اخر الاخبار

شركات صينية تجابه التباطؤ الاقتصادي بسلاح الجودة

ربما تعرفتم على الوجه الجديد للشركات الصينية على مواقع “فيسبوك” و”تيك توك” و”إنستغرام” من دون أن تدركوا ذلك، عبر إعلانات تروج لمنتجات مثل مجفف شعر بلا ضجيج يعدكم يتجربة مذهلة، ومفكرات إلكترونية بسيطة التفاصيل، ومكنسة روبوتية يتجاوز سعرها 1000 دولار.

تُعرض هذه المنتجات على مواقع إلكترونية منمقة، ويُروج لها من خلال إعلانات مصممة للمستهلك الأميركي وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي نجومها أشكالهم أميركية أو أوروبية، فلا يخطر في بال المتصفح العادي أنها مصنوعة في الصين.

تمثّل هذه المنتجات مجموعة جديدة من الشركات الصينية المتخصصة بالصناعات الاستهلاكية التي قررت تحدي العلامات التجارية الغربية، دون أن يقتصر ذلك على السعر وحده، بل يتعداه ليشمل الجودة والابتكار أيضاً.

تعليقاً على ذلك، قال مارتن شورزيمبا، الزميل الأعلى في معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي في واشنطن إنه “يمكن للعلامات التجارية العالمية أن تتوقع مواجهة مزيد من المنافسة من الشركات الصينية، ليس فقط على صعيد الفئات زهيدة الثمن كما في الماضي، ولكن بما يشمل بشكل متزايد المنتجات الراقية”.

جيل جديد

نجح الجيل الأول من المصدّرين الصينيين عبر إنتاج منتجات رخيصة لا تحمل اسم علامات تجارية محددة لصالح شركات غربية، مثل أواني لصالح “ولمارت” أو قمصان لمتاجر “غاب”. أمّا موجة الصناعيين التالية، فأنتجت سلعاً أعلى جودةً من كاميرات رقمية وحقائب يد تحمل توقيع مصممين معروفين وهواتف ذكية، لكن كل ذلك كان نيابةً عن عملاء أجانب ذوي أسماء لامعة، مثل “أبل” و”نيكون” و”برادا”.

خلال العقود القليلة الماضية، نادراً ما سعت الشركات الصينية المنتجة للسلع الاستهلاكية لاستقطاب مستهلكي أميركا وأوروبا من خلال علامات تجارية تخصها. عوّلت شركة “هاير” (Haier) للأجهزة المنزلية وشركة صناعة أجهزة الكمبيوتر “لينوفو” (Lenovo) على الاستحواذ على علامات تجارية غربية معروفة لتفعل لذلك، محققة نجاحات متفاوتة، وكان جزءاً من أسباب ذلك التحديات التي وجدتها على صعيد التكامل. أمّا مجموعة “شي إن” الضخمة للموضة السريعة فأثارت ضجة بفضل أسعارها المنخفضة بما يكفي ليتغاضى الشراة عن النوعية الرديئة للملابس في كثير من الأحيان.

تبنّى الجيل الجديد من العلامات التجارية الصينية نهجاً مختلفاً، ومن بين الشركات البارزة “ناروال” (Narwal) للمكانس الروبوتية و”بوكس” (Boox) للأجهزة اللوحية التي تشابه شاشاتها الورق شكلاً وتُسمى تقنيتها الحبر الإلكتروني، و”لايفن” (Laifen) لصناعة فراشي الأسنان الكهربائية وأجهزة تجفيف الشعر.

تستند عروض هذه المنتجات إلى الجودة، فتروّج لتقديمات تقنية تهدف إلى تسهيل حياة المستهلك. أمّا على صعيد السعر، فما تزال هذه المنتجات الصينية أرخص من منافساتها الأميركية عموماً لكن ليس دائماً. إن سعر الجهاز اللوحي بتقنية الحبر الإلكتروني (Air3) من “بوكس” 499 دولاراً وهو يفوق بنحو 100 دولار نماذج “كيندل” المشابهة. تبيع هذه الشركات الثلاث منتجاتها مباشرة وعبر تجار أيضاً.

في حين لم تبلغ هذه الشركات المصنّعة حجماً يتيح لها أن تطرح أسهمها للاكتتاب العام، إلا أنها تمكنت من زيادة مبيعاتها وتحصيل تقييمات إيجابية على مواقع توصيات المستهلكين، سواء في الولايات المتحدة أو أماكن أخرى. كما استقطبت اهتمام شركات الملكية الخاصة ورأس المال الجريء.

قال راي هو، المؤسس والشريك الإداري لشركة رأس المال الجريء “بلو ليك كابيتال” (Blue Lake Capital) في شانغهاي وهي تنشط في البحث عن فرص استثمارية بين الشركات الصينية التي تتوسع إلى الخارج: “الفرق بين هذا الجيل من الشركات الصينية والمصدّرين الأوائل، هو أن هذه الموجة من الشركات تتولى زمام البحث والتطوير والتسويق والتوزيع”.

اقتحام الأسواق الخارجية

على العكس من “شي إن” التي ليس لها حضور تجاري في الصين، فإن كثيراً من هذه العلامات التجارية معروفة محلياً، فقد استفادت من نزعة وطنية لاستهلاك المنتج الصيني لتبني قاعدة أعمال ضخمة. إلا أن ثاني اقتصاد في العالم يشهد تباطؤاً ملحوظاً، فقد تراجع الإنفاق الاستهلاكي وتعاملت الشركات مع ذلك عبر خفض شديد في الأسعار.

إن الأمل الوحيد للشركات الصناعية الصينية في تنمية إيراداتها، أو أقلّه لتحافظ على مستويات الربحية الحالية، هو منافسة شركات كبرى في الخارج. وقد تقدمت شركات من البرّ الرئيسي الصيني في 2023 بطلبات تسجيل علامات تجارية في الولايات المتحدة فاقت عدداً جميع ما سواها من الطلبات الأجنبية، حسب بيانات شركة “كلاريفايت” (Clarivate) البحثية المتخصصة ببراءات الاختراع ومقرّها لندن. (لكن أرقام الصين مبالغ فيها بما أن الحكومات المحلية تقدم تحفيزات للتسجيل).

لننظر إلى شركة “ناروال” (Narwal) المدعومة من “تينسنت القابضة” (Tencent Holdings) و”بايت دانس” (ByteDance)، التي استحوذت على أكثر من 10% من السوق المحلية للمكانس الروبوتية. لا تحاول الشركة التي يبلغ عمرها ثماني سنوات إنشاء فئة منتجات جديدة بالكامل، بل تسعى لتتميز عن الشركات القائمة من خلال ابتكارات صغيرة، مثل إضافة مماسح ذاتية التنظيف.

لم تبدأ “ناروال” بالتركيز على الأسواق الخارجية قبل العام الماضي، لكنها تتوقع أن يأتي نحو ثلث إيراداتها من مبيعاتها العالمية قريباً، على الرغم من أن سعر بعض منتجاتها الذي يتجاوز 1000 دولار يضعها في منافسة مباشرة مع شركة “أي روبوت” (iRobot)، رائدة السوق. وكان جهاز “ناروال تي 10” (Narwal T10) قد حلّ في المرتبة الأولى بين تسع أجهزة تنظيف روبوتية في تقييم من موقع “كونسيومر ريبورت” (Consumer Reports) الأميركي. 

قال خوان موراتور، وهو مدير برامج اختباري لدى “كونسيومر ريبورت”: “لا اعتقد أنني قد أنفق ألف دولار على مكنسة روبوتية حتى لو كانت مزودة بممسحة، لكن كما تعلمون، بعض الناس يفعلون ذلك”.

تضمّ “ناروال” 1400 موظف، يعمل 70% منهم في أقسام البحث والتطوير. وقال مدير استراتيجية المنتجات العالمية شيلي شاو: “قدراتنا البحثية هي التي تمنحنا ثقةً أكبر كي نتوجه إلى الخارج”.

حصلت شركة ناشئة أخرى هي”بوكس” على إشادة المستهلكين. قال جايسون سنيل، الكاتب الأميركي صاحب مدونة (Six Colors) المتخصصة بالتقنية، إنه لم يكن معجباً بجهاز القراءة الإلكتروني من “بوكس” في البداية بسبب رداءة ترجمته وصعوبة تكامله مع تطبيقات من طرف ثالث، لكن المنتجات تحسنت جيلاً بعد جيل.

قال سنيل: “أعجبني في نهاية المطاف ما أنجزوه من خلال بناء جهاز مفتوح وغير متصل بمنصة من أمثال التي ترتبط بها أجهزة (كيندل) أو (كوبو)، ويمكن استخدامه كجهاز قراءة إلكتروني فعّال جداً بحدّ ذاته… سيحاولون أن يفعلوا شيئاً ربما لم تهتم الشركات الأميركية بتجربته، وقد يكون ذلك مثيراً جداً للاهتمام”.

مواجهة القيود الغربية

كي يكون الطرح مكتملاً، لقد نالت هذه العلامات التجارية الصينية حصتها من التعليقات السلبية أيضاً، كما أن تركيزها على الأسواق الخارجية يجعلها عرضة للحرب التجارية المتصاعدة، وهذا ما حل بشركات مثل “سي إيه آي سي موتور” (SAIC Motor) و”جيلي” (Geely) و”بي واي دي” (BYD).

لقد أعلن الاتحاد الأوروبي في يونيو عن تعرفة جمركية مؤقتة على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين تزيد الرسوم المفروضة على بعض الطرازات إلى 48%. وفي مايو، زاد الرئيس الأميركي جو بايدن الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية أربعة أضعاف لتصل إلى 100%. ولعلّ التهديد الأكبر أتى من جانب حملة دونالد ترمب، التي قالت إنه يعتزم رفع الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات الصينية إلى 60%.

قال كريستوفر ماركويز، أستاذ إدارة الأعمال الصينية في كلية إدارة الأعمال بجامعة كامبريدج إن “القدرة على بيع منتجات متميزة في السياقات الغربية لا يتعلق بالسوق فحسب، بل هي أيضاً مسألة سياسية حالياً. لذا، فيما ترغب الشركات الصينية بشدة في التوسع عالمياً، تُطرح أيضاً تساؤلات كبيرة حول ما إذا كانت الأسواق العالمية ستقبل منتجاتها”.

قال شاو من “ناروال” إن الشركة تنظر في إمكانية تصنيع بعض منتجاتها في الولايات المتحدة وأوروبا ودول آسيوية أخرى “استعداداً للتعامل مع التعرفة الجمركية وتغير الطلب”. وهو ليس وحيداً في هذا التفكير. إذ تستثمر الشركات الصينية في الخارج بأسرع وتيرة منذ ثماني سنوات، وقد بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة 60 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، بزيادة تقارب 16% عن نفس الفترة في 2023.

بالطبع، لا تحمل منتجات مثل الأجهزة اللوحية الإلكترونية والمكانس الروبوتية نفس التهديد الذي تجلبه المركبات الكهربائية عى الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن تقنيتها غير المعقدة نسبياً، تجعلها أقل عرضة لمواجهة قيود في السوق على أساس الأمن القومي، وهذا جزء من جاذبيتها لدى المستثمرين. 

كان ريتشارد بنغ، المؤسس الشريك لشركة “جينيسيس كابيتال” (Genesis Capital) الذي سبق أن قاد الفريق الاستثماري لدى “تينسنت” قد دعم عدداً من العلامات التجارية الصينية، بينها “لايفن”، التي ينافس إنتاجها من فراشي الأسنان الكهربائية ومجففات الشعر نظيراتها من “فيليبس” و”دايسون” (Dyson) من ناحية السعر، بينما تسوّق لنفسها على أنها تقدم تجربة راقية.

قال بنغ: “نرغب بالتركيز على شركات لها أفضلية من حيث الابتكارات الصغيرة على صعيد الإنتاج، ولسنا نبحث عن تطور فائق جداً على صعيد التقنية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *