روسيا تدرس فرض شروط صارمة على عودة الشركات الأجنبية

رغم تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترحيبه بعودة الشركات الأجنبية التي غادرت روسيا بسبب شنه حرباً على أوكرانيا، إلا أن حكومته لا تسهل عودتها.
خلال لقائه مع قادة الأعمال في موسكو يوم الثلاثاء، شدد بوتين على أن الشركات الغربية التي باعت فروعها الروسية “بأسعار زهيدة” لا ينبغي أن يُسمح لها باستعادة أصولها بثمن بخس عبر خيارات إعادة الشراء. كما وجه الحكومة إلى إعداد قوائم بأسماء الشركات الأجنبية “التي توقفت عن العمل في روسيا ووضع آلية لعودتها مع ضمانات إلزامية تضمن التزامها بسلوك مسؤول وواعٍ”.
وفي ظل صمود الاقتصاد الروسي لأكثر من ثلاث أعوام تحت وطأة العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجموعة السبع، لا ترغب العديد من الشركات الروسية في عودة منافسيها الدوليين. وصرح بوتين بأنه يسعى لمنح الأفضلية للشركات المحلية، قائلاً “انطلاقاً من هذا المبدأ، سندرس مسألة عودة الشركات الأجنبية إلى سوقنا”.
“نحن لا ننتظر أحداً بأذرع مفتوحة. عليكم دفع ثمن كل شيء، ثمن سلوككم”.
وزير الصناعة والتجارة الروسي أنطون أليخانوف
في الوقت نفسه، أثارت محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتواصل مع بوتين في الأسابيع الأخيرة بهدف إنهاء الحرب موجة من التفاؤل بين المستثمرين والشركات الأجنبية بشأن فرص العودة إلى السوق الروسية. وتحدث الزعيمان هاتفياً يوم الثلاثاء، حيث ضغطت الولايات المتحدة على روسيا للموافقة على وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، وهو ما أعلنت أوكرانيا استعدادها لقبوله في إطار جهود التوصل إلى اتفاق سلام.
تكاليف العودة إلى السوق الروسية
ناقش المسؤولون الأميركيون والروس إمكانية إقامة مشاريع مشتركة في مجالات متنوعة تتراوح بين استغلال القطب الشمالي إلى صفقات الغاز، وحتى إرسال بعثة إلى كوكب المريخ. ومع ذلك، بينما أبدت إدارة ترمب حرصها على إعادة بناء العلاقات، بدا المسؤولون في موسكو أقل حماساً تجاه الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الروسي، حتى في حال رفع العقوبات بموجب اتفاق لإنهاء الحرب.
ورغم أن إعادة فتح السوق أمام المزيد من المنافسة قد تعود بالفائدة على المستهلكين الروس من خلال الحد من التضخم، إلا أن المسؤولين يركزون على المخاطر التي تواجه الشركات المحلية فيما يتعلق بفرص تطوير المنتجات والمبيعات التي نشأت بعد انسحاب المنافسين الغربيين.
وقال وزير الصناعة والتجارة الروسي أنطون أليخانوف للصحفيين في 20 فبراير: “نحن لا ننتظر أحداً بأذرع مفتوحة. يجب عليكم دفع ثمن كل شيء، ثمن سلوككم”. وأضاف أن تخارج الشركات الأجنبية كان “فرصة للتنمية، ولا نرغب في التخلي عنها”.
على الرغم من أن النزاعات عادةً ما تتسبب في انهيار النشاط الاستثماري، إلا أن روسيا ضخت أموالاً قياسية في مشاريعها خلال الأعوام الأخيرة، بدعم من الإنفاق الحكومي الضخم. وقد سجل الاستثمار الرأسمالي أعلى مستوى له منذ 13 عاماً في عام 2023.
من جانبها، أكدت إيلينا أستافييفا، المديرة التجارية لمنصة المشتريات “تندربرو” (Tenderpro) في موسكو، أن عودة الشركات متعددة الجنسيات “ستؤدي حتماً إلى انخفاض الربحية والضغط على عائد الاستثمار” بالنسبة للشركات الروسية.
قيود جديدة على الشركات الأجنبية
أخبر وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف الصحفيين في 24 فبراير أن الشركات الأجنبية ستواجه متطلبات جديدة تماماً تتعلق بالتوطين والاستثمار ونقل التكنولوجيا، بهدف حماية الشركات الروسية واستثماراتها.
وقد تشمل هذه المتطلبات التزام بعض الشركات بمزاولة أنشطة تجارية في شبه جزيرة القرم والمناطق الأوكرانية الأخرى الخاضعة للسيطرة الروسية، وفقاً لما أعلنه النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف. وكانت الولايات المتحدة وأوروبا قد فرضتا عقوبات بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 سعياً لردع الشركات الأجنبية عن الاستثمار في شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود.
في الشهر الماضي، حث بوتين المسؤولين على “التفكير بعناية” عند تنظيم عودة الشركات الأجنبية إلى السوق الروسية. وأكد خلال منتدى تقنيات المستقبل في موسكو أن روسيا يجب ألا “تفقد الإمكانيات التي وُجدت بفضل خصومنا الذين فرضوا علينا العقوبات”.
من المؤكد أن الحكومة “ستتفاوض على الأرجح وترحب بعودة الشركات الغربية في قطاعات مثل خدمات النفط والغاز، وإنتاج الآلات والمعدات”، بحسب تاتيانا أورلوفا، الاقتصادية لدى “أوكسفورد إيكونوميكس” (Oxford Economics). وأوضحت أن روسيا بحاجة إلى الوصول إلى تقنيات متقدمة في هذه المجالات لتعزيز آفاق نموها على المدى الطويل.
ضوابط العودة إلى روسيا
بعد تخارج الشركات الغربية من روسيا إثر حرب أوكرانيا في فبراير 2022، أصدر بوتين مرسوماً يفرض موافقة لجنة حكومية خاصة على جميع الصفقات التي تشمل مقيمين من دول تُعتبر غير صديقة.
وفرضت هذه اللجنة متطلبات صارمة على الشركات الساعية لمغادرة البلاد، تضمنت تخفيضات كبيرة في قيمة أصولها ومساهمات في ميزانية الدولة.
وأشار مسؤولون حكوميون إلى أن عودة الشركات الأجنبية إلى السوق الروسية قد تتطلب أيضاً الحصول على إذن من اللجنة، حيث ستتم دراسة كل حالة على حدة. كما تم تقديم مشروع قانون جديد إلى مجلس الدوما يقضي بحظر الشركات الأجنبية من العمل في روسيا إذا ثبت تورطها في تمويل أنشطة تهدد الأمن القومي.
وخلال اجتماعه مع الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال في موسكو، أكد بوتين أن العقوبات شكلت “تحديات خطيرة” للشركات الروسية التي نجحت بدورها في التكيف معها. وأضاف أنه حتى في حال رفع القيود، فإن احتدام المنافسة الاقتصادية العالمية يعني أن “الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق”.