سوق النفط تخرج من حالة “اللامبالاة بالحرب” وتواجه نهاية أسبوع ملغمة

على مدار العامين الماضيين من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، اعتاد متداولو النفط على التعامل بهدوء مع مخاطر تعطل الإمدادات. وعلى الرغم من تكرار العناوين المقلقة التي أعادت إلى الأذهان صدمات الأسعار والاضطرابات السياسية في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن ارتفاعات أسعار النفط كانت قصيرة الأمد في كل مرة. ففي أبريل وأكتوبر من العام الماضي، حين تبادلت إيران وإسرائيل إطلاق الصواريخ، واصلت إمدادات النفط من الشرق الأوسط تدفقها إلى الأسواق العالمية دون انقطاع.
لكن الهجوم الأخير الذي شنته إسرائيل يضع تلك اللامبالاة على المحك. فرغم عدم تسجيل أي اضطراب في الإمدادات حتى الآن، فقد اهتزت الأسواق التي كانت حتى وقت قريب منشغلة بمخاوف من وفرة المعروض التي يمكن أن تهبط بأسعار النفط، خاصة مع قيام تحالف “أوبك+” بإلغاء تدريجي لتخفيضات الإنتاج، وارتفاع الإمدادات من دول مثل البرازيل وغيانا، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب التجارية التي يقودها الرئيس دونالد ترمب والتي تهدد الطلب العالمي.
الغموض يلف أسواق الطاقة
ورغم أن العديد من المتعاملين لا يزالون يعتقدون أن السوق قد تنجو من الأزمة دون أضرار كبيرة، إلا أن حالة الغموض السائدة حول مدى قوة الرد الإيراني، وإمكانية تنفيذ هجمات إسرائيلية إضافية، ورد الفعل الأميركي، دفعت المتداولين إلى تسعير سيناريوهات متعددة ومتضاربة.
ومع اقتراب نهاية أسبوع التداول، لم يكن كثيرون مستعدين لتحمّل مخاطرة البيع على المكشوف خلال عطلة نهاية الأسبوع. فقد قفز خام برنت بنسبة وصلت إلى 13% في بداية جلسة الجمعة، قبل أن يغلق مرتفعاً بنسبة 7% قرب 74 دولاراً للبرميل.
اقرأ أيضاً: تحول في منحنى النفط يعكس مخاوف من صراع طويل في الشرق الأوسط
وقال أندرياس لاسكاراتوس، الرئيس التنفيذي لشركة “إيه بي كوموديتيز” (AB Commodities) لتجارة الطاقة: “حين تندلع حرب، لا أحد يخاطر بالبيع نهاية الأسبوع. فرغم أن العوامل الأساسية لم تتغير، إلا أنه لا يمكن تجاهل العناوين الكبرى خلال عطلة التداول”.
توقعات أسعار النفط وسط الصراع
بمجرد إطلاق إسرائيل صواريخها الأولى على إيران فجر الجمعة، بدأ المتداولون والمحللون في تحليل سيناريوهات التصعيد أو التهدئة المحتملة.
ورفع محللو “غولدمان ساكس” توقعاتهم لأسعار النفط في الأشهر المقبلة بمقدار 2 إلى 3 دولارات للبرميل، مع وضع سيناريوهات تبدأ من تجاوز الأسعار مستوى 100 دولار في حال التصعيد الأقصى، إلى احتمال تراجعها دون 50 دولاراً في العام المقبل في أسوأ السيناريوهات تشاؤماً.
وكتب المحللون، ومن بينهم دان سترويڤن: “الاحتمال المتزايد لتصعيد إضافي في الشرق الأوسط يرفع من مخاطر ارتفاع الأسعار على المدى القصير”، ومع ذلك حافظوا على توقعهم بانخفاض الأسعار دون 60 دولاراً في الربع الرابع من العام.
تحوط من قفزات النفط
شهدت الأسواق موجة شراء مكثفة لعقود خيارات الشراء بعيدة عن سعر السوق، في مسعى للتحوط من قفزات مفاجئة في الأسعار، وكان من بين الخيارات الأكثر تداولاً تلك التي تُربح إذا تجاوزت الأسعار 85 دولاراً للبرميل بحلول 25 يونيو. وارتفع مؤشر يقيس تكلفة خيارات الشراء مقارنة بخيارات البيع إلى أعلى مستوى له منذ مارس 2022، حين اجتاحت روسيا أوكرانيا.
لكن السيناريو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لسوق النفط يتمثل في احتمال تعطل الشحن عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو خمس إمدادات النفط العالمية. ومع ذلك، يرى أغلب المحللين أن هذا الاحتمال غير مرجح.
من جهتها، قالت حليمة كرافت، رئيسة استراتيجية السلع في “أر بي سي كابيتال ماركتس” (RBC Capital Markets) والمحللة السابقة بوكالة الاستخبارات المركزية: “من وجهة نظرنا، من الصعب جداً على إيران إغلاق المضيق لفترة طويلة، في ظل وجود الأسطول الخامس الأميركي في البحرين”.
ورغم أن الاحتمال ضعيف، فإن مجرد ارتفاع طفيف في فرص تعطل الإمدادات يكفي لدفع الأسعار إلى الأعلى.
وكتبت شركة “أف جي إي نيكسانت إي سي إيه” (FGE NexantECA): “احتمال إغلاق مضيق هرمز المحتمل يشكل حدثاً ذا نتائج ضخمة، ويجعل من التنبؤ بتوازنات السوق أمراً صعباً. ومعظم المتعاملين الذين تحدثنا إليهم لا يتوقعون إغلاق المضيق، فالعواقب ستكون جسيمة للغاية”.
استهداف النفط الإيراني
تشمل السيناريوهات الأخرى المثيرة للقلق احتمال استهداف إسرائيل للبنية التحتية النفطية الإيرانية – وهو ما لم يحدث حتى الآن – أو فرض عقوبات إضافية على طهران في حال ردت بتسريع برنامجها النووي.
حتى الآن، يقرأ معظم المتداولين المشهد من منظور السنوات الماضية. وقال دان بيكيرينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “بيكيرينغ إنرجي بارتنرز” (Pickering Energy Partners): “في العقد الأخير، كانت مثل هذه الأحداث بمثابة فرص بيع عند الارتفاع. لم تتصاعد، وكانت المخاوف دائماً أسوأ مما وقع فعلياً”.
اقرأ أيضاً: الضربات الإسرائيلية على إيران تربك سوق ناقلات النفط
وقد تنقلب الضربات الجوية في نهاية المطاف إلى عامل هبوطي للسوق. فقد دعا ترمب، يوم الجمعة، إيران إلى التوصل إلى اتفاق، وإلا فإن الهجمات المقبلة ستكون “أكثر وحشية”. وإذا استجابت طهران، فإن التوصل إلى اتفاق نووي قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات، وربما زيادة صادراتها من النفط.
مخاطر عالية في مراكز النفط
وأشارت شركة “أف جي إي نيكسانت إي سي إيه” إلى أن المتعاملين “يراجعون حركة الأسعار الأخيرة، ويبدؤون في النظر إلى التطورات كفرصة للبيع”، مضيفة: “لكنهم يدركون أن اتخاذ مركز بيعي الآن ينطوي على مخاطرة عالية، في ظل احتمال التصعيد خلال الأسابيع المقبلة”.
وحتى في حال حدوث تعطل للإمدادات، فإن لدى دول مثل السعودية والإمارات طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة يمكن الاستعانة بها لتهدئة السوق.
واختتم لاسكاراتوس حديثه قائلاً: “رغم أنه من الصعب المجازفة والبيع أمام هذا الاتجاه، فإننا لا نرى أن هذا الارتفاع قابل للاستمرار على المدى الطويل. فلا شيء تغير في أساسيات العرض والطلب على النفط حتى الوقت الراهن”.