صناديق أسواق النقد تتحدى وول ستريت بعد جذبها 91 مليار دولار في الأسبوع
كان من المتوقع أن يكون هذا العام هو عام “النزوح الكبير” من صناديق أسواق النقد في الولايات المتحدة. فبين خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة والارتفاع المتوقع في الأسهم والسندات الذي من شأنه جذب المستثمرين بعيداً عن هذه الصناديق، توقع محللو وول ستريت أن يقوم المستثمرون بسحب أموالهم من صناديق النقد بشكل جماعي.
لكنهم كانوا بعيدين عن الواقع. فعلى الرغم من تخفيض الفائدة وارتفاع الأسهم، استمرت الشركات والأسر في ضخ أموالها في صناديق النقد، مما رفع أصول تلك الصناديق إلى أكثر من 7 تريليونات دولار هذا الأسبوع، وهو أعلى مستوى في التاريخ. هذا الاندفاع نحو الصناديق — التي تستثمر في سندات الخزانة وغيرها من الأدوات قصيرة الأجل — يعكس مدى جاذبية العوائد التي تتجاوز 5% للمستثمرين الذين اعتادوا لعقود على معدلات قريبة من الصفر.
معدلات ثابتة وعوائد مغرية
رغم تراجع معدلات الفائدة إلى حوالي 4.5% الآن، تظل صناديق النقد توفر دخلاً شبه خالٍ من المخاطر يعزز من القدرة المالية للأسر ويعوض إلى حد ما الأضرار الناتجة عن رفع أسعار الفائدة في قطاعات أخرى من الاقتصاد. ومع تزايد الدلائل على أن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يستمر في خفض معدلات الفائدة بشكل كبير، بدأ العديد من المحللين في وول ستريت يتوقعون أن الأميركيين لن يفقدوا رغبتهم في الاحتفاظ بالنقد في أي وقت قريب.
وقالت لوري بريجنك، رئيسة الاستثمار ورئيسة قسم السيولة العالمية في “إنفسكو”: “أجد صعوبة في تصور ما قد يدفع المؤسسات أو الأفراد للخروج من صناديق النقد”. وأضافت: “كان هناك اعتقاد بأن خفض الاحتياطي الفيدرالي لمعدلات الفائدة سيدفع المال إلى الخروج، لكن هذا لم يحدث”.
الجاذبية لا تكمن فقط في بقاء معدلات صناديق النقد قريبة من ذروتها، بل أيضاً في أنها تتساوى مع — أو حتى تفوق — ما تقدمه البدائل الأخرى، مما يستمر في جذب المستثمرين. حالياً، تحقق سندات الخزانة لمدة ثلاثة أشهر عائداً يبلغ حوالي 4.52%، وهو أعلى بحوالي 0.07 نقطة مئوية من العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات. فيما تدفع آلية إعادة الشراء العكسي لليلة واحدة من الاحتياطي الفيدرالي — وهي أداة تستخدمها صناديق النقد لاستثمار أموالها — عائداً يبلغ 4.55%.
خيار مفضل وسط انخفاض عوائد البنوك
الأمر الأكثر جذباً هو سرعة البنوك في عكس تأثيرات خفض الفائدة على المستهلكين، مما جعل صناديق النقد مكاناً أكثر جاذبية لتخزين الأموال. فعلى سبيل المثال، خفض “ماركوس” (Marcus)، البنك الاستهلاكي لمجموعة جولدمان ساكس، سعر الفائدة على حساب التوفير عالي العائد إلى 4.1% بعد تحركات الاحتياطي الفيدرالي، بينما يقدم “ألاي بنك” (Ally Bank) حالياً عائداً يبلغ 4%.
وقد ساعد ذلك صناديق النقد في اجتذاب نحو 91 مليار دولار في الأسبوع المنتهي الأربعاء، وفقًا لشركة “كرين داتا” المتخصصة في بيانات صناديق النقد وصناديق الاستثمار المشتركة، مما رفع إجمالي الأصول إلى 7.01 تريليون دولار. وبلغ العائد لمدة سبعة أيام على مؤشر “كرين 100 موني فند”، الذي يتتبع أكبر 100 صندوق، 4.51% اعتباراً من 13 نوفمبر.
توقعات المحللين: “تراجع في الطلب على الصناديق في 2025”
مع استمرار الجاذبية الكبيرة لصناديق النقد رغم خفض الفائدة، هناك توقعات متزايدة بتراجع الطلب عليها في 2025. وذكر “جيه بي مورغان تشيس” أن هذه الصناعة غالباً ما تبدأ في تسجيل تدفقات خارجية تقريباً بعد ستة أشهر من بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض الفائدة.
كما أن هناك احتمالًا بأن يعزز فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشهر الماضي نشاط الاندماج والاستحواذ، نظراً إلى التوقعات بأن تتخذ الإدارة القادمة موقفاً أقل تشدداً من الناحية الاحتكارية، مما قد يدفع الشركات إلى استثمار النقد الذي كانت تحتفظ به.
وقالت تيريزا هو، رئيسة استراتيجية المعدلات القصيرة في “جيه بي مورغان”: “لا أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة تحول، لكن يبدو أننا نقترب من ذروة 7 تريليونات دولار، ومع التفكير في العام المقبل، سيكون من الصعب توقع تكرار عام 2024”. ومع ذلك، أكدت أن بعض العوامل المحفزة لنمو أصول صناديق النقد قد لا تتغير.
أسباب بقاء النقد في صناديق الأموال
يستمر احتفاظ الشركات بنقدية أكبر بكثير مما كان عليه الوضع قبل الجائحة، كما أن مديري الخزينة يميلون إلى الاستعانة بصناديق النقد مع انخفاض العوائد، مما يعزز الحماية ضد التدفقات الخارجية من صناديق النقد.
أظهرت بيانات “كرين” أن المؤسسات الاستثمارية شكلت حوالي نصف إجمالي تدفقات النقد البالغة 700 مليار دولار هذا العام. بينما تظهر بيانات من “انفستور كمباني انستتيوت” (nvestment Company Institute)، التي تُنشر أسبوعياً وتستثني صناديق النقد الداخلية الخاصة بالشركات، أن التدفقات الداخلة منذ بداية العام بلغت 702 مليار دولار، لتصل إجمالي الأصول إلى 6.67 تريليون دولار في الأسبوع المنتهي في 13 نوفمبر.
وقالت بريجنك من “إنفسكو”: “اعتاد المستثمرون الأفراد على عدم تحقيق عائد منذ عقود، لذلك يبدو أي شيء أعلى من الصفر كفوز كبير”. ومع ذلك، تضيف: “سيظل هناك حركة مستمرة للنقد”.