اخر الاخبار

شبكات المترو تنمو بوتيرة قياسية حول العالم

في صباح شتوي من عام 1863، انطلقت ثورة غيرت وجه الحياة في المدن. استقلّ يومها لفيف من الشخصيات المرموقة قطاراً من محطة بادينغتون، على أطراف لندن الشمالية الغربية التي كانت تشهد نموّاً متسارعاً، وسلكوا نفقاً امتدّ عبر ست محطات، وصولاً إلى فارينغدون، شمال قلب المدينة التاريخي.

طفرة واسعة

كانت “متروبوليتان ريلواي” (Metropolitan Railway) التي لا يزال بإمكانك استقلال أحد خطوطها اليوم ضمن شبكة مترو لندن، أول من شغّل قطارات منتظمة على مسارات مخصّصة، في خطوة أسهمت في تخفيف الاختناقات المرورية التي كانت لتشلّ المدن الحديثة. ومع مرور السنين، بدأت شبكات المترو تمتد إلى باريس ونيويورك وطوكيو وموسكو وهونغ كونغ والقاهرة وغيرها من المدن حول العالم.

بحلول عام 2013، كانت شبكات المترو قد توسّعت لتشمل أكثر من 130 مدينة، وامتدّ طولها إلى 10,922 كيلومتراً، أي ما يكفي لقطع المسافة من خط الاستواء إلى القطب الشمالي.

لكن اللافت هو ما جرى بعد ذلك. فبدل التباطؤ، أُضيف خلال العقد الماضي ما يوازي تقريباً ما بُني خلال 150 عاماً، ليصل الطول الإجمالي لشبكات المترو إلى 20,453 كيلومتراً في عام 2023، وفقاً لأحدث بيانات “الاتحاد الدولي للنقل العام” (UITP). فالعصر الذهبي لشبكات المترو بدأ للتوّ.

اقرأ أيضاً: دبي ترسي خط المترو الجديد بكلفة 5.6 مليار دولار على شركات صينية وتركية

قد تستغرب ذلك إذا كنت تقيم في إحدى المدن المتقدمة حيث تسير توسعة أنظمة النقل العام القديمة ببطء شديد ضمن مشاريع عملاقة تُكلّف مليارات الدولارات وتستغرق عقوداً لإنجازها. لكن يكفي أن نزور القارة الآسيوية لتدرك فوراً أين يحدث النموّ الحقيقي.

ارتفعت حصة الصين من شبكات المترو العالمية من 19% في عام 2012 إلى 43% في عام 2023، في طفرة امتدت حتى أكثر المناطق النائية.
فمترو غوييانغ، الذي يخدم إقليماً جبلياً نائياً في مقاطعة قويتشو، والذي بدأ العمل به منذ أقل من سبع سنوات فقط، ينقل اليوم عدداً من الركاب يفوق ما تنقله شبكة قطارات “إل” في شيكاغو، التي افتُتحت عام 1893.
وتضمّ الصين القارية 28 شبكة مترو أكثر ازدحاماً من غوييانغ، من بينها أكبر أربع شبكات في العالم: شنغهاي، بكين، قوانغتشو، شنتشن.

نجاحات رغم بعض الاستثناءات

هذه الطفرة لا تقتصر على الصين وحدها. فخلال العقد نفسه، دشّنت مدن مثل دكا، وسلفادور في البرازيل، وتشيناي، وحيدر آباد، ومومباي، وليما، شبكات مترو تنقل أكثر من 100 مليون راكب سنوياً. ويتوقع أن يبلغ مترو الرياض، الذي بدأ تشغيله في ديسمبر، هذا الرقم خلال عامه الأول.

ومنذ عام 2013، شهدت عشرات المدن حول العالم انطلاق شبكات مترو أصغر، من بينها الدوحة ومدينة هو تشي منه وأصفهان وجاكرتا ولاغوس ولاهور ومدينة بنما وكيتو، وغيرها.

اقرأ أيضاً: قطار الرياض.. خطوة نحو تغيير نمط التنقل في العاصمة السعودية

مع ذلك، لا تروي كلّ مشاريع النقل العام قصص نجاح. ففي أديس أبابا وأبوجا، افتُتحت شبكات نقل أنشأتها الصين في عامَي 2015 و2018 على التوالي، لكنها تعثّرت بسبب سوء التخطيط والجداول الزمنية المتباعدة بين الرحلات ونقص قطع الغيار محلياً.

أما في كراتشي، أكبر مدينة في العالم بلا شبكة مترو، فقد أُغلق خط القطارات الدائري الذي كان يطوّق المدينة عام 1999، وسط فوضى إدارية وتهرّب من دفع التذاكر وفساد مستشرٍ. ولا تزال المفاوضات بشأن إعادة تشغيله بتمويل صيني جديد تراوح مكانها منذ سنوات.

ومع ذلك، تبقى هذه استثناءات. فغالباً ما تستقطب شبكات المترو، بعد إنشائها، الركّاب، وتحظى بدعم مخطّطي المدن، ما يضمن استمرار تمويلها حتى في أحلك الظروف.

تخفيف الاختناقات المرورية

والمفارقة أن هذا الازدهار تحقق خلال العقد الماضي رغم ما يجوز وصفه بأعنف ضربة تلقّاها نظام النقل العام في المدن، أي جائحة كوفيد-19. فتوقف العمل من المكاتب خلال فترات الإغلاق، ثم التحوّل التدريجي إلى العمل من المنزل، ألحقا ضرراً مالياً بالغاً بشبكات النقل. في تلك الفترة، سادت مخاوف من دخول القطاع في دوامة من الانهيار، حيث يؤدّي تراجع الإيرادات إلى تقليص الخدمات، ما يفاقم انخفاض أعداد الركاب.

لا شك أن جائحة كوفيد تركت ظلالاً ثقيلة، لكن الأمور تتحسن سريعاً. إذ سجل عام 2023 نحو 58 مليار رحلة عبر المترو، بحسب “الاتحاد الدولي للنقل العام”، متجاوزة للمرة الأولى الرقم القياسي السابق البالغ 57.9 مليار رحلة في عام 2019، ما أسهم في إنعاش الميزانيات. ففي ذروة الجائحة، حذّر عمدة لندن، صادق خان، من احتمال إغلاق أحد خطوط المترو بالكامل لمساعدة المدينة على الحفاظ على التوازن المالي. لكن في العام الماضي، حقّقت هيئة النقل في لندن أول فائض تشغيلي في تاريخها الممتد 25 عاماً.

اقرأ أيضاً: لماذا يفضل الصينيون السفر بالقطارات السريعة؟

أسهم انتقال مليارات الركاب من الطرق إلى السكك الحديدية في خفض مئات ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون. ومع ذلك، قد لا يكون هذا المكسب الأهم. فمع أن البصمة الكربونية لرحلة واحدة بالمترو أقل بكثير من تلك الناتجة عن استخدام سيارة خاصة، إلا أنها تكاد تماثل البصمة الناتجة عن الحافلات الصغيرة المشتركة، وهي وسيلة النقل الأكثر منافسة للمترو في المدن الكبرى النامية التي تشهد أسرع توسّع في شبكات المترو.

بالتالي، المكسب الحقيقي لهذا التحوّل يكمن في تخليص مئات الملايين من معاناة الازدحام المروري.
فمستقبل يصبح فيه العيش والعمل في مراكز المدن المكتظة الصالحة للمشي أكثر جاذبية مقارنة بضواحٍ مترامية الأطراف تعتمد على السيارات، سيكون أفضل للمناخ، وللاقتصاد، ولسعادة الإنسان أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *