشأن الأسهم خلال الأيام الأخيرة.
هل يمكن لترمب إقالة باول؟
وسط الاضطرابات الحالية، يتساءل المشاركون في السوق عما إذا كان بإمكان ترمب فعلاً أن يقيل جيروم باول من منصبه. يقول خبراء قانونيون إنه لا يمكن للرئيس إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بسهولة. وتنص المادة 10 من قانون الاحتياطي الفيدرالي على أنه يمكن للرئيس “عزل أعضاء مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، ومن بينهم الرئيس، لسبب وجيه”. وقد فسر خبراء قانونيون “السبب” عموماً على أنه يعني سوء سلوك جسيم أو إساءة استخدام للسلطة.
في الوقت نفسه، ينتظر مراقبو السوق حكماً من محكمة عليا في قضية تُشكِّل اختباراً لقرار قضائي سابق يسمح للكونغرس بحماية كبار المسؤولين من الإقالة. وقد يؤثر هذا الجدل القانوني في نهاية المطاف على ما إذا كان ترمب يملك سلطة إقالة باول.
الدولار تحت ضغط مستمر
مهما كانت النتيجة، يرى البعض أن احتمال إقالة باول ليس سوى السبب الأحدث في سلسلة من الأسباب التي تدفع إلى تقليص الاستثمار في الدولار الأميركي.
قال غاريث بيري، الخبير الاستراتيجي لدى “ماكواري “(Macquarie) في سنغافورة:”قد يكون أحدث دافع لبيع الدولار هو الضغط على باول، ولكن الواقع ليس بحاجة لأي مبررات إضافية لبيع الدولار الأميركي”. و”ما حدث بالفعل خلال الأشهر الثلاثة الماضية هو مبرر كافٍ للاستمرار في بيع الدولار الأميركي، وربما لبضعة أشهر قادمة”.