اخر الاخبار

صندوق قطر السيادي يوسّع رهانه على الذكاء الاصطناعي عبر “أنثروبيك”

 عندما بحثت شركة “أنثروبيك” (Anthropic) عن تمويل إضافي لدعم مساعيها في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، لجأت إلى شبكة معروفة من مستثمري رأس المال المغامر. لكنها فتحت أيضاً الباب أمام مصدر تمويلي تجاهلته سابقاً: صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط.

فقد أعلنت “أنثروبيك” أن جهاز قطر للاستثمار” أصبح مستثمراً “رئيسياً” في جولة تمويل بقيمة 13 مليار دولار، قيّمت الشركة عند 183 مليار دولار. هذا يضع صندوق الثروة القطري إلى جانب أسماء مثل “أمازون دوت كوم” و”غولدمان ساكس”، إلى جانب عدد كبير من شركات رأس المال المغامر البارزة، ويدفع بقطر إلى سباق صفقات الذكاء الاصطناعي إلى جانب جيرانها الخليجيين ذوي الإمكانات المالية الضخمة.

وأشاد جهاز قطر للاستثمار بشركة “أنثروبيك” لما تتمتع به من براعة في أتمتة الترميز وتطبيقاتها في قطاع الأعمال. وقال محمد الحردان، رئيس قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في الصندوق الذي تبلغ أصوله 524 مليار دولار، في مقابلة: “لقد وجدت الشركة بالتأكيد مكانتها في القطاع المؤسسي”.

تشكل هذه الجولة التمويلية نقطة تحول بالنسبة لـ”أنثروبيك”، التي قدمت نفسها باعتبارها البديل الأكثر مسؤولية في مجال الذكاء الاصطناعي. وكان الرئيس التنفيذي، داريو أمودي، قد أعرب طويلاً عن مخاوفه بشأن منح الأنظمة السلطوية حق الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ولهذا السبب لم تكن صناديق الشرق الأوسط جزءاً من جولات التمويل السابقة.

لكن أمودي بدا أكثر ليونة قبيل جولة التمويل الأخيرة، مشدداً على أهمية الموارد المالية الضخمة في المنطقة. وكانت الشركات المنافسة قد سبقت بالفعل في هذا التوجه؛ إذ استثمرت “MGX” في أبوظبي في شركة “أوبن إيه آي” العام الماضي، وساهمت في مشروع “ستارغيت” للبنية التحتية الخاص بمطوّر “تشات جي بي تي”، بينما جمعت شركة “xAI” التابعة لإيلون ماسك تمويلاً من “جهاز قطر للاستثمار” و”MGX” و”المملكة القابضة” السعودية.

وكان جهاز قطر للاستثمار المستثمر الخليجي الوحيد في قائمة تضم أكثر من 20 مستثمراً كشفت عنها “أنثروبيك” يوم الثلاثاء. وتشير الصفقة إلى رغبة الدوحة في ضخ الأموال بشكل أكثر عدوانية في هذا القطاع، واستعادة مكانتها بعد انتكاسة تعرضت لها مع إفلاس شركة “Builder.ai”. ويهدف الصندوق إلى استثمار نصف تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، مستفيداً من عائدات الغاز المتزايدة، ما يعزز حضوره في وادي السيليكون.

وقال الحردان إن “أنثروبيك” ما هي إلا واحدة من بين العديد من صفقات الذكاء الاصطناعي المقبلة. وعلى الرغم من أن الجهاز لم يتزعم الجولة الأخيرة، إلا أنه قد يفعل ذلك في صفقات مستقبلية، سواء عبر تمويل المراحل المبكرة أو عند اقتراب الشركات من الطرح العام.

وأضاف الحردان: “ستروننا نقوم بكل شيء. الرفاهية التي نتمتع بها -التي لا تتمتع بها الصناديق الأخرى- هي أن تفويضنا واسع جداً، ما يمنحنا حرية الاختيار”. ويشمل ذلك استثمارات مخططة في مجال الرقائق والإعلام، إلى جانب التوسع المستمر في الصين.

من الأصول الرمزية إلى التكنولوجيا

تأسس جهاز قطر للاستثمار عام 2005 لإدارة إيرادات البلاد الوفيرة من الغاز الطبيعي المسال، وسرعان ما اكتسب سمعة كصندوق يهوى الأصول “الرمزية”؛ حيث أنفق مبالغ ضخمة على حصص في “كريدي سويس” و”بورصة لندن”، ومتجر “هارودز” الشهير.

لكن الجهاز بدأ في تغيير استراتيجيته نحو التكنولوجيا عام 2021، قبل عام واحد من إطلاق “أوبن إيه آي” لأداة “تشات جي بي تي” التي أشعلت موجة من الاستثمارات. وقد أطلقت كل من الإمارات والسعودية صناديق بمليارات الدولارات تستهدف شركات تطوير النماذج والرقائق ومراكز البيانات، وأسستا بدورهما شركات وطنية للذكاء الاصطناعي. أما قطر، فكانت أكثر حذراً في خطواتها.

ووفقاً لسارة بازوباندي، الباحثة في “المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية” والتي تتابع صناديق الشرق الأوسط، فإن دخول الجهاز القطري إلى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جاء لأسباب استراتيجية، إضافة إلى تجنب التأخر عن جيرانه. وقالت: “هناك دائماً نمط سرب الطيور؛ فبمجرد دخول أحدهم إلى سوق أو قطاع أو منطقة جديدة، يتبعه الآخرون”.

توسيع وتيرة الصفقات

يتوقع الجهاز إتمام ما يصل إلى 25 صفقة في مجال التكنولوجيا هذا العام والعام المقبل، مقارنة بمتوسط يتراوح بين 10 إلى 15 صفقة سنوياً من قبل فريق الحردان، تشمل قطاعات البرمجيات والرقائق والإعلام والاتصالات. ومع ذلك، يعترف الحردان بالمخاطر المرتبطة بضخ الأموال في هذا القطاع. وقال: “العديد من هذه الشركات لا تزال غير ناضجة. ومع أي شيء يخص الذكاء الاصطناعي، هناك دائماً مخاطر متأصلة”.

ومثال على ذلك: رهان الجهاز في عام 2023 على شركة “Builder.ai”، وهي شركة بريطانية وعدت بتطوير التطبيقات من دون الحاجة للترميز. وبعد عامين، انهارت الشركة بعد أن اكتشف المستثمرون أن المدير التنفيذي السابق قد ضخّم المبيعات بشكل كبير. وكان الجهاز يشغل مقعداً في مجلس الإدارة، واكتشف المشكلة المالية في أواخر العام الماضي، بحسب ما أفادت به “بلومبرغ نيوز”. ورفض الحردان التعليق على هذه القضية.

وحالياً، يفضل الجهاز أخذ حصص أقلية في الشركات الناشئة، بحيث لا تتجاوز الملكية 15% من الأسهم، ويستثمر مبالغ أقل في الصفقة الواحدة: عادة حوالي 100 مليون دولار، وأحياناً تصل إلى 25 مليون دولار فقط. لكن هناك استثناءات، إذ قال الحردان إن الجهاز استثمر “شيكاً كبيراً” عام 2023 في شركة “داتا بريكس” (Databricks Inc) للبرمجيات، والتي تم تقييمها مؤخراً بأكثر من 100 مليار دولار.

قطر تواصل تكثيف استثماراتها التقنية

منذ تلك الصفقة، ركز الجهاز على شركات الذكاء الاصطناعي الأقل شهرة التي تستهدف السوق المؤسسية. فقد استثمر هذا العام في شركة “Instabase”، وهي شركة تدير بيانات الأعمال، ضمن جولة تقييم منخفضة، وكذلك في “Applied Intuition”، وهي شركة في كاليفورنيا توفر تقنيات للسيارات والطائرات الذاتية القيادة.

كما دعم الجهاز شركة “كريستا” (Cresta)، المتخصصة في أتمتة خدمة العملاء. وبعد الصفقة، قال الرئيس التنفيذي لـ”كريستا”، بينغ وو، إن موظفي الجهاز عرفوه على مستثمرين خليجيين آخرين في فعالية أقيمت في الدوحة، وأظهروا اهتماماً ضئيلاً بالتدخل في عمله. وأضاف: “هم رأس مال صبور ودائم”.

أما الاستثمار البارز للجهاز في شركة “xAI” فلم يحصل إلا في أواخر العام الماضي، عندما شارك في جولة تمويلية بقيمة 6 مليارات دولار، جزئياً بسبب وصول ماسك إلى بيانات من شبكته الاجتماعية وشركة “تسلا”. كما سبق أن دعم الجهاز شركة “X” التابعة لماسك وشركة “نيورالينك” (Neuralink) المتخصصة في زرع رقائق دماغية.

وسيشكل المدير التنفيذي الجديد للجهاز، محمد السويدي، نقطة قوة إضافية أثناء سعي الصندوق لإبرام المزيد من الصفقات في الولايات المتحدة. فقد أمضى السويدي معظم سنواته الأولى في الجهاز في الأمريكيتين، حيث ساعد في تأسيس مكتب في الولايات المتحدة، وأصبح لاحقاً الرئيس التنفيذي للاستثمارات في المنطقة. ويخطط لتوجيه الجهاز نحو ضخ رأس المال في شركات كبيرة، وتملك حصص في شركات مدرجة، والتركيز على الصفقات الضخمة، لا سيما في مراكز البيانات والرعاية الصحية.

ولتعزيز هذا التوجه، يوجد حالياً ستة أعضاء من فريق الحردان المكون من نحو 30 شخصاً في نيويورك. وعلى الرغم من عدم وجود خطط حالياً لفتح مكتب في وادي السيليكون، إلا أن أحد أعضاء الفريق يتواجد هناك “كل أسبوعين تقريباً”، حسبما قال الحردان. وبفضل سلسلة الصفقات التقنية، بنى كبار المسؤولين في الجهاز، ومنهم الحردان، علاقات مباشرة مع بعض أكبر المستثمرين في وادي السيليكون.

ومن بين مجموعة الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي التي يتابعها الجهاز، أشار الحردان إلى تقنيات توليد الموسيقى والصور والفيديو بشكل فوري باعتبارها “الأكثر إثارة للاهتمام” في مجال الإعلام. وأضاف أن الجهاز يدرس حالياً الاستثمار في شركة ناشئة في هذا القطاع، مع خطط لدمجها مع “نورث رود” (North Road)، وهو استوديو يديره عملاق هوليوود بيتر تشيرنين، والمدعوم من قطر.

ويؤكد الجهاز أنه سيواصل النظر في شركات تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي كفرص محتملة للاستثمار. وقال الحردان إن هذه الشركات التي تنزف الأموال حالياً في سباقها نحو تحقيق إيرادات ستتخذ مسارات ربحية مختلفة. وختم قائلاً: “كل واحدة من هذه الشركات ستتطور بطريقة مختلفة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *