صفقة خفض الرسوم الأميركية تعيد إيقاع صناعة الساعات السويسرية

استغرقت شركة الساعات السويسرية “غروفانا” (Grovana) ثلاثة أشهر قبل أن تُعيد شحن صادراتها إلى السوق الأميركية، بعدما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية بنسبة 39% على البلاد.
مع صدور القرار في أغسطس، اضطر مالكو “غروفانا” لتقدير حجم الرسوم التي يمكنهم تحملها، وتقدير حجم الخسائر المحتملة في الأرباح، ثم الدخول في مفاوضات جديدة مع الموزع الرئيسي بشأن الأسعار. وفي مطلع نوفمبر، استؤنفت الشحنات أخيراً إلى الولايات المتحدة.
وبعد كل هذه المساومات والضغوط، تنفس قطاع الساعات السويسري، إلى جانب المصدرين الأخرين، الصعداء يوم الجمعة، حين أعلنت الولايات المتحدة خفض الرسوم الجمركية إلى 15% فقط، أي أقل من نصف مستواها الأصلي.
تراجع صادرات الساعات السويسرية لأميركا
يأتي قرار الخفض في وقت لا يحتمل التأجيل، بعدما هوت صادرات الساعات السويسرية إلى الولايات المتحدة بنسبة 56% في سبتمبر. وبدأت الشركات بخفض التكاليف ووضع العمال في إجازات إجبارية، في وقت تستثمر فيه العلامات الكبرى الأموال في شركات صغيرة متخصصة لحماية الموردين الأساسيين.
وفي مدينة لا شو دو فون، إحدى مراكز صناعة الساعات السويسرية، يقول السكان المحليون إن ضجيج الورش المعتاد يختفي في بعض الأيام نتيجة تقليص ساعات العمل.
اقرأ أيضاً: اتفاق مبدئي يخفض الرسوم الأميركية على سويسرا إلى 15% بعد تعهد استثماري
قال كريستوفر بيترلي، الرئيس التنفيذي لشركة “غروفانا”، إن “قطاع الساعات في سويسرا بأكمله يمر بمرحلة ضغط شديدة حالياً.. لا يمكننا الاستغناء عن السوق الأميركية”.
ضغوط المواد الخام
زادت الرسوم الجمركية البالغة 39% من تعقيد وضع كان صعباً بالفعل، بالنظر إلى تباطؤ الطلب من الصين والارتفاع الحاد في أسعار المواد الخام مثل الذهب الذي بلغ مستوى قياسياً الشهر الماضي، وقد يواصل الصعود إلى 5000 دولار للأونصة، وفق تقديرات “جيه بي مورغان برايفت بنك” (J.P. Morgan Private Bank).
ويضاف إلى ذلك قوة الفرنك السويسري، الذي ارتفع بنحو 14% أمام الدولار هذا العام، ما جعل القدرة الشرائية للعملة الأميركية أقل عند شراء منتجات سويسرية الصنع.
في وقت سابق من يوم الجمعة، وقبل تأكيد الاتفاق التجاري الجديد، أعلنت شركة السلع الفاخرة “ريتشمونت” (Richemont) نتائج مبيعات قوية، لكنها حذرت أيضاً من تأثير أكبر للرسوم خلال النصف الثاني من العام ما لم يتم التوصل إلى شروط أفضل.
لم تكن الأعوام الأخيرة قاتمة بالنسبة لمُصنعي الساعات. فالتراجع الحالي يأتي بعد طفرة في الطلب خلال الجائحة، حين رفعت العديد من الشركات أسعارها بشكل كبير مع تصاعد التضخم.
تباطؤ الطلب الأميركي
يعكس بعض الركود أيضاً التحميل المسبق للشحنات، إذ سارعت شركات الساعات إلى توفير الإمدادات للولايات المتحدة قبل بدء تطبيق الرسوم الجمركية. وهذا يعني تراجع حاد في الطلب على بعض الطرازات وقطع الغيار، مثل التوربيون، في بعض الحالات.
وفي محاولة لاحتواء الضغوط، مددت الحكومة السويسرية فترة صرف الإعانات للعاملين الموضوعين في إجازات إجبارية. ورغم أن هذا البرنامج متاح لمختلف القطاعات، فإنه يُعد بالغ الأهمية لمصنّعي الحركات الميكانيكية المتخصصة الذين لا يستطيعون التفريط في خبرة تراكمت عبر عقود.
ساعات “رولكس” و”باتيك” المستعملة تنجو من تباطؤ القطاع عالمياً
وصف بيبر ألان بيريه، رئيس غرفة التجارة والصناعة في كانتون جورا ضمن ما يُعرف بوادي الساعات، الإجراء بأنه “جرعة أوكسجين”، مضيفاً أنه “يسمح للشركات بالاحتفاظ بكوادرها الماهرة”.
الرسوم الأميركية تبطئ عقارب الساعات السويسرية.. التفاصيل هنا.
وفي أنحاء المنطقة، خصوصاً في مدن ذات تاريخ طويل في صناعة الساعات مثل لا شو-دو-فون ولو لوكل، تبدو آثار التباطؤ جلية. إذ يقول المسؤولون التنفيذيون في صناعة الساعات إن ورشاً كانت تعجّ بالنشاط بات يديرها شخصان فقط، بينما تُغلق بعض المصانع أبوابها لأيام في الأسبوع، مع تراجع حركة المرور وأعداد المتنقّلين.
على مستوى البلاد، يتزايد عدد الشركات، سواء في قطاع الساعات أو في قطاعات أخرى، التي تلجأ إلى طلب الدعم الحكومي، مع ارتفاع طلبات الإجازات المدفوعة هذا العام.
ضغوط على كبار المصنعين
حتى شركة “لا جو بيريه” (La Joux-Perret)، إحدى أبرز وأنجح مصنّعي الحركات الميكانيكية في سويسرا، باتت تشعر بالضغط.
ورغم أن وتيرة التباطؤ غير متكافئة، تعمل الشركة حالياً على نقل الموظفين إلى مواقع أخرى، لكن خيار الإجازات المدفوعة يبقى مطروحاً إذا استمرت الأوضاع السيئة.
قال جان تشارلز مايارد، رئيس المبيعات في الشركة: “عالمياً، وبالمقارنة مع السنوات السابقة، ألاحظ تحولاً واضحاً. لقد تأثر العملاء من العلامات الكبرى، الذين اعتادوا طلب كميات كبيرة، بالأزمة بشكل مباشر”.
استحواذات لإنقاذ الموردين
استثمرت بعض الشركات الكبرى مؤخراً في شركات تصنيع الساعات، ما ضخ سيولة ضرورية للموردين الذين تعتمد عليهم هذه العلامات التجارية بشكل كبير.
فقد استحوذت شركة “أوديمار بيغيه” (Audemars Piguet) على حصة أغلبية في شركة “إنهوتيك” (Inhotec)، بينما اشترت مجموعة “إل في إم إتش” (LVMH) حصة أقلية في شركة “لا جو بيري” (La Joux-Perret)، التي تعاونت بشكل وثيق مع علامات “إل في إم إتش” مثل “تاغ هوير” (TAG Heuer).
جاءت اتفاقية التجارة الجديدة مع سويسرا بعد أكثر من أسبوع بقليل من تدخل مباشر من جانب نخبة من كبار رجال الأعمال السويسريين، من بينهم جان فريدريك دوفور، رئيس شركة “رولكس” (Rolex). وكان دوفور ضمن مجموعة صغيرة من التنفيذيين الذين التقوا ترمب في المكتب البيضاوي، وهو اجتماع يبدو أنه أعطى دفعة للمفاوضات.
وقال باتريك هوفمان، رئيس شركة “فافر لوبا” (Favre Leuba)، التي تأسست عام 1737 وتعد إحدى أقدم علامات الساعات في العالم، إن “الرسوم الجمركية المخفضة تمثل انفراجاً مهماً وضرورياً لصناعة الساعات، لكني لا أزال لا أرى بصيص أمل”. وأضاف أن “هناك مشكلات أخرى، مثل الصين وهونغ كونغ، حيث لا تزال أرقام الصادرات أقل بأكثر من 30% مقارنة بما كانت عليه قبل عامين”.



