اخر الاخبار

شركات النفط تستثمر بالغاز على حساب الذهب الأسود.. أدنوك نموذحاً

ماذا تفعل شركة منتجة للنفط عندما ترى منتجها الأساسي مهدد بتراجع الطلب وبحرب إقليمية؟ اسأل “شركة بترول أبوظبي الوطنية” (أدنوك).

إحدى الإجابات على هذا السؤال تتمثل في العرض الذي قدمه تحالف بقيادة “أدنوك”، المملوكة لحكومة أبوظبي، للاستحواذ على مُنتجة الغاز الأسترالية “سانتوس” (Santos) في صفقة نقدية بالكامل بقيمة 19 مليار دولار.

أجرت “أدنوك” موجة استحواذات على أصول الغاز خلال السنوات الماضية، إذ تحوِّل نفسها تدريجياً من شركة تعتمد بشكل أساسي على “الذهب الأسود” إلى أخرى تولي سفن الغاز الطبيعي المُسال نفس القدر من الاهتمام بناقلات النفط، على غرار ما تفعله نظيرتها الأكبر حجماً “أرامكو السعودية”، التي تستثمر مبالغ أكبر في تطوير حقول الغاز الجديدة مقارنةً باحتياطيات النفط.

“أدنوك” توجه دفتها نحو أصول الغاز

يكفي النظر إلى قائمة الصفقات التي أُبرمت أو نوقشت في الآونة الأخيرة لفهم صورة أوضح. ففي مايو من العام الماضي، استحوذت “أدنوك” على حصة في مشروع “نكست ديكيد” لتصدير الغاز المُسال في تكساس، وفي أبريل الماضي، كشف شخص مطلع على الأمر لـ”بلومبرغ” أن الشركة الإماراتية كانت تدرس الاستحواذ على أصول الغاز التابعة لـ”إيثون إنرجي مانجمنت” (Aethon Energy Management) في تكساس ولويزيانا. كما أبدت “أدنوك” اهتماماً بالاستحواذ على أصول “بي بي” (bp) للغاز في إطار عملية تقسيم محتملة، بحسب ما كشفته “بلومبرغ” الأسبوع الماضي.

في عام 2023، فصلت “أدنوك” وحدة الغاز التابعة، وطرحتها للتداول في بورصة أبوظبي، حيث تشكل نحو سُبع السوق. وبدأت العام الماضي في بناء محطة تصدير في الرويس، غربي البلاد، وهو مجمع ضخم يكفي لتلبية كامل احتياجات تركيا من واردات الغاز المُسال.

وفي ظل بيئة ترفع فيها هجمات إسرائيل على إيران من خطر اندلاع حرب شاملة في المنطقة، توفر استراتيجية “أدنوك” العديد من المزايا.

من جهة، تستمر المخاوف من احتمال أن تبدأ إيران، إذا وصل الضغط عليها أقصاه، في إثارة أزمات في مضيق هرمز، كما أشار زميلي خافيير بلاس. تحرس إيران وعُمان والإمارات هذا المسطح المائي الضيق.

ومن جهة أخرى، لم تحدث هجمات مستمرة على سفن الشحن منذ الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، لاسيما أن إيرادات طهران من الصادرات ستتأثر بقدر تضرر خصومها. مع ذلك، يجب توخي الحذر عند تقليل الخطر الناجم عن نقطة الضعف هذه، تحسباً للجوء الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ تدابير يائسة.

الاستحواذ على أصول غاز خارجية لتجنب تأثير التوترات

نواجه عالماً يتذبذب فيه الطلب على النفط بشكل واضح، بينما لا يزال إنتاج الخام أقل من الذروة التي بلغها في 2018.

ولا يبدو وضع الغاز أفضل كثيراً، في ظل تباطؤ نمو الطلب بفارق كبير مقارنةً بالمستويات التاريخية نتيجة تدهور صادرات الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، وارتفاع الأسعار الذي يثني المشترين المحتملين في الدول النامية في آسيا وأفريقيا.

مع ذلك، كان الجزء من الغاز الذي يُتداول في شكل غاز مُسال من الرابحين، إذ يُتوقع أن ترتفع الطاقة الإنتاجية لمحطات الإسالة بنحو 40% ما بين الفترة الحالية وعام 2030.

وتتشابه المضائق الملاحية مع خطوط أنابيب الغاز، إذ إنها معرضة بشدة للتدخلات الجيوسياسية، مع ذلك، إذا أمكن الاستحواذ على أصول غاز مُسال غير معرضة لمخاطر الحروب في الشرق الأوسط، فيمكن تجنب التراجع المزمن في الطلب التقليدي على النفط، والمخاطر الحادة المرتبطة بصدمات الإمدادات الناجمة عن الصراعات.

شُح فرص الاستثمار

غير أن هذه الأصول في الفترة الحالية ليست بالوفرة التي تتمناها شركة نفط وطنية وافرة السيولة. أسهم “سانتوس” أغلقت يوم الإثنين منخفضة بنحو 13% عن العرض النقدي الذي قدمته “أدنوك”، الذي لا يزال مجلس إدارة الشركة المستهدفة بالاستحواذ يوصي بقبوله.

وبالنظر إلى الطابع الواضح للعرض، يُحتمل أن يعكس ذلك مخاوف من أن مجلس مراجعة الاستثمار الأجنبي في أستراليا لن يرحب بفكرة استحواذ شركة مملوكة للحكومة لا تنشر قوائم مالية، على ثاني أكبر شركة منتجة للوقود في البلاد.

رغم ذلك، فإن إتمام الصفقة هو الأرجح مقارنة بالاحتمالات الأخرى المطروحة. فالرئيس دونالد ترمب كان سعيداً بالتفاخر بالصفقات التي أُبرمت مع الشركات الإماراتية خلال زيارته إلى الشرق الأوسط الشهر الماضي، لكن إذا كنت تسعى إلى استحواذ كامل، ربما لا تكون الولايات المتحدة الوجهة الأفضل للبحث في ظل حالة مناهضة الهجرة الحالية.

ويُعدُّ الاتفاق النهائي لبيع شركة “يونايتد ستيتس ستيل” إلى “نيبون ستيل”، الذي منح الحكومة الأميركية “حصة ذهبية” تمكنها من التحكم في سياسات الشركة، مؤشراً على اتجاه الأوضاع.

المناطق الواعدة الأخرى، مثل أميركا الجنوبية وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء، تهيمن عليها بشكل رئيسي شركات النفط الحكومية والمستقلة، أما بحر الشمال في أوروبا، ففي تراجع لا يمكن تغييره.لقد باتت الفرص المتاحة شحيحة.

مسار قطر وتركمانستان

إن الإمارات أكثر استعداداً مقارنةً بغيرها لمواجهة التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، ويشير اقتصادها غير النفطي النشاط إلى أن بمقدورها موازنة ميزانيتها والحساب الجاري عند أدنى أسعار للنفط في منطقة الخليج.

ومن بين أكبر الدول المُصدرة للنفط، لا يتفوق عليها سوى قطر وتركمانستان، وكلاهما مصدرتان للغاز في الأساس، وليستا دولتين نفطيتين.

بالتالي، يتطلب الحفاظ على الإيرادات المستقبلية في ظل تراجع إقبال العالم على النفط الاقتداء بهما، بدلاً من اتباع مسار بعض نظيراتها  من الدول الغنية بالنفط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *