اخر الاخبار

صناعة الدفاع البولندية تواجه اختبار “حارس بوابة أوروبا”

من على الحدود الشرقية لأوروبا، حيث تتلاقى بولندا مع أوكرانيا، تخوض وارسو غمار اختبار استثنائي لدورها في التصدي لما يسميه الأوروبيون التهديد الروسي. ومن خلال تطوير قطاعها الدفاعي وتعزيز تكامل القدرات الغربية في صناعاتها العسكرية، تتطلع بولندا إلى ترسيخ مكانتها كدرع دفاعي متقدم لحلف شمال الأطلسي.

في قلب هذا التحول، استضافت مدينة كراكوف فعاليات مؤتمر CyberSEC 2025، الذي سلّط الضوء على استجابة بولندا الأمنية والعسكرية لأزمة أوكرانيا، والتدفق غير المسبوق للأسلحة الغربية نحو شرق أوروبا.

إنفاق دفاعي قياسي

ارتفعت ميزانية الدفاع البولندية إلى 38 مليار دولار، كمعدل سنوي، أي ما يعادل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح الأعلى في دول الناتو في وسط وغرب أوروبا، ولتحتل المرتبة 13 عالمياً، متفوقةً على دول كإيطاليا وأستراليا، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI).

منذ بداية الحرب، ضاعفت بولندا ميزانيتها الدفاعية، مستهدفةً إنفاق 5% من ناتجها المحلي في 2025، وهي النسبة الأعلى في الناتو بعد الولايات المتحدة. 

وكان حلف الناتو أعلن عن هدفه المشترك لرفع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة بحلول 2035، على أن يكون من بينها 1.5% مخصصة للبنية التحتية السيبرانية المتعلقة بالدفاع.

اقرأ أيضاً: دول “الناتو” تتفق على رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من اقتصادها

وتتوقع شركة GlobalData أن يصل الإنفاق الدفاعي البولندي إلى 48.5 مليار دولار بحلول 2029، بنمو سنوي مركب يفوق 4%. أما ميزانية الدفاع لعام 2025 تحديداً فبلغت مستوىً قياسياً عند 187 مليار زلوتي (51.7 مليار دولار)، أي 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبفضل موقعها المحاذي لأوكرانيا وبيلاروسيا، تعزز بولندا شراكاتها الأمنية مع حلفائها في الناتو. وتسعى لإعادة توجيه 7.2 مليار يورو من صندوق التعافي الأوروبي ما بعد جائحة كورونا إلى مشاريع دفاعية، وتدعم إنشاء صندوق دفاع أوروبي بقيمة 150 مليار يورو لتقاسم أعباء التسلح.

الشركات البولندية ركيزة الصناعة الدفاعية

تُعدُّ مجموعة PGZ الحكومية العمود الفقري للصناعات الدفاعية البولندية، وتضم أكثر من 50 شركة، منها مصنع Huta Stalowa Wola المتخصص في المدفعية، وشركة Mesko المنتجة للذخائر، وشركة PIT-RADWAR المختصة في أنظمة الرادار والدفاع الجوي. وتنفذ المجموعة عقوداً دفاعية ضخمة لتحديث القوات المسلحة البولندية، بما يشمل تطوير أنظمة القيادة والسيطرة، وأنظمة المدفعية ذاتية الحركة، والأسلحة المضادة للدروع.

ووفقاً لبلومبرغ، طلبت وزارة الدفاع من مجموعة PGZ المملوكة للدولة تصنيع 150 ألف قذيفة سنوياً، ضمن عقد تبلغ قيمته حوالي 2.7 مليار دولار، لكن التنفيذ تأخر حتى 2028 بسبب مشاكل في الإنتاج المحلي.

كما تبرز مجموعة WB Group كلاعب رئيسي في مجال التكنولوجيا الدفاعية، حيث تنتج الطائرات المسيّرة من طراز WARMATE، وأنظمة القيادة والسيطرة Topaz، إضافةً إلى أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات FONET التي تُستخدم على نطاق واسع داخل بولندا وخارجها.

أما شركة DefendEye الناشئة، فقد أطلقت جيلاً جديداً من الطائرات المسيّرة ذاتية التشغيل والمزودة بالذكاء الاصطناعي، والقادرة على تنفيذ مهام معقدة دون تدخل بشري. وتتميز منظومتها بخفة الوزن، وانخفاض التكلفة، وسهولة الإطلاق، مع دعم للاتصال بالأقمار الاصطناعية والشبكات الخلوية.

تزن المسيرة 250 غراماً فقط، وتتميز بقدرتها على الإقلاع خلال 10 ثوانٍ، وتقديم بث مرئي وحراري مباشر. وتُستخدم لأغراض عسكرية وأمنية وبيئية، بما في ذلك مكافحة التسلل، والإنقاذ، ومراقبة الحشود. ويجعلها سعرها التنافسي الذي يبدأ من 1500 دولار خياراً مغرياً للأسواق العالمية، بما في ذلك العربية.

تحديات تعترض المسار

رغم النمو السريع، تواجه الشركات البولندية تحديات حقيقية، منها العجز المالي المتوقع أن يتجاوز 10 مليارات دولار في 2025، وتكاليف الصيانة المرتفعة للأسلحة التي تصل أحياناً إلى ثلاثة أضعاف تكلفة الشراء، ما يثقل كاهل موازنة البلاد الدفاعية. بالإضافة إلى نقص الكفاءات التقنية والمهندسين، واعتمادها بشكلٍ أساسي على تكنولوجيا أجنبية من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والمنافسة من الشركات الأوروبية. كما أن الشركات الخاصة الصغيرة تعاني من هيمنة الشركات الحكومية الكبرى على العقود، مما يحدّ من فرصها في النمو.

إضافةً إلى ذلك، تسببت التغييرات المتكررة في قيادات القطاع في اضطراب إداري، وأثارت انتقادات حادة من المسؤولين. وقال وزير الدفاع فلاديسلاف كوسينياك كاميش إن القيادات السابقة “فشلت فشلاً ذريعاً في تطوير صناعة الأسلحة البولندية”.

وتسعى بولندا إلى بناء منظومة إنتاج محلية متكاملة، بالشراكة مع فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية وتركيا، لتصنيع الذخائر والأسلحة المتقدمة، بما يشمل دبابات K2 Black Panther. كما تُبرم الشركات المحلية عقوداً لتطوير طائرات مسيّرة، وأنظمة مراقبة، واتصالات، وأمن سيبراني.

CYBERSEC 2025.. السيادة الرقمية أولوية استراتيجية

في كراكوف، شكّل مؤتمر CYBERSEC 2025 الأسبوع الماضي نقطة تحول في مسار الأمن الرقمي الأوروبي، مع إطلاق “رؤية EuroStack” لتوحيد البنية التحتية الرقمية بين الدول الأعضاء.

ناقش المؤتمر تحول الأمن السيبراني من مجرد إجراء دفاعي إلى أداة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الرقمي الأوروبي. وجرى اعتماد خطة أوروبية لإدارة الأزمات السيبرانية بخمس مراحل، بدءاً من الكشف وانتهاءً بالتعافي.

وأتاح المؤتمر منصة “ECSO Cyber Investor Days” لرواد الأعمال لعرض ابتكاراتهم في الأمن السيبراني أمام صناديق استثمار كبرى، مع تركيزٍ على الحلول الأوروبية الخالصة.

كما سلّط الضوء على الفجوة الكبيرة في حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تستهدفها 47% من الهجمات، بينما لا يملك سوى 14% منها الحد الأدنى من وسائل الحماية.

وفي تحول استراتيجي، شدد المشاركون على ضرورة تقليل الاعتماد على منصات أجنبية مغلقة المصدر، وبناء بدائل أوروبية في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

قال أندريه نوفيكوف، مستشار الأمن السيبراني في المفوضية الأوروبية: “نحن لا نقطع الجسور، لكننا نؤسس لواقع جديد تستطيع فيه أوروبا تأمين بنيتها الرقمية بأدواتها الخاصة، ومن أجل مواطنيها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *