روسيا تكثف حفر آبار النفط بأسرع وتيرة منذ 5 أعوام مع تخفيف القيود

تعمل شركات النفط الروسية على تسريع وتيرة حفر آبار النفط بوتيرة غير مسبوقة منذ خمسة أعوام على الأقل، في وقت تتحضر فيه البلاد لتخفيف قيود الإنتاج التي فرضها تحالف “أوبك+”، ووسط احتمالات تخفيف بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب حربها ضد أوكرانيا.
يمثل مستوى النشاط الحالي، الذي يزيد عن مستويات ما قبل الحرب بأكثر من الثلث، مؤشراً جديداً على قدرة قطاع النفط الروسي على الصمود في وجه العقوبات الغربية، التي صُممت لتقويض قدرة البلاد طويلة الأمد على إنتاج النفط الخام من خلال تقييد وصولها إلى التقنيات والمعدات المتقدمة.
وبحسب رونالد سميث، من شركة “إميرجينغ ماركتس أويل آند غاز كونسلتينغ بارتنرز” (Emerging Markets Oil & Gas Consulting Partners LLC)، فإن وتيرة الحفر الحالية تعني أن إجمالي الطاقة الإنتاجية لروسيا من النفط الخام والمكثفات تتراوح بين 11 مليون و11.5 مليون برميل يومياً، وهو مستوى يقارب ما كان عليه في عام 2016.
وأضاف سميث: “بإمكاننا القول بثقة إن قطاع خدمات حقول النفط الروسي نجح، إلى حد بعيد، في التكيف مع نظام العقوبات. وهذا لا يعني أنه تم العثور على بدائل مثالية في جميع الحالات، بل يشير إلى وجود بدائل مناسبة على نطاق أوسع”.
نشاط الحفر يكشف صمود قطاع النفط
تجاوز متوسط الحفر الإنتاجي في روسيا 2370 كيلومتراً (7.8 مليون قدم) خلال شهري يناير وفبراير، وفقاً لأحدث البيانات التي اطلعت عليها “بلومبرغ”. وهذا أعلى من المتوسط الموسمي للأعوام الثلاثة الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أدت إلى فرض قيود شاملة على توافر خدمات حقول النفط الغربية داخل البلاد، بحسب السجلات التاريخية.
حتى مع انسحاب عدد من كبار مزودي الخدمات الأجانب من السوق الروسية في أعقاب الحرب، فإنهم باعوا وحداتهم المحلية إلى مدراء روس، مما أبقى المعدات والخبرات داخل الدولة الخاضعة للعقوبات. وفي الوقت ذاته، واصل موردون آخرون، مثل “إس إل بي” (SLB Plc) و”ويذرفورد إنترناشونال” (Weatherford International Plc)، عملياتهم داخل روسيا، وإن كانت على نطاق أضيق.
على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، استطاعت شركات الخدمات الروسية أيضاً إيجاد مزودين بديلين للمعدات أو تطوير تجهيزاتها الخاصة، بحسب دميتري كاساتكين، الشريك في شركة “كاساتكين كونسلتينغ” (Kasatkin Consulting)، التي تضم بين موظفيها عدداً من المستشارين السابقين لدى “ديلويت” (Deloitte) بالمنطقة.
من جانبه، أوضح سيرغي فاكونلينكو، الذي شغل منصب مدير تنفيذي بإحدى شركات النفط الروسية لمدة عقد والباحث حالياً في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International Peace): “قد يكون هناك قدر من التراجع في تقنيات الحفر، مثل قصر الامتدادت الأفقية للآبار، أو انخفاض عدد مراحل التكسير الهيدروليكي، أو ضعف دقة تحديد مواقع حفر الآبار”.
لكنه أضاف: “بشكل عام، فإن تأثير العقوبات وتخارج مزودي الخدمات الغربيين كان أقل بكثير مما كان متوقعاً قبل ثلاثة أعوام”.
امتنعت وزارة الطاقة الروسية عن التعليق على وتيرة نشاط الحفر في البلاد وتأثير العقوبات الغربية. كما لم ترد شركتا “إس إل بي” و”ويذرفورد” على الطلبات المرسلة عبر البريد الإلكتروني للتعليق على أنشطتهما الحالية وخطط أعمالهما في روسيا.
التوسع في حقول النفط الناضجة
تحتاج شركات إنتاج النفط الروسية إلى الحفاظ على وتيرة متسارعة في عمليات الحفر لضمان قدرة البلاد على زيادة إنتاج الخام بما يتماشى مع خطة “أوبك+” لتخفيف قيود الإمدادات.
تعتمد روسيا حالياً على حقول تم اكتشافها وتشغيلها إلى حد كبير خلال الحقبة السوفييتية، والتي تُسهم بنحو 95% من إجمالي إنتاج البلاد من النفط الخام والمكثفات، وفقاً لتقديرات شركة الاستشارات “ياكوف آند بارتنرز” (Yakov and Partners) ومقرها موسكو.
وأوضح فاكونلينكو أن “الاحتياطيات لم تُستنزف بعد، ولا تزال بعيدة عن ذلك، لكن الاحتياطيات الأسهل استخراجاً قد تم استغلالها، والآن يتعين على صناعة النفط الروسية بذل جهد أكبر لتحقيق نفس معدلات الإنتاج”.
يرى المحللون أن الاستراتيجية الروسية الحالية تركز على تعزيز الحفر الأفقي الأكثر تطوراً داخل الحقول الناضجة، لا سيما في منطقة غرب سيبيريا.
ووفقاً لما ذكره كاساتكين، فإن الحفر الأفقي يشكل حالياً نحو 80% من نشاط الحفر في هذه المنطقة في روسيا. ويتوقع أنه بحلول عام 2030، قد ترتفع هذه النسبة إلى 95%، مما يجعل أسلوب الحفر في غرب سيبيريا مماثلاً لما هو معمول به في حوض بيرميان الأميركي.
وأظهرت بيانات اطلعت عليها “بلومبرغ” أن حصة الآبار الأفقية من إجمالي عمليات الحفر في روسيا ارتفعت إلى نحو الثلثين، مقارنة بنسبة 50% فقط في عام 2020.
تباطؤ استكشاف النفط
تخلفت روسيا في جانب رئيسي واحد من عمليات التنقيب عن النفط، ألا وهو الاستكشاف.
ففي شهري يناير وفبراير، بلغ متوسط الوتيرة الشهرية للحفر لاكتشاف احتياطيات جديدة 46 كيلومتراً فقط، مقارنة بنحو 68 كيلومتراً خلال نفس الفترة من العام الماضي، وما يقارب 75 كيلومتراً في شتاء ما قبل الحرب عام 2022.
وأوضح دميتري كاساتكين: “في ظل تزايد انعدام اليقين في السوق، وتقلب أسعار النفط وانخفاضها، فإن أول ما يتخلى عنه المنتجون عادة هو استكشاف حقول جديدة”.
وأضاف فاكونلينكو أن تكاليف الاقتراض التي تتجاوز 10% في روسيا، إضافة إلى نقص العمالة، تُعد أيضاً عاملاً رئيسياً وراء تراجع أنشطة الاستكشاف.
قالت آنا فولكوفا، الخبيرة بشركة “ياكوف آند بارتنرز” (Yakov and Partners)، إن تراجع عمليات الحفر الاستكشافية يعود أيضاً إلى غياب التقنيات الحديثة اللازمة لاستغلال الاحتياطيات المعقدة قبالة السواحل أو في القطب الشمالي. ويحظر كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توريد هذه المعدات والتقنيات إلى روسيا.
يتوقع كاساتكين أن تظل جهود الاستكشاف في روسيا محدودة نسبياً حتى عام 2030، حين يتطلب الأمر اكتشاف حقول جديدة لتعويض احتياطيات غرب سيبيريا، التي يُتوقع أن تشهد تراجعاً كبيراً اعتباراً من عام 2035.
لكن حتى ذلك الحين، يؤكد سميث أن “روسيا تمتلك وفرة من الاحتياطيات التقليدية، وإن بات الوصول إليها أكثر تحدياً، إلا أن التقنيات المتاحة حالياً تظل كافية للتعامل معها بكفاءة”.