دروس من حياة وارن بافيت.. أحد أشهر المستثمرين في العالم

حوّل وارن إي. بافيت 1800 سهم من الفئة (A) في “بيركشاير هاثاوي” إلى 2.7 مليون سهم من الفئة (B) ليمنح هذه الأسهم من الفئة (B) لأربع مؤسسات عائلية بواقع 1.5 مليون سهم لمؤسسة سوزان تومسون بافيت و400 ألف سهم لكل من ”مؤسسة شيروود“ و“مؤسسة هوارد جي بافيت“ و“مؤسسة نوفو“. وقد سُلمت هذه التبرعات في 10 نوفمبر.
وفيما يلي بيانه للمساهمين.
زملائي المساهمين: لن أكتب بعد الآن التقرير السنوي لشركة ”بيركشاير“ أو أتحدث مطولاً في اجتماعها السنوي، أي كما يقول البريطانيون، ”سأعمد إلى الصمت” بقدر ما.
سيصبح غريغ آبل رئيساً للشركة في نهاية العام، وهو مدير رائع لا يكلّ في عمله ومحاور صادق، وأتمنى له فترة ولاية طويلة. سأستمر في التحدث إليكم وإلى أبنائي عن ”بيركشاير“ في رسالتي السنوية بمناسبة عيد الشكر.
إن المساهمين الأفراد في بيركشاير هم مجموعة خاصة جداً وسخية بشكل غير عادي في مشاركة مكاسبها مع الآخرين ذوي الحظوظ الأقل. وتسعدني هذه الفرصة للتواصل معكم.
اسمحوا لي هذا العام بأن أسترجع ذكرياتي بعض الشيء. بعد ذلك، سأناقش خطط توزيع أسهم “بيركشاير” التي أملكها. وأخيراً، سأقدم بعض الملاحظات المتعلقة بالشركات وأخرى شخصية.
عمر مديد لم يكن في الحسبان
مع اقتراب عيد الشكر، أشعر بامتنان حيال أمر كان أيضاً مفاجئاً لي، وبذلك أقصد حظي بأنني عشت لأبلغ 95 عاماً من عمري. عندما كنت صغيراً، لم يكن هذا أمراً يستحق المراهنة عليه، فقد كدت أن أموت في مطلع حياتي. كان ذلك في عام 1938، وهو زمن كان فيه سكان مدينة أوماها يعتقدون أن المستشفيات إما كاثوليكية أو بروتستانتية، وهو تصنيف بدا طبيعياً حينئذ. كان طبيب عائلتنا، هارلي هوتز، كاثوليكياً ودوداً، وكان يزورنا في منزلنا حاملاً حقيبته السوداء. وكان الدكتور هوتز يناديني “سكيبر” ولم يكن يتقاضى أجراً كبيراً لقاء زياراته.
عندما عانيت ألماً شديداً في بطني عام 1938، عادني الدكتور هوتز، وبعد أن سألني بعض الأسئلة، أخبرني أنني سأكون بخير في الصباح. ثم عاد إلى المنزل وتناول العشاء ولعب البريدج. لكنه، لم يستطع نسيان أعراضي الغريبة، فأرسلني في وقت لاحق من تلك الليلة إلى مستشفى سانت كاترين لاستئصال الزائدة الدودية بصفة عاجلة.
خلال الأسابيع الثلاثة التالية، شعرت وكأنني في دير، وبدأت أستمتع بـ”منصتي” الجديدة هذه. كنت أحب التحدث -نعم، حتى في ذلك الوقت- وقد احتضنتني الراهبات، وفوق كل ذلك، طلبت الآنسة مادسن، مُعلمتي في الصف الثالث، من زملائي الثلاثين كتابة رسالة لي.
ربما تخلصت من رسائل الأولاد، لكنني قرأت وأعدت قراءة رسائل البنات؛ وبهذا كان للعلاج في المستشفى مكافآته. وكان أبرز ما في نقاهتي، التي كان معظم أسبوعها الأول محفوفاