اخر الاخبار

سعر الذهب يكسر حاجز 3000 دولار للأونصة لأول مرة على الإطلاق

اخترقت أسعار الذهب حاجز 3000 دولار للأونصة لأول مرة على الإطلاق، مدفوعة بموجة شراء ضخمة من البنوك المركزية، وضعف الاقتصاد العالمي، ومحاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة صياغة قواعد التجارة العالمية بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والمنافسين الاستراتيجيين.

ارتفع سعر الذهب 0.4% إلى 3001.20 دولار للأونصة يوم الجمعة، متجاوزاً المستوى النفسي البالغ 3000 دولار، وهو ما يعزز دوره التاريخي كمخزن للقيمة في أوقات الأزمات، وكمعيار لقياس الخوف في الأسواق. 

وعلى مدار الربع قرن الماضي، ارتفع سعر الذهب بمقدار عشرة أضعاف، متجاوزاً حتى أداء مؤشر “إس آند بي 500” للأسهم الأميركية، الذي تضاعف أربع مرات فقط خلال الفترة نفسها.

مع استعداد المتداولين لتطبيق الرسوم الجمركية، قفزت أسعار الذهب في الولايات المتحدة فوق المعايير الدولية الأخرى، مما دفع التجار إلى نقل كميات ضخمة من السبائك إلى أميركا قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ. 

ومنذ يوم انتخابات الرئاسة الأميركية (5 نوفمبر 2024) وحتى 12 مارس الجاري، تدفقت أكثر من 23  مليون أونصة من الذهب، بقيمة تقارب 70 مليار دولار، إلى مستودعات بورصة “كومكس” للعقود المستقبلية في نيويورك. وكانت هذه التدفقات الضخمة سبباً رئيسياً في دفع العجز التجاري الأميركي إلى مستوى قياسي في يناير.

الذهب يلمع في الأزمات العالمية

غالباً ما ترتبط قفزات أسعار الذهب بالضغوط الاقتصادية والسياسية العالمية. فبعد الأزمة المالية العالمية، تجاوزت الأسعار 1000 دولار للأونصة، بينما تخطت حاجز 2000 دولار خلال جائحة كورونا. وبعد انخفاضها إلى نحو 1600  دولار بعد الوباء، عاودت الصعود منذ عام 2023 مدفوعة بمشتريات البنوك المركزية التي سعت إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، وسط مخاوف من استخدامه كأداة ضغط سياسي.

وفي أوائل عام 2024، تسارعت وتيرة ارتفاع الأسعار مع تزايد الطلب على الذهب في الصين، حيث تزايد القلق بشأن تباطؤ الاقتصاد. كما ازدادت وتيرة صعوده بعد الانتخابات الأميركية مع امتصاص الأسواق لتداعيات السياسات التجارية الجديدة للإدارة الأميركية.

يقول توماس كيرتسوس، المدير المشارك في مؤسسة “فيرست إيغل إنفستمنت مانجمنت” (First Eagle Investment Management): “الذهب هو الأصل الوحيد القادر على الاحتفاظ بالقيمة في ظل أكبر أنواع الاضطرابات الاقتصادية التي شهدناها. على مدار قرون، ورغم التقلبات، أثبت الذهب قدرته على العودة إلى متوسطه التاريخي والحفاظ على قوته الشرائية، مع توفير سيولة كبيرة للمستثمرين”.

الذهب.. صعود يتحدى الضغوط

جاء ارتفاع الذهب هذه المرة رغم العوامل التي كانت تعوق صعوده عادةً، مثل ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأميركي. فعندما تقدم السندات أو الودائع المصرفية عوائد مجزية، يصبح الذهب، الذي لا يولد فوائد، أقل جاذبية. كما أن ارتفاع الدولار عادة ما يؤدي إلى ضغط بيعي على المعدن النفيس، كونه العملة الرئيسية لشراء وبيع الذهب.

إلا أن هذه العوامل نفسها جذبت مستثمرين جدداً إلى السوق. ففي الصين، أدى تراجع اليوان أمام الدولار إلى تدفق المستثمرين نحو الذهب، كما دفعت معدلات التضخم المرتفعة عالمياً المزيد من المستثمرين إلى اعتباره مخزناً جيداً للقيمة.

يقول فيليب نيومان، مؤسس شركة “ميتلز فوكاس” (Metals Focus): “كثير من المستثمرين فوتوا الفرصة عندما تجاوز الذهب 2400 و2500 و2600 دولار. كنا نقول دائماً إن التصحيح قادم، لكنه لم يحدث أبداً. أعتقد أن هناك شعوراً عاماً بعدم الرغبة في تفويت مستوى 3000 دولار”.

سياسات ترمب تدعم الذهب

لكن العامل الأبرز في ارتفاع الذهب عام 2025 كان السياسات التجارية القوية وغير المتوقعة للإدارة الأميركية الجديدة، حيث فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية على الواردات من كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، كما فرض ضرائب على البضائع الصينية وجميع واردات الصلب والألمنيوم. وبعد أن رد الاتحاد الأوروبي برسوم مضادة، أشارت واشنطن إلى استعدادها لتصعيد الحرب التجارية المتصاعدة.

بالإضافة إلى ذلك، أثارت الإدارة الأميركية قلق الأسواق من خلال التهديد بإعادة تشكيل النظام العالمي. وألمح ترمب إلى استعداد بلاده لاستخدام سياسة الإكراه الاقتصادي أو حتى القوة للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما، كما طرح خطة مثيرة للجدل لإعادة إعمار غزة. 

ومنذ الإعلان المفاجئ في فبراير الماضي عن بدء مفاوضات مع روسيا بشأن مستقبل أوكرانيا، بدأت الإدارة الأميركية في إعادة النظر في الضمانات الأمنية التي كانت توفرها لأوروبا لعقود.

يقول إيان سامسون، مدير محفظة متعددة الأصول في مؤسسة “فيدليتي” (Fidelity) في سنغافورة: “حالة عدم اليقين الهائلة التي تخلقها السياسة الأميركية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي هذا العام”.

مشتريات البنوك المركزية من الذهب

تأسست قاعدة صعود الذهب جزئياً على حذر البنوك المركزية من الاعتماد المفرط على الدولار، وهو انعكاس للتوترات الجيوسياسية المتزايدة. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، لاحظت العديد من البنوك المركزية أن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم الدولار كسلاح مالي، مما دفعها إلى تعزيز احتياطياتها من الذهب.

قفزت مشتريات البنوك المركزية للذهب منذ الغزو الروسي، لتتضاعف من 500  طن متري سنوياً إلى أكثر من 1000 طن.

بينما تباطأت وتيرة الشراء في الصين بسبب ارتفاع الأسعار، واستمر الطلب القوي من دول مثل بولندا والهند وتركيا، والتي كانت من أكبر المشترين العام الماضي، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.

هل يصل سعر الذهب إلى 3500 دولار؟

رغم الارتفاع الحاد، لا يزال الذهب بعيداً عن ذروته التاريخية المعدلة حسب التضخم، والتي بلغت نحو 3800 دولار للأونصة عام 1980. آنذاك، دفع النمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والتوترات الجيوسياسية الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ويرى بعض المحللين أن هذه العوامل ستواصل دفع الذهب إلى اختراق حواجز جديدة في عام 2025.

وحقق الذهب مستوى 3000  دولار بسرعة أكبر مما توقع معظم الخبراء. ومع تجاوزه للمستويات النفسية الرئيسية عند 2000 و2500 دولار، بدأ المحللون في رفع توقعاتهم بدلاً من تغيير آرائهم بشأن اتجاه الأسعار.

يقول محللو بنك أوف أميركا بقيادة مايكل ويدمر في مذكرة بتاريخ 12 فبراير: “حتى يصل سعر الذهب عند 3500 دولار للأونصة، يجب أن يرتفع الطلب الاستثماري على الذهب بنسبة 10%.. وهذا كثير، لكنه ليس مستحيلاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *