اخر الاخبار

“رؤية 2030” السعودية تسدل الستار على مرحلتها الثانية هذا العام

تستعد “رؤية 2030” السعودية لدخول مرحلتها الثالثة والأخيرة نهاية هذا العام، وسط تطوراتٍ دولية وإقليمية غير مسبوقة، تتصدرها حرب تجارية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، ما يعطي لتقرير عام 2024 الذي يرصد أداء مؤشرات الرؤية بُعداً جديداً يأخذ في الاعتبار عاملاً خارجياً إضافياً، بعد أن تجاوزت جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط بأقل الأضرار.

التقرير الصادر اليوم الجمعة تزامناً مع الذكرى السنوية لإطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرؤية في 25 أبريل 2016، طرأ عليه تطورٌ لافت، تمثل في إدخال 14 استراتيجية وطنية تمّ الإعلان عنها خلال السنوات الأخيرة، وتستهدف ضخّ مئات مليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني، كأدوات تنفيذية لبرامج تحقيق الرؤية العشرة، بما يعزز آليات قياس المنجزات على أرض الواقع.

على صعيد التقدم العام للرؤية، فإن 93% من مؤشرات الرؤية للبرامج والاستراتيجيات الوطنية حققت مستهدفاتها المرحلية أو تجاوزتها أو قاربت على تحقيقها في عام 2024. كما أن 85% من مبادرات الرؤية البالغ عددها 1502 أصبحت مكتملة، وتسير على الطريق الصحيح، وفق تقرير الرؤية، التي اعتبر الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مقدمته، بأنها جعلت من السعودية “نموذجاً عالمياً في التحولات على كافة المستويات.. وسنواصل معاً مسيرة البناء لتحقيق المزيد من التنمية المستدامة المنشودة للأجيال القادمة”.

كما أكد الأمير محمد بن سلمان: “ونحن في عامنا التاسع من رؤية المملكة 2030، نفخر بما حققه أبناء وبنات الوطن من إنجازات، لقد أثبتوا أن التحدّيات لا تقف أمام طموحاتهم، فحققنا المستهدفات، وتجاوزنا بعضها، وسنواصل المسير بثبات نحو أهدافنا لعام 2030، ونُجدّد العزم لمضاعفة الجهود، وتسريع وتيرة التنفيذ، لنستثمر كل الفرص ونعزّز مكانة المملكة كدولة رائدة على المستوى العالمي”.

تنويع الاقتصاد.. ودور القطاع الخاص

تستهدف “رؤية 2030” إحداث نقلة نوعية شاملة في الاقتصاد والمجتمع، بناءً على مؤشراتٍ تقيس الأداء في 4 ميادين: نمو وتنويع الاقتصاد، وتمكين المجتمع، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة للحياة والعمل والسياحة، مع عدم إغفال محور الاستدامة وسط زحمة الأهداف الآنية. وتميز تقرير هذا العام بالإفصاح عن الأسباب -الداخلية والخارجية- التي أدّت لإحراز التقدّم، أو حتى تلك التي كانت خلف التباطؤ في بلوغ بعض المستهدفات. 

اقتصادياً، تستمر الرؤية في التركيز على التنويع بعيداً عن النفط، وهو هدفٌ استراتيجي للبلاد يمتك لما بعد 2030. وتفاوت أداء المؤشرات في هذا المضمار خلال 2024، من تحقيق منجزين على صعيد الإيرادات غير النفطية التي وصلت إلى 502.5 مليار ريال، ومساهمة الأنشطة غير النفطية بنسبة 51% في الاقتصاد لأول مرة على الإطلاق، إلى إخفاقٍ في تحقيق مؤشر الصادرات غير النفطية لمستهدفه بوصول حصته إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما حالياً تبلغ هذه النسبة 25%، رغم نمو هذه الصادرات منذ إطلاق الرؤية بواقع 73% إلى 307.4 مليار ريال.

ويدعم هذا المستهدف الاقتصادي بلوغ مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي نسبة 47%، بما في ذلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي ناهزت نسبة مساهمتها في الاقتصاد 22%، وقفز عدد العاملين فيها من 4.7 مليون عند إطلاق الرؤية إلى 7.8 مليون عامل حالياً. لكن حصة هذه المنشآت من إجمالي قروض البنوك في المملكة بقيت بنهاية العام الماضي دون مستهدف 10%. 

تركز الرؤية بشكل كبير أيضاً على الصناعة كمحرك رئيسي لنمو اقتصاد المملكة وتنويعه، مع تسليط الضوء بشكلٍ خاص على التعدين الذي ارتفعت قيمة ثرواته الكامنة من 4.9 تريليون ريال عند إطلاق الرؤية عام 2016 إلى 9.4 تريليون بنهابة العام الماضي، تُضاف إليها استثمارات تراكمية في القطاع بنحو 1.5 تريليون.

أمّا النقطة المضيئة الثانية صناعياً، وفق التقرير، فنسبة توطين الصناعات العسكرية التي تجاوزت 19% العام الماضي في طريقها للوصول إلى مستهدف 50% عام 2030.   

صندوق الاستثمارات العامة.. قاطرة الرؤية

يتصدّر صندوق الاستثمارات العامة الكيانات محور تركيز الرؤية، حيث قفز حجم الأصول تحت إدارة التي نمت منذ إطلاق الرؤية بنحو 400% إلى 3.53 تريليون ريال، متجاوزةً مستهدفها للعام الماضي عند 3.3 تريليون ريال، في وقتٍ تمّ رفع مستهدف 2030 من 7 إلى 10 تريليونات ريال.

وبالإضافة إلى دور الصندوق المحوري كقاطرة لمشاريع ومبادرات الرؤية، حيث يُشير التقرير إلى إعادة هيكلته ليكون أكثر فاعلية في الاقتصاد المحلي عبر استثمار قوته المالية في تطوير قطاعات استراتيجية وواعدة، فإن تضمين أداء الصندوق كأحد 46 مؤشراً في التقرير يسهم في إجلاء مفهومٍ خاطئ لد كثيرين بأن “رؤية 2030” هي صندوق الاستثمارات العامة ودرّة مشاريعه “نيوم”. 

ويبقى استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز حصتها من الناتج المحلي، أحد أكثر المؤشرات تحت مجهر الأسواق ومراقبي أداء الرؤية عاماً بعد عام، لما يمثل من مقياسٍ مباشر لمدى نجاعة الإجراءات والمبادرات المتخذة لتحسين بيئة الأعمال وجاذبية الاستثمار في المملكة، وهو ما يُستدلُّ عليه جزئياً بتجاوز عدد المقرات الإقليمية للشركات العالمية في العاصمة الرياض مستهدفة لعام 2030 بوصوله إلى أكثر من 571 شركة.

وتمكّنت السوق السعودية من استقطاب تدفقات استثمارية بنهاية 2023 بواقع 96 مليار ريال، بما أدّى لتجاوز مؤشر نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي مستهدفه بواقع 16%. لكن التقرير يُشير بشفافيةٍ أيضاً إلى أن حجم هذه الاستثمارات تراجع إلى 77.6 مليار ريال حتى الربع الرابع 2024.  

انعكاس المؤشرات على تحسين جودة الحياة

تبقى هذه الأرقام والبيانات الاقتصادية خالية من الروح إن لم تنعكس على حياة المواطنين السعوديين، وهو ما يجسّده المحور الرئيسي الثاني للرؤية: “مجتمع حيوي”. 

وفي هذا الإطار، يُنوّه التقرير بمنجزاتٍ لم يكن كثيرون يتوقعون تحقيقها بهذه السرعة، يتصدّرها تحقيق انخفاض في معدل البطالة إلى 7% وهو مستهدف 2030، مدعوماً بوصول مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 36%، بينما المستهدف بنهاية العقد كان 30%، ما حدا بالقيّمين على الرؤية لرفعه إلى 40%.

كما أبرز التقرير ارتفاع نسبة تملك الأُسر السعودية للمساكن إلى 65.4% بنهاية العام الماضي. ويبقى تحقيق مستهدف الـ70% في هذا الإطار عُرضةً لتحديات تتمثل بقلّة المعروض مقابل الطلب، وارتفاع أسعار الوحدات العقارية إلى مستويات تفوق قدرة شريحة معتبرة من المواطنين والمقيمين. ولتدارك هذه التحديات، وجّه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في مارس الماضي، باتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية تشمل رفع الإيقاف عن تطوير أكثر من 81 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في شمال الرياض، وتوفير عشرات الآلاف من القطع السكنية سنوياً بأسعار ميسّرة للمواطنين.

أصبحت “رؤية 2030” السعودية محط أنظار المراقبين لتوجهات أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وباتت مخرجات التقرير السنوي تمثل نقاط استرشاد للشركات، ومحركاتٍ للسوق. ورغم التقدم المحرز، إلاّ أن المهمة قد تزداد ثقلاً وسط مرحلة إعادة خلط الوراق التي تشهدها خريطة العلاقات الاقتصاد والتجارية والاستثمارية الدولية.

ومع قرب دخول الرؤية مرحلتها الثالثة والأخيرة، تشير خلاصة التقرير إلى أن السنوات المقبلة ستشهد مزيداً من تسارع وتيرة إنجاز المبادرات والمشاريع، مع استمرار التركيز على تطوير القطاعات الواعدة، ودعم المحتوى المحلي، وتوسيع دور القطاع الخاص، بالإضافة إلى مواصلة تحسين بيئة الأعمال، وصولاً إلى قطف ثمار “رؤية 2030” التي ستمثل نقطة البداية لرؤيةٍ جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *