ركود أم لا.. على الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بسرعة
جاءت بيانات تقرير الوظائف في الولايات المتحدة -الذي صدر الجمعة الماضية- أقل من التوقعات، ما أثار جدلاً واسعاً حول ما إذا كان الاقتصاد ينزلق نحو حالة ركود، أم أن ارتفاع معدل البطالة في يوليو كان نتيجة استمرار عودة سوق العمل إلى مستوياتها الطبيعية بعد الجائحة.
أياً كان الرأي الذي تدعمه، فإن الخطوة المناسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن يتصرف بشكل عاجل، ويخفض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية إلى 4.25%-4.5% بحلول نهاية العام الجاري، باسم إدارة المخاطر.
هذا مستوى التسهيل النقدي الذي يُرجح أن يجريه “الاحتياطي الفيدرالي”، حتى لو اتضح في النهاية أن ارتفاع معدل البطالة نافع بدرجة ما، إذ لم نعد في حاجة إلى أسعار الفائدة المرتفعة هذه للسيطرة على التضخم. فمن المنطقي تقديم موعد خفض أسعار الفائدة، بدلاً من التصرف ببطء شديد لتجنب نتائج اقتصادية أسوأ.
آفاق خفض أسعار الفائدة
إذا كنا متجهين نحو حالة ركود بالفعل، فلا خلاف على ما يجب أن يفعله “الاحتياطي الفيدرالي”، وهو خفض أسعار الفائدة بمعدل كبير وبوتيرة سريعة. وهذا ما تحولت إليه توقعات السوق بعد أسبوع حافل بالبيانات الاقتصادية المتقلبة.
تشير العقود المستقبلية لأسعار الفائدة إلى أن “الاحتياطي الفيدرالي” سيخفض أسعار الفائدة بأكثر من 200 نقطة أساس بنهاية 2025، لينخفض سعر الفائدة على الودائع الفيدرالية إلى نحو 3%. ويبدو هذا أمراً منطقياً بناءً على ما شهدناه في حالات الركود السابقة.
أما السيناريو الثاني فهو الأكثر تحدياً، حيث ارتفع معدل البطالة هذا العام من 3.7% إلى 4.3%، إلا أن نسبة من تم توظيفهم في الفئة العمرية بين 25 عاماً و54 عاماً ارتفعت أيضاً من 80.4% إلى 80.9%. ويُعد هذا تحركاً غير معتاد، حيث يعكس معدل البطالة جزئياً ارتفاع مشاركة القوة العاملة.
لذلك يُحتمل أن يكون التفسير القائل إن سوق العمل تعود لمستوياتها الطبيعية تدريجياً هو الصحيح، وأن خطر ارتفاع معدل البطالة بسرعة ضئيل، وأنه لا توجد ضغوط على “الاحتياطي الفيدرالي” لاتخاذ قرارات فورية.
معدل البطالة ليس المؤشر الوحيد على الركود
لكن الاعتماد الكلي على خيار واحد دون غيره أمر محفوف بالمخاطر، فرغم أن معدل تسريح العمالة ما يزال منخفضاً حالياً، لكن الانتظار حتى ارتفاعه يعني تعليق الخيارات إلى أن يفوت أوان تجنب الركود.
خلال الأزمة المالية، على سبيل المثال، لم يبدأ ارتفاع معدل تسريح العمالة حتى منتصف عام 2008، بعد أن كان الركود بدأ بالفعل. وانخفض معدل التوظيف إلى مستويات تشير إلى أن أصحاب الأعمال لا يشعرون بأي ضغط لضم موظفين جدد إلى قوائم الرواتب.
بشكل عام، من الأفضل عدم الإفراط في التفكير بمعدل البطالة، فنقاط التغير في الاقتصاد مربكة وغامضة بطبيعتها، والميل المفرط للسيناريوهات المتفائلة، قد يسبب أخطاءً جسيمة في السياسة النقدية، فألقى رئيس “الاحتياطي الفيدرالي” السابق، بن برنانكي خطاباً “تم احتواء القروض العقارية عالية المخاطر” في مايو 2007، بينما كانت السوق العقارية في مرحلة الانهيار.
“الفيدرالي” جاهز للتيسير في سبتمبر
تتمثل مهمة البنك المركزي في إدارة المخاطر، لذلك واصل صناع السياسة رفع أسعار الفائدة في النصف الأول من 2023، قبل فترة طويلة من بلوغ مؤشر التضخم الذي يفضلونه أعلى مستوياته وبدء تراجعه.
ففي يونيو، أظهر متوسط التوقعات في المخطط النقطي لـ”الاحتياطي الفيدرالي”، وهو مجموعة من توقعات صناع السياسة لأسعار الفائدة دون توضيح أسماء، خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 2024، وبعدها 4 تخفيضات أخرى في 2025، أي تيسير نقدي بمقدار 1.25 نقطة مئوية إجمالاً.
تراجعت بيانات سوق العمل والتضخم منذ ذلك الحين، لذلك فإن إعداد مخطط نقطي حالياً سيوضح تخفيضات أكبر على الأرجح، ونعرف من تصريحات رئيس “الاحتياطي الفيدرالي”، جيروم باول، التي أدلى بها الأربعاء أن صناع السياسة جاهزون لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر.
لماذا الانتظار إذاً؟ تراجعت مخاطر التضخم بما يكفي، لذا فالذريعة الرئيسية لعدم خفض أسعار الفائدة بمعدل أكبر مما لمح إليه مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي سابقاً، ستكون خطر إقلاق الأسواق مما قد تقوله الخطوة عن الآفاق الاقتصادية.
من حسن الحظ أن بمقدور باول أن يستخدم خطابه المقبل في مؤتمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في كنساس سيتي الذي سيقام في جاكسون هول، وايومنغ، في صياغة السردية.
خفض أسعار الفائدة يدعم الاستهلاك
من شأن خفض أسعار الفائدة سريعاً أن يخفف الضغوط على المواطنين الأميركيين الذي يعانون لسداد مدفوعات على ديون بطاقات الائتمان متغيرة الفائدة، أو يمكنهم من الحصول على تمويل لشراء سيارة جديدة. كما سيساعد ملايين من مالكي المنازل الذين اشتروا مساكن عندما كانت الفائدة على القروض العقارية مرتفعة، من خلال حصولهم على إعادة تمويل بأسعار فائدة منخفضة، ما سيحرر ميزانيات الأسر للإنفاق على أنواع أخرى من الاستهلاك. فالرياح المعاكسة الرئيسية للاقتصاد في الفترة الحالية هي تكاليف الاقتراض المرتفعة.
يعود التباطؤ المتعمد بين صناع السياسة في اتخاذ القرار إلى الوضع الاقتصادي وخلاف “الاحتياطي الفيدرالي” في مطلع 2022. ففي ذلك الحين، كان الخلاف يدور عما إذا كان التضخم مؤقتاً، ورفع أسعار الفائدة 25 نقطة أساس مرة في الربع أسرع مما ينبغي.
وفي النهاية، تفاقم التضخم، ووجب على “الاحتياطي الفيدرالي” اتخاذ رد فعل قوي. ويرى عدد من المحللين الاقتصاديين حالياً أن التأخر في رفع أسعار الفائدة كان خطأً.
نحن في موقف معاكس الآن وسط تراجع سوق العمل، وأشار “الاحتياطي الفيدرالي” إلى احتمال خفض أسعار الفائدة في اجتماع سبتمبر. صناع السياسة سيخسرون القليل، ويكسبون الكثير من التحرك سريعاً.