صفقات الذكاء الاصطناعي تواصل قيادة ارتفاع المؤشرات الأميركية

دفعت موجة ارتفاع في أسهم شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية مؤشرات الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية جديدة، بعدما أضافت صفقة شركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD) مع “أوبن إيه آي” مزيداً من الزخم إلى فورة الذكاء الاصطناعي التي غذّت صعود “وول ستريت”. في المقابل، تراجعت السندات وارتفع الدولار.
مع اقتراب السوق الصاعدة من الذكرى السنوية الثالثة لانطلاقها، لا تظهر أي علامات على انحسار الزخم، إذ صعد مؤشر “إس آند بي 500” للجلسة السابعة على التوالي، وهي أطول موجة مكاسب منذ مايو.
قفز سهم “أدفانسد مايكرو ديفايسز” بنسبة 24%. وفي حين تراجع سهم عملاق الرقائق “إنفيديا”، ارتفع المؤشر الرئيس لأشباه الموصلات بنحو 3%. كما قادت “تسلا” مكاسب الأسهم الكبرى، بعدما ألمحت منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى اقتراب كشفها عن منتج جديد.
اتفاق “إيه أم دي” يشعل حماسة وول ستريت
صفقة “إيه أم دي” يوم الإثنين تُعد أحدث اتفاق ضخم في مجال مراكز البيانات هذا العام، وتأتي بعد إعلان الشهر الماضي بأن “إنفيديا” تخطط لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في “أوبن إيه آي”، وسط الطلب المتزايد على أدوات مثل “تشات جي بي تي” وقدرات الحوسبة اللازمة لتشغيلها.
وقال لويس نافالييه من شركة “نافالييه آند أسوشيتس”: “شركات أشباه الموصلات مشتعلة”، مضيفاً أن “سردية الذكاء الاصطناعي تواصل اكتساب الزخم”.
ومع تجدد الحماس المحيط بظاهرة الذكاء الاصطناعي، أشار مات مالي من شركة “ميلر تاباك” إلى أنه “ليس من المستغرب أن المتداولين يتجاهلون إلى حد كبير قضايا مثل إغلاق الحكومة الأميركية”.
وأغلق مؤشر “إس آند بي 500” حول مستوى 6,740 نقطة. وقفز سهم “كوميريكا” بعد أن وافقت شركة “فيفث ثيرد بانكورب” على شراء البنك مقابل نحو 10.9 مليارات دولار في صفقة تبادل أسهم. في المقابل، تراجع سهم “آب لوفين” بعد أنباء أنه يخضع لتحقيق بشأن ممارساته في جمع البيانات.
تراجعت سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل، مقتفيةً أثر اتجاه مماثل في معظم أنحاء أوروبا وآسيا، وسط مخاوف مالية. واقترب الذهب من مستوى 4,000 دولار للأونصة، كما سجّلت “بتكوين” مستوى قياسياً جديداً. وارتفع النفط بعد أن رفعت “أوبك+” الإنتاج بمقدار متواضع.
اقرأ أيضاً: لماذا يتدافع المستثمرون نحو الذهب وبتكوين؟
تحذيرات من فقاعة ذكاء اصطناعي جديدة
منذ انطلاق طفرة الذكاء الاصطناعي، تكررت التحذيرات من فقاعة مضاربية قد تضاهي فقاعة “الدوت كوم” في أواخر التسعينيات، التي انتهت بانهيار مذهل وموجة إفلاسات.
وظهرت بعض المخاوف من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد انفجرت فعلاً في أواخر يناير، حين قلبت شركة “ديب سيك” الصينية السوق رأساً على عقب بإطلاق نموذج ذكاء اصطناعي منافس.
إلا أن “وادي السيليكون” ظلّ غير متأثر إلى حد كبير. وفي الأشهر التالية، ضاعفت شركات التكنولوجيا خطط إنفاقها على الذكاء الاصطناعي، واستأنف المستثمرون تشجيعهم لتلك الرهانات.
وقال المحلل المخضرم في “وول ستريت” إد يارديني إنه “عندما تضخمت فقاعة التكنولوجيا في سوق الأسهم عام 1999، لا نذكر وجود أحاديث كثيرة عن فقاعة كما نسمع اليوم. ومن منظور معاكس، من المطمئن أن هناك فقاعة في مخاوف الفقاعة نفسها”.
وأشار مؤسس “يارديني ريسيرش” إلى أن مؤشر بحث “جوجل” لعبارة “فقاعة الذكاء الاصطناعي” ارتفع إلى 100 في 2 أكتوبر بعد أن كان صفراً في منتصف سبتمبر.
وقال يارديني: “نحن نعوّل على موسم أرباح أفضل من المتوقع للربع الثالث خلال الأسابيع المقبلة لدعم استمرار صعود سوق الأسهم إلى مستويات قياسية. كما نتوقع ألا تخيّب شركات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الآمال”.
تقييمات مرتفعة ولكن بتمويل مستدام
قالت نعومي فينك من شركة “أموفا أسيت مانجمنت”: “تختلف تقييمات قطاع التكنولوجيا المرتفعة اليوم في طبيعتها عن حالة (الحماسة غير العقلانية) التي سادت فقاعة التكنولوجيا في التسعينيات وبداية الألفية، إذ تم تمويل النفقات الرأسمالية حالياً من التدفقات النقدية الحرة المدعومة بربحية عالية”.
