رسوم المدارس المرتفعة للوافدين تدعم صعود ملياردير في دبي
في أكاديمية “جيمس” العالمية في دبي، يتمتع أطفال الروضة بفرصة استخدام أجهزة “آيباد”، كما يقضي الطلاب وقتاً في القبة السماوية التي تتسع لـ70 متفرجاً. لكن جميع هذه الميزات تأتي بتكلفة؛ إذ يمكن أن تصل الرسوم الدراسية إلى 33 ألف دولار لدى الوصول إلى الصف الثاني عشر.
تُعد هذه الرسوم الأعلى في سلسلة المدارس التي تديرها “جيمس للتعليم” (GEMS Education) في دبي، والتي تُعتبر من أكبر الشركات الخاصة في تشغيل المدارس على مستوى العالم. تَأسَست “جيمس” على يد الملياردير الهندي الأصل سوني فاركي، وتوفر المدارس خيارات متنوعة تناسب جميع الفئات السعرية، بدءاً من 3900 دولار سنوياً. لكن النمو الهائل في القطاع المالي في دبي جعل المدينة وجهة للمتداولين في صناديق التحوط والمصرفيين المستعدين لدفع أسعار مرتفعة للحصول على تعليم مميز.
ربحية المدارس الخاصة
المدارس الخاصة تُعتبر تجارةً كبيرة على مستوى العالم، وعادةً ما تكون الأسعار مرتفعة في أغلب المراكز الرئيسية. على سبيل المثال، تسعى شركة “نورد أنغليا إديوكيشن” (Nord Anglia Education) في المملكة المتحدة لبيع حصة بقيمة 15 مليار دولار. لكن دبي تعتبر أكثر ربحية مقارنة بنظيراتها بسبب القوانين المحلية التي تجعل المدارس العامة ليست سهلة الوصول لمعظم الوافدين.
يعني ذلك أرباحاً ضخمة في دبي، حيث أن نحو 90% من السكان البالغ عددهم 3.6 مليون نسمة هم من الأجانب، مما يتيح للشركات فرصاً لا مثيل لها لجني الأرباح من نظام التعليم. يُقبل الأجانب من كل أنحاء العالم، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى روسيا والهند، على دبي بعد الجائحة، نظراً لأمان المدينة ونظام الضرائب المنخفض. وتتوقع الحكومة زيادة عدد السكان إلى 5.8 مليون بحلول عام 2040.
طلب كبير على التعليم المتميز
بالنسبة لـ”جيمس”، يعني ذلك أن الطلب مرتفع جداً، حيث وضعت الشركة خططاً لإضافة 30 ألف مقعد دراسي جديد، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي دينو فاركي، ابن المؤسس، في مقابلة بمقر الشركة.
وفي يونيو، جمعت عائلة فاركي أكثر من 3 مليارات دولار من البنوك المحلية لإعادة هيكلة الأعمال، بينما التزمت شركة “بروكفيلد آسيت مانجمنت” (Brookfield Asset Management) ومستثمرون مشاركون بملياري دولار لـ”جيمس”. وتُقَدِّر ثروة العائلة الآن بـ3.7مليار دولار وفقاً لمؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات.
قال فاركي الابن: “لو اتجهنا إلى المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، لا أعتقد أننا كنا سنتمكن من تطوير الحجم والنطاق الذي حققناه اليوم”.
تدرس الشركة الآن التوسع في المملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى تحول اقتصادي سيزيد الطلب على المدارس الخاصة. لكن دبي والإمارات ستظل محط التركيز الأساسي لـ”جيمس”، وفقاً لما أكده فاركي.
يعني هذا الاعتماد على مدينة معروفة بالدورات الاقتصادية المفاجئة والمضطربة، أن الشركة تكون عرضة لتقلب أعداد الوافدين، التي يمكن أن تتراجع في الأوقات الاقتصادية الصعبة.ولكن في الوقت الحالي، تراهن أسرة فاركي على أن الآباء في دبي سيستمرون في دفع الرسوم المرتفعة.
رسوم مدارس دبي
تُعد “جيمس” أكبر مشغل مدارس في دبي، حيث تنافس أسماء دولية مثل “نورد أنغليا”، المدعومة من القطاع الخاص، وعدة شركات محلية وفروع لمؤسسات دولية مثل جامعة “كينت”.
ولكن غياب نظام المدارس العامة المتاح بسهولة للأجانب يعني أن معظم العائلات في الإمارات تدفع جزءاً كبيراً من رواتبها على التعليم. فالآلاف من الأفراد في دبي، بما في ذلك المدرسين وأصحاب الأعمال الصغيرة والممرضين، يشعرون بضغط الرسوم المرتفعة.
حوالي 80% من العائلات في الإمارات تخصص أكثر من ثلث دخلها الشهري لتغطية المصاريف الدراسية، وفقاً لبيانات من شركة “ألبن كابيتال” للاستشارات المصرفية. بعض هؤلاء استعانوا بمدخراتهم أو أخذوا قروضاً شخصية لتغطية تكاليف التعليم.
على الرغم من ندرة البيانات، وجدت دراسة أجرتها “إتش إس بي سي هولدينغز” (HSBC Holdings) في عام 2017 أن الأجانب في الإمارات ينفقون على التعليم أكثر من العائلات في أي مكان آخر في العالم باستثناء هونغ كونغ. وعلى الرغم من دفعهم آلاف الدولارات، كانت هناك مخاوف مستمرة من أن النظام التعليمي الحديث نسبياً قد لا يرقى في بعض الأحيان إلى المعايير الدولية، ما دفع بعض السكان إلى دفع رسوم أعلى مما يرغبون لضمان تعليم جيد.
قالت كارين سيديلوس، نائبة الرئيس الأول لشركة “كوربورت ريلوكيشن سيرفسز” (Corporate Relocation Services) ومقرها الولايات المتحدة: “جودة التعليم في دبي تشهد تحسناً، لكن ما زالت هناك مخاوف بسبب حداثة العديد من المدارس مقارنة بالأنظمة التعليمية الأكثر رسوخاً في مراكز الوافدين الأخرى”.
من جانبه، يشير دينو فاركي إلى أن طلاب مدارس مجموعته يلتحقون بانتظام بأعرق المؤسسات العالمية مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعتي أوكسفورد وكامبريدج. ويسلط الضوء على بعض العروض التعليمية التي تقدمها العائلة بأسعار معقولة، مشيراً إلى أن الرسوم في المدارس الفاخرة لا تزال أقل بنسبة تتراوح بين 15% و20% مقارنةً بالمراكز الحضرية الأخرى مثل نيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة.
مع ذلك، يقدم فاركي مثالاً لإحدى مدارسه حيث واجه الأهالي زيادة في الرسوم بنسبة 80%، لكنهم قبلوها لأن البدائل القريبة كانت أكثر تكلفة.
الاستثمار في التعليم داخل الإمارات
على الجانب الآخر، تفتش الجهات الحكومية في الإمارة على المدارس، وتفرض معايير لزيادة الرسوم. فيما يدعو دينو فاركي إلى تحرير الرسوم المدرسية في الإمارات، مشيراً إلى أن ذلك سيجعل القطاع أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
وقال فاركي: “من المنطقي تماماً ألا يقوم أي مستثمر أو مقدم خدمة بتسعير منتجه بشكل خاطئ. إذا اخترت التسعير غير الصحيح، سيغادر الآباء.” وأضاف: “بالنسبة لمدارسنا الفاخرة، ما يزال هناك طلب كبير ويبدو أنه مستمر”.
وفي مقابلة أجريت عام 2008، قارن سوني فاركي بين مدارسه وشركات الطيران التي تقدم منتجات تلائم جميع مستويات الدخل. وتقدم مجموعة “جيمس” مجموعة متنوعة من المناهج التعليمية، بما في ذلك الأميركي والبريطاني والهندي والبكالوريا الدولية.
لكن هذه الأيام، أدى تدفق الوافدين إلى وصول المدارس الموجودة في دبي إلى طاقتها القصوى تقريباً. ويتم وضع العديد من الآباء على قوائم الانتظار، مما يجبر البعض على دفع أكثر مما كانوا يخططون له.
وفي هذا السياق، قالت سيديلوس: “من تجربتنا، يؤثر ارتفاع تكلفة التعليم في دبي بشكل كبير على توقعات الرواتب للوافدين”. وأضافت: “يخبرنا العملاء أن العبء المالي الإضافي يدفع الوافدين غالباً لمحاولة التفاوض على رواتب أعلى”.
أدى ارتفاع عدد الوافدين إلى تعزيز إمبراطورية “جيمس” بعد التحديات التي واجهتها خلال جائحة كورونا. وكان والدا سوني فاركي قد انتقلا إلى الإمارات في الخمسينيات، قبل أن تصبح دولة مستقلة. وشعرا بحاجة متزايدة لتعليم اللغة الإنجليزية في دبي. وفي البداية، استقطبت الفصول الدراسية موظفي البنوك، ثم الأفراد من العائلات الملكية، حيث كانت الدروس تُعقد في منزل العائلة. وبعد تسع سنوات من وصولهم، افتتحوا أول مدرسة لهم في دبي.
تطور مدارس “جيمس” في دبي
استطاع سوني فاركي تحويل مدرسة والديه التي كانت تضم 300 طالب إلى شبكة من 44 مركزاً تعليمياً في الإمارات واثنين في قطر، تخدم أكثر من 140 ألف طالب. كما تدير الشركة حوالي عشرة مدارس في المملكة المتحدة تحت العلامة التجارية”بيلفيو إديوكيشن” (Bellevue Education).
وفي عام 2017، فكرت المجموعة في طرح أسهمها للاكتتاب في لندن، لكن تجميد زيادات الرسوم المدرسية حينها أوقف تلك الخطط، وفقاً لتقرير بلومبرغ في ذلك الوقت.
اليوم، تحقق مجموعة “جيمس” أكثر من 1.2 مليار دولار من الإيرادات السنوية وحوالي 400 مليون دولار من الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك. ويقول دينو فاركي إن النمو في الأعمال التجارية يتناقض مع فترة الجائحة عندما تم إغلاق المدارس مؤقتاً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الإمارات. وكان سوني فاركي قد فشل في جمع أموال جديدة من خلال بيع حصة في الشركة.
وفي أغسطس 2023، اجتمع سوني فاركي مع مسؤول تنفيذي رفيع من شركة “بروكفيلد” (Brookfield) الكندية في فندق دورشيستر بلندن، حيث كان يبحث عن شريك جديد فيما كانت “بروكفيلد” تبحث عن صفقات في دبي التي تمتلك فيها بالفعل أصولاً بمليارات الدولارات. وأسفر الاجتماع عن صفقة، مما يمثل رهاناً على استدامة قطاع المدارس الخاصة في دبي.
واختتم دينو فاركي: “هناك أماكن قليلة في العالم شهدت إعادة توزيع كبيرة للثروة، وأعتقد أن دبي كانت المستفيد الأكبر من ذلك”.