شبح رسوم ترمب الجمركية يعزز الاهتمام بعقود الغاز الأميركي
يبدو أن محاولة الرئيس دونالد ترمب المحفوفة بالمخاطر لاستخدام صادرات الغاز الطبيعي المسال كوسيلة لتعزيز النفوذ الأميركي في أوروبا وآسيا تكتسب زخماً مبكراً.
يعقد مسؤولون حكوميون ومديرون تنفيذيون لدى شركات الطاقة في دول مثل الهند والكويت واليابان محادثات حول شراء كميات أكبر من الغاز الأميركي، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.
مع ذلك، فإن استراتيجية ترمب تنطوي على خطر كبير، فإذا رفع الرسوم الجمركية على الصين أو الدول الأخرى التي تمانع زيادة وارداتها من الغاز المسال، قد يدفعها بذلك إلى الامتناع عن الشراء من المنتجين الأميركيين تماماً.
بدأ الاتجاه لتأمين عقود التوريد الأميركية بعد فوز ترمب بانتخابات 5 نوفمبر بفترة قصيرة، أي قبل أكثر من شهرين على أدائه اليمين، بحسب المطلعين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم ليتنسى لهم مناقشة أمور خاصة.
ترمب يستخدم الغاز لتعويض العجز التجاري
هدد ترمب الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على التكتل إذا لم يزد مشترياته من الولايات المتحدة، فيما يدرس المشترون، بدءاً من كوريا الجنوبية ووصولاً إلى فيتنام، شراء كميات أكبر من الغاز الأميركي لتجنب التعريفات الجمركية القاسية.
اقرأ أيضاً: ترمب يعيد تشكيل قطاع الطاقة الأميركي مع التركيز على النفط والغاز
قال كلاوديو ستوير، خبير استشارات الطاقة، إن “تهديد ترمب بربط الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي بمشتريات الغاز المسال يشير إلى خروج واضح عن المبادئ القائمة على السوق”، وأن الرسوم المحتملة ستغير موقف الولايات المتحدة تجاه الغاز المسال من تقديم الأسعار التنافسية إلى “التجارة المدفوعة بالسياسة، ما قد يضعف ثقة السوق في المدى الطويل”.
استراتيجيات ترمب تدفع بعض المشترين في دول أخرى مثل الصين -أكبر دولة مستوردة في العالم- إلى العزوف عن الغاز الأميركي، بحسب أشخاص آخرين مطلعين على المفاوضات الجارية مع المصدرين الأميركيين.
كان ترمب، المنشغل بالعجز الكبير في الميزان التجاري للولايات المتحدة، واضحاً في اعتزامه استخدام مكانة البلد باعتبارها قوة عظمى في مجال الطاقة لتحقيق التوازن التجاري، وفي الواقع، هو يعيد استراتيجية مفضلة استخدمها خلال فترته الرئاسية الأولى تعتمد على المخزون الهائل من الغاز وأسطول من محطات بمليارات الدولارات لتسييل الوقود لتصديره.
الطلب على الغاز يدعم انتعاش الصادرات الأميركية
منذ بداية فترة ترمب الرئاسية الأولى في 2017، شهدت صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال ارتفاعاً كبيراً، لتصبح أكبر دولة مصدر في العالم، وبحلول 2030، فواحدة من كل 3 شحنات غاز مسال تقريباً على مستوى العالم سيكون مصدرها الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: رسوم ترمب تفتح أبواباً جديدة في آسيا أمام الغاز الأميركي
يتزامن انتعاش الغاز المسال الأميركي مع إقبال العالم بشكل غير مسبوق على الغاز، فالطلب على الوقود المستخدم في صناعات عديدة، من بينها توليد الطاقة والتدفئة وتصنيع الأسمدة، بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، مدفوعاً بشكل كبير بطموحات التحول عن استخدام الفحم الذي يسبب انبعاثات أكثر. وقد يرتفع استهلاك الغاز بنحو 12% بنهاية العقد الجاري، بحسب “معهد أكسفورد لدراسات الطاقة”.
لكن رغم هيمنة الولايات المتحدة على تدفقات الغاز المسال العالمية، قد يواجه ترمب صعوبة في تنفيذ التهديدات بفرض الرسوم الجمركية لتحفيز صفقات التصدير، على خلاف الضغط الكبير الذي مارسه في الآونة الأخيرة على رئيس كولومبيا غوستافو بترو، الذي رضخ أمام تهديدات الرسوم الجمركية خلال ساعات ووافق على استقبال المهاجرين المرحلين.
يباع الغاز المسال الأميركي عبر عقود طويلة الأجل من الموانئ، حيث يجري تحميل الوقود. وتسلم الشحنات بشكل أساسي إلى مقدمي أعلى العروض في أوروبا أو آسيا.
دفعة لمشروعات الغاز من إلغاء وقف التراخيص
لفت ستوير إلى أن “الإدارة الأميركية تفتقر للسيطرة المباشرة على حجم شحنات الغاز المسال ووجهاتها، ما يمثل عيباً جوهرياً، حيث إن المشترين، وليس البائعون، هم من يحددون موقع التسليم النهائي”.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر قرار ترمب بإعادة تراخيص الغاز على قطر وأوروبا؟
مع ذلك، فالمستوردون الذين يسعون إلى استمالة ترمب قد يوقعون اتفاقيات شراء طويلة الأجل مع مطوري مجمعات غاز مسال لم تبن بعد، أو يستثمرون مباشرة في هذه المشروعات. وسيعطي هذا دفعة قوية لمجموعة المنشآت المقترحة التي ستتنافس على الحصول على التزامات المشترين، وداعمي التمويل.
من بين أولى القرارات التي اتخذها ترمب في فترته الرئاسية الثانية كان إلغاء تعليق إصدار التراخيص الجديدة لمحطات الغاز المسال الذي جرى تطبيقه خلال العام الأخير من ولاية الرئيس السابق جو بايدن.
قال ترمب خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، قبل أيام قليلة من تنصيبه، إنني: “أرغب في صدور موافقات سريعة. سنصدر التراخيص بسرعة كبيرة في الولايات المتحدة”.
الغاز الأميركي يعزز أمن الطاقة في اليابان
أوضحت ميكو ناكاباياشي، الأستاذة بجامعة واسيدا والمشرعة السابقة، في برنامج على قناة “فوجي تي في”، أن “ترمب سيسعد إذا تمكنت اليابان من أن تثبت إنها تشتري كميات أكبر من الولايات المتحدة. لا يوجد تأثير سلبي على اليابان”.
باعتبارها ثاني أكبر دولة مستوردة للغاز المسال في العالم، حصلت اليابان على نحو 10% من إمداداتها العام الماضي من الولايات المتحدة. وصرح رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا أمام البرلمان يوم الجمعة بأنه سيطلب من ترمب توفير إمدادات مستقرة من الطاقة، عند اجتماعهما أوائل الشهر المقبل.
اقرأ أيضاً: “إكسون”: خطة ترمب لتسريع مبيعات الغاز المسال مهددة بعقبات
أشار ناوهيرو مايكاوا، المدير التنفيذي ورئيس قطاع الاستراتيجية والتخطيط المالي لدى “جيرا” (Jera)، أكبر شركة مرافق في البلاد، إلى أنه بالنسبة لدولة شحيحة الموارد مثل اليابان، تُعد الواردات من الولايات المتحدة أمراً إيجابياً من حيث الأمن، مع ذلك ستتأكد الشركة من تنويع مصادر الإمداد في محفظتنا.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن الأرباح أُقيم الجمعة في طوكيو: “لا نعتبر تركز محفظتنا للغاز المسال في مصدر إمدادات واحد أمراً مفيداً، نرى أن الأنسب الموازنة بين 3 أو 4 مناطق”، مثل أستراليا والشرق الأوسط وماليزيا.
تحديات أمام منافسي أميركا في سوق الغاز
يوجد عدد قليل من الدول الأخرى التي بإمكانها ضخ هذه الكميات الضخمة من الغاز في الأسواق العالمية مثل الولايات المتحدة، فالعقوبات التي فُرضت في عهد بايدن قوضت طموحات روسيا في زيادة صادرات الغاز المسال، بينما لم يتمكن المنافسون الجدد، مثل موزمبيق وغينيا الجديدة، من تطوير البنية التحتية والقدرة الإنتاجية والتصديرية بالسرعة اللازمة.
من جهة أخرى، تسعى قطر، ثاني أكبر دولة مصدرة للغاز المسال في العالم بعد الولايات المتحدة، إلى زيادة الإنتاج بأكثر من 80% حتى 2030، مع ذلك، فإن إمداداتها أقل مرونة مقارنةً بحقول النفط الصخري في أميركا، وهي مشكلة تواجه الدول المتشككة في الطلب المستقبلي وسط التحول إلى مصادر الطاقة الأقل تسبباً في الانبعاثات.
اقرأ أيضاً: عودة الغاز إلى مكانته السابقة في أميركا حقيقية
رغم الموثوقية التي تعرف بها قطر في سوق الغاز المسال، حذر وزير الطاقة في الآونة الأخيرة من أن قوانين المناخ العابرة للحدود في أوروبا تهدد الإمدادات المتجهة إلى المنطقة.
يُتوقع أن ترتفع صادرات الغاز المسال الأميركي إلى حوالي 200 مليون طن متري سنوياً بحلول 2030، مقارنة بنحو 93 مليون طن متري، بحسب توقعات “بلومبرغ إن إي إف”. وقد يكون هذا التقدير متحفظاً إذا نجحت إدارة ترمب في حث المستوردين في آسيا وأوروبا على إبرام اتفاقيات طويلة الأجل.
استخدام الغاز كسلاح سياسي يهدد ثقة السوق في أميركا
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة “يونيبر” (Uniper)، مايكل لويس، خلال جلسة نقاش مفتوح في دافوس: “جاهزون لشراء المزيد من الغاز”.
وبدأت ألمانيا استيراد الغاز المسال مباشرة في 2022، بعد توقف تدفقات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، وشكلت الإمدادات الأميركية 92% من إجمالي الشحنات المنقولة بحراً خلال العام الماضي.
اقرأ أيضاً: قلق الشركات من التعريفات الجمركية يقترب من ذروته
كما أشار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى أنه يجب استخدام الغاز المسال على أنه “وسيلة ضغط” في المحادثات مع الصين.
وخلال المحادثات الثنائية التي عُقدت في نهاية الأسبوع، شجع روبيو فيتنام على معالجة اختلال الميزان التجاري، وكشف حكومة الدولة الآسيوية إنها ستدرس شراء كميات أكبر من الغاز الأميركي، ليس لتجنب الرسوم الجمركية فقط، بل وتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.
مع ذلك، فإن تحويل الغاز المسال إلى سلاح سياسي يهدد بتقويض ثقة السوق في الاعتماد على الولايات المتحدة في الأجل الطويل، بحسب ستوير.
وحذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابك من أن الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة قد يعني “تكرار إحدى صور الابتزاز التي تعرضنا لها من روسيا”. يجب على أوروبا “أن تتعاون مع إدارة ترمب، لكن دون استغلال أو ضرر”.