أما أنتوني ساغليمبيني من “أميريبرايز”، فقال إنه من الممكن ألا تحقق بعض الاستثمارات الحالية في بناء منظومات الذكاء الاصطناعي العائد الذي يأمله المستثمرون، وأن التقييمات لدى بعض الشركات القيادية قد تحتاج إلى تصحيح نحو الأسفل.
لكنه أضاف: “نظراً لحجم الشركات والصناعات التي لم تنخرط بعد في الذكاء الاصطناعي بشكل جوهري، فإننا أقل قلقاً من أننا على وشك تكرار فقاعة شبيهة بفقاعة الإنترنت”.
توقعات متفائلة لموسم أرباح الربع الثالث
تتجه الشركات الأميركية نحو موسم أرباح أفضل من المتوقع، إذ جعل الاقتصاد القوي والتفاؤل المحيط بالذكاء الاصطناعي التقديرات الحالية تبدو منخفضة للغاية، وفقاً لاستراتيجيي “غولدمان ساكس” بقيادة ديفيد كوستين.
ويتوقع المحللون أيضاً أن تتجاوز مجموعة “العظماء السبعة” (أبل، ألفابت، أمازون، إنفيديا، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) من عمالقة التكنولوجيا التوقعات.
وقالت كالي كوكس من “ريثولتز ويلث مانجمنت” إن الأسواق تبدو “محصّنة”، ولهذا يتحدث كثيرون عن التقييمات المرتفعة. وأضافت: “التقييمات المرتفعة ليست أمراً غير مألوف، لكن الأرباح يجب أن تتولى زمام قيادة الارتفاع لتستمر الموجة الصعودية. نريد أن نرى الأرباح تدعم الأسعار”.
ترقب لنتائج الربع الرابع
قال مارك هاكيت من شركة “نيشنوايد”: “نحن في موجة صعود ذاتية التعزيز، الأرباح قوية وتزداد قوة، والمستثمرون يتجاهلون غياب البيانات، وحتى إغلاق الحكومة لا يزعزع ثقتهم”. وأضاف: “بما أن نصف عوائد العقد الماضي جاءت عادة في الربع الرابع، فإن القصة الأساسية الآن هي الزخم”.
وأشار محللو “بيسبوك إنفستمنت غروب” إلى أن المستثمرين الأميركيين سيشهدون في الأيام المقبلة حدثين بارزين، فالأربعاء يصادف مرور ستة أشهر على بلوغ مؤشر “إس آند بي 500” أدنى مستوياته لهذا العام، والأحد سيشكّل الذكرى الثالثة للسوق الصاعدة الحالية.
وأضافت المجموعة في مذكرة حللت الـ12 يوماً التي تلك حدوث ذلك منذ 1953، إن التغير المتحرك في المؤشر على مدار ستة أشهر تجاوز 30% للمرة الأولى منذ 2 أكتوبر 2020.
وقالت المذكرة: “بالنظر إلى أداء السوق في الفترات التالية لتلك الأيام الـ12، أظهر المؤشر بعض الضعف في الأجل القريب جداً، لكنه حقق عوائد أفضل من المعتاد على مدى ثلاثة أشهر إلى عام واحد لاحقاً”.
مؤشرات فنية ترجّح استمرار المكاسب
من جانب آخر، رجّح مؤشر للأسهم صادر عن “باركليز”، والذي توقّع بدقة ارتفاع سبتمبر رغم المخاوف الموسمية، استمرار المكاسب في الأسهم الأميركية بناءً على تحليل 19 عاملاً من مؤشرات السوق والتمركز والبيانات الاقتصادية لتحديد نقاط التحوّل.
ويشير المؤشر إلى احتمال بنسبة 82% لأن يواصل “إس آند بي 500” الصعود خلال الشهرين المقبلين، مع مكاسب متوسطة تبلغ 4% خلال تلك الفترة، وفقاً لبيانات تعود إلى عام 2015.
وقال بريت كينويل من منصة “إيتورو”: “جولة أخرى من النتائج التي تتجاوز التوقعات، واستنتاجات إيجابية حول قوة المستهلك، قد تعززان من ثقة المستثمرين مع اقتراب نهاية العام، رغم حالة عدم اليقين الحكومية وسوق العمل المهتزة”.
من جهته، كتب باراغ ثاتي من “دويتشه بنك” أن مراكز الأسهم الإجمالية لا تزال مرتفعة لكنها ليست مفرطة، رغم وجود جيوب متزايدة من ملاحقة الزخم في الشركات الكبرى.
وقال استراتيجيون في “سيتي غروب” بقيادة بيتا مانثي إن نمو الأرباح القوي والتقييمات المبالغ فيها يدعوان إلى مزيد من اتساع موجة الصعود في الأسهم العالمية.
وأضاف كريغ جونسون من “بايبر ساندر”: “نظل متفائلين مع دخولنا الربع الرابع، خصوصاً في ظل رياح الاقتصاد الكلي الداعمة التي يُتوقع أن ترفع السوق، لكن هناك مؤشرات دقيقة على تباين الزخم مع دخول أكتوبر، مما يستدعي الحذر، خصوصاً مع الأسهم المفرطة في الارتفاع خلال الأسابيع الأخيرة”.
وأوضح أن “تصحيحاً قصيراً أو تراجعاً طفيفاً سيكون مرحباً به لتهيئة فرص أفضل للمخاطر والعوائد”.
وختم روبرت إدواردز من “إدواردز أسيت مانجمنت” قائلاً: “حتى الآن، تتجاهل سوق الأسهم إغلاق الحكومة، وتركّز أكثر على التفاؤل بالأرباح واحتمال المزيد من خفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي”.