اخر الاخبار

ربما تخطت الأسواق صدمة سياسات ترمب لكن سرعة التخطي صادمة

قد تبدو مقولة أن صدمة ترمب كانت قصيرة وحادة وقد انتهت الآن بمثابة حكم غير منطقي حين تأتي في نهاية واحد من أسوأ أسابيع دونالد ترمب منذ فترة. لقد وجّه الناخبون في عدة ولايات انتقادات لاذعة للرئيس في ذكرى انتخابه، بينما يبدو مرجحاً أن تصدر المحكمة العليا رداً قوياً على سياسته الأهم المتعلقة بالرسوم الجمركية. لكن بالنسبة للأسواق، والأهم من ذلك الدولار، فإن الصدمات الهائلة التي أحدثها منذ عودته إلى السلطة أصبحت من الماضي.

أشار جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث الصرف الأجنبي في ”دويتشه بنك“، إلى أن تقلبات كل من الدولار والسندات الأميركية -أي المبلغ الذي يرغب المستثمرون في دفعه للحماية من التقلبات المستقبلية- أقل بكثير مما كانت عليه قبل عام، على الرغم من ارتفاعها الهائل بعد الإعلان عن رسوم يوم التحرير في أبريل.

السوق قالت إن “صدمة ترمب” قد انتهت فالحرب التجارية “حُلّت” والسياسة المالية تعمل تلقائياً (باستثناء قرار المحكمة العليا بشأن الرسوم الجمركية)؛ الشرق الأوسط (أي أسعار الطاقة) أكثر استقراراً، والمخاطر الأميركية الصينية مجمدة لمدة عام على الأقل.

ما البدائل المتاحة أمام ترمب لو أبطلت المحكمة الرسوم الجمركية؟

المفتاح ليس في مستوى الدولار، الذي ما يزال أقل مما كان عليه قبل 12 شهراً (تماشياً مع هدف الإدارة لتحسين القدرة التنافسية)، بل في طريقة سلوكه. في أسوأ لحظات الصدمة في أبريل، انخفضت قيمة العملة حتى مع انسحاب المستثمرين من سندات الخزانة، ما أدى إلى ارتفاع عوائدها. هذه هي ديناميكية الأسواق الناشئة خلال الأزمات عندما تفقد الثقة الدولية. كان مقلقاً رؤية ذلك يحلّ بعملة الاحتياطي العالمية.

الدولار يعود إلى سابق عهده لكن ليس من حيث المستوى

أصبح ذلك الآن ذكرى بعيدة. يتصرف الدولار تماماً كما هو متوقع، إذ يرتفع عندما يتجنب الناس المخاطرة لأنه يوفر ملاذاً آمناً، وعندما تمنح عوائد السندات المرتفعة المستثمرين سبباً لإرسال الأموال إلى الولايات المتحدة.

قال جين إرغاس من شركة ”تايغرس فاينانشال بارتنرز“ (Tigress Financial Partners): “لم يكن الأمر كما توقع الناس… لقد تعاملت الشركات مع الأمر بشكل جيد. ويساعد وجود تأثير للثروة في الولايات المتحدة. لم يعد الدولار عملة من عملات الأسواق الناشئة. عندما يتجه الناس نحو النقد، ستكون مخصصاتهم النقدية موجهة نحو الدولار“.

ما يزال الدولار ملكاً لكن السياسة الأميركية تسلبه صولجانه

عندما أوضح ترمب هذا العام عزمه على إحداث تغيير جذري في المعايير والمؤسسات العالمية مقارنة بفترة ولايته الأولى، كان الخطاب السائد هو “التخلي عن الدولرة”. اعتُبر هذا تراجعاً حتمياً لرأس المال من الولايات المتحدة، فقد أدت المراكمة الهائلة لأسهم التقنية إلى شعور كثير من المستثمرين الأجانب بالانكشاف المفرط. الآن، عادت الرواية القديمة: الاستثنائية الأميركية. على الرغم من كل شيء.

كما يقول سارافيلوس، إن البيئة المالية العالمية توسعية (بشكل مذهل في ألمانيا)، والسياسة النقدية في طور التيسير، وقد أثبت الاقتصاد الأميركي مرونة أكبر بكثير مما كان متوقعاً. ومن العوامل المحورية في ذلك الرسوم الجمركية (بمعنى أنها ليست سيئة كما كان يُخشى) والذكاء الاصطناعي (من حيث إنه أفضل، حتى الآن، من أغرب أحلام داعميه).

الرسوم الجمركية

الأهم من ذلك، هو أن الحرب التجارية لم تسفر بعد عن الآثار الوخيمة المتوقعة، على الرغم من أن الرسوم الجمركية ما تزال إلى حد كبير عند نفس المستوى الذي أدى إلى اضطرابات أبريل. رفضت معظم دول العالم الرد، واختارت بدلاً من ذلك استرضاء ترمب، على عكس ما تقتضيه نظرية اللعبة.

كما كان للرسوم الجمركية تأثير كبير على إيرادات الحكومة الأميركية، حيث بلغت إيرادات الرسوم الجمركية الشهرية 30 مليار دولار أميركي في أكتوبر، بينما كانت تبلغ 5 مليارات دولار مع مطلع العام. هذا يخفف قليلاً من مخاوف العجز ويضفي على الرسوم طابعاً من الاستمرارية من حيث إنها تحقق إنجازاً.

ترمب: إلغاء المحكمة العليا للرسوم الجمركية سيكون “مدمراً لبلادنا”

تحذر الشركات من مشكلات مقبلة، حتى وإن كانت مجهولة المصدر ولن تثير غضب الرئيس. في استطلاع معهد إدارة التوريد لشهر أكتوبر، قدّم المسؤولون التنفيذيون سلسلة شكاوى، جميعها تتعلق بالرسوم الجمركية. وتذمّر تنفيذي لدى شركة تصنع كمبيوترات قائلاً: “إن عدم القدرة على التنبؤ… ما يزال يسبب فوضى وعدم يقين بشأن الأسعار/التكلفة المستقبلية”. وقال مسؤول في شركة تصنيع مواد كيميائية: ”إن الزبائن يلغون طلبات ويقللون أخرى بسبب حالة عدم اليقين”.

لماذا التأثير أدنى مما كان متوقعاً في البداية؟

لكن مع تراكم هذه الأدلة القصصية، ما يزال تأثير الرسوم الجمركية ضئيلاً بشكل مفاجئ على البيانات العامة. ويُتوقع أن يرتفع إجمالي أحجام التجارة العالمية هذا العام. وقد عوّضت الصين، الخاضعة لأثقل الرسوم، -حتى الآن على الأقل- هذا التأثير بأكثر من اللازم بإغراق بقية العالم بالصادرات. قد يسبب ذلك مشكلات لديها، لكنه يجنح لناحية إبقاء التضخم منخفضاً.

حتى الآن، بذلت الشركات جهداً رائعاً في إيجاد طرق لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية، على الرغم من المبالغ الضخمة التي تسلمها للولايات المتحدة. ويتجلى هذا في التقديرات المتغيرة على نطاق واسع للنسبة الفعلية التي تدفعها الشركات. وتشير تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس أنه بافتراض استمرار حصص الواردات كما كانت في 2024، أن هذه ستبلغ النسبة 15.9%، بعد أن بلغت ذروتها في الربيع عند 27.4%. وكانت 2.4% في مستهل العام.

هل يعلم الاقتصاد العالمي بوجود حرب تجارية؟

بيّنت أريان كورتيس من كابيتال إيكونوميكس أن المستوردين قد ابتعدوا عن السلع ذات الرسوم الجمركية المرتفعة، “ما يعني أن معدل الرسوم الجمركية الأميركي الفعلي لم يرتفع إلا إلى حوالي 11% في أغسطس، وهو أقل بكثير من نسبة 17% المفترضة آنذاك بناء على حصص الواردات لعام 2024”.

لقد عدّلت وكالة ”فيتش“ للتصنيف الائتماني تقديراتها بالخفض، من 16% في 5 أغسطس إلى 13.6%، بعد الاتفاقيات مع اليابان وماليزيا وتايلاند وكوريا الجنوبية، والرسوم الجمركية الجديدة على الأخشاب والأثاث المنزلي والشاحنات الثقيلة وقطع الغيار ذات الصلة.

وتبيّن ”ستاندرد آند بورز“ أنه قبل تعليقها في أغسطس، استخدمت قواعد الحد الأدنى التي تسمح للحزم التي يقل حجمها عن حجم معين بالإعفاء من الرسوم المرتفعة بشكل مكثف. على مدى الأشهر العشرة المنتهية في أبريل، شملت 6.5% من جميع الطرود الواردة، لكن أقل من 1% قياساً إلى الحجم، عبر شركة توصيل واحدة متخصصة في الشحنات الصغيرة. وقد انخفض هذا العدد إلى الصفر.

قالت ”ستاندرد آند بورز“: “مع إغلاق هذا الصمام الآن وتناقص المخزونات، أصبحت القوى المحركة للهوامش العالمية مكشوفةً تماماً“.

الذكاء الاصطناعي

سهّل ازدهار الذكاء الاصطناعي تحمّل صدمة ترمب بشكل كبير. فقد جذب استثمارات إلى الولايات المتحدة، حيث توجد أكبر الشركات “ذات النمو الهائل”. تستثمر دول أخرى بقوة، لكن معظم المستثمرين يستفيدون من ازدهار الذكاء الاصطناعي من خلال الاستثمار في الشركات السبع الكبرى. وفي هذه العملية، يعززون السوق الأميركية.

إن النفقات الرأسمالية الهائلة لشركة ”إنفيديا“ الرائدة في صناعة الرقائق، وأكبر الشركات ”الفرط توسعية” التي تسعى لتقديم منتجات الذكاء الاصطناعي -”ألفابت“ و“أمازون“ و“ميتا بلاتفورمز“ و“مايكروسوفت“ و“أوراكل“- كافية بحد ذاتها لتحفيز الاقتصاد.

يوضح لويس نافيلييه، وهو مستثمر متفائل جداً في أسهم النمو، أن الأموال التي تنفق على الذكاء الاصطناعي ستحدث فرقاً: إن الحقيقة البسيطة هي أن تريليونات الدولارات التي تنفق على نقل مراكز البيانات، بالإضافة إلى صناعات السيارات والأدوية وأشباه الموصلات، غير مسبوقة. ويُتوقع أن يسفر هذا النقل عن طفرة اقتصادية هائلة تفضي إلى نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز 5% في عام 2026.

أسهم الرقائق تفقد نصف تريليون دولار في موجة بيع بسبب تقييمات الذكاء الاصطناعي

إن المخاطر التي يشكلها حجم الأموال المستخدمة وكمية الكهرباء التي ستتطلبها الاستثمارات الجديدة معروفة جيداً. وعندما سئل ماركو بابيك من ”بي سي إيه ريسرتش“ (BCA Research) عما إذا كانت النفقات الرأسمالية للذكاء الاصطناعي ستنهار “كانهيار بيت من ورق”، أجاب على الفور: “بالتأكيد، نعم، لكن ليس بعد“.

واصلت الشركات الناشئة ذات النمو الهائل زيادة خططها الاستثمارية خلال مكالمات الأرباح في الأسابيع القليلة الماضية. لديهم إمكانية الحصول على التمويل، وسيكون للأموال التي ينفقونها آثار.

ما يزال تأثير الذكاء الاصطناعي على التضخم مثيراً للجدل. يجادل نافيلييه بأن الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة أن يكون تضخمياً، “لأن الدولار الأميركي يستعيد قوته ويبدأ في تعويض أي تأثير للرسوم الجمركية على الواردات. علاوة على ذلك، ما تزال الصين في بيئة انكماشية، ونحن نستورد هذا الانكماش”.

التضخم والاحتياطي الفيدرالي

مع ذلك، ما يزال التضخم يمثل القضية الحاسمة. فهو يتجه نحو الارتفاع، وبدأنا نشعر بالرسوم الجمركية -لكن هذا التأثير ما يزال خافتاً. انخفض الرقم الرئيسي إلى 2.3% في وقت سابق من هذا العام، وعاد الآن إلى 3%. شكلت السلع الأساسية، القطاع الأكثر تأثراً بالرسوم الجمركية، 0.31 نقطة مئوية فقط من ذلك- لكنها ارتفعت بسرعة. بدأ العام بانخفاض، كما هو الحال في معظم العقدين الماضيين (ويعود ذلك بشكل كبير إلى الواردات الصينية).

الصادرات الصينية تتراجع بشكل مفاجئ لأول مرة منذ فبراير

من الأمور الحاسمة للمناخ السياسي، أن بحثاً أعده ألبرتو كافالو وجايا وين من جامعة هارفرد يظهر أن الرسوم الجمركية تزيد الأسعار على المستهلكين. منذ العام الماضي، ارتفعت أسعار السلع المستوردة بنسبة 6.6%، بينما ارتفعت أسعار السلع المحلية بنسبة 3.8% تقريباً، وفقاً لبحث من جامعة هارفرد. ويظل خطر استنفاد الشركات لسبل استبدال السلع الخاضعة للرسوم الجمركية قائماً، وسيشهد التضخم ارتفاعاً أكبر.

تفاقم هذه المخاطر خطة الإدارة الحالية “لدفع الاقتصاد إلى أقصى طاقته” والضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. من العوامل التي خففت من مخاوف المؤسسات الأميركية تعثر محاولات إقالة ليزا كوك، محافظة الاحتياطي الفيدرالي، وتشكيل فريق ألين في البنك المركزي. هناك حدود لما يمكن الضغط على الاحتياطي الفيدرالي من أجله، لكن يُتوقع أن تتمكن الإدارة من تحقيق قدر لا بأس به مما تريده.

يقدم بابيك هذا الملخص الساخر، الذي يعكس بدقة ما يفكر به كثير من المتداولين:

هل يشكل التضخم خطراً في عام 2026؟ نعم، بالطبع. ستؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، يبقى التضخم مؤقتاً دون دعم مالي. إلى جانب ذلك، من يهتم… ستسيطر إدارة ترمب على الاحتياطي الفيدرالي، لكن… يعيش المرء مرة واحدة.

“RBC”: الدولار قد ينخفض 40% مثلما حدث في فقاعة الإنترنت

يبدو أن ارتفاع التضخم هو مصدر الخوف الأكبر للجميع- سياسيين وشركات وناخبين ومتداولي عملات على حد سواء. محتمل دائماً ألا تكون صدمة ترمب قد وصلت بعد، فيما يتعلق بارتفاع الأسعار. لكن إلى أن يضرب التضخم بقوة ويجبر البنوك المركزية على الاستجابة برفع أسعار الفائدة، فإن الاعتقاد السائد هو أن صدمة ترمب قد انتهت، وأن الأسواق عادت إلى طبيعتها. تذكروا أن المرء يعيش مرة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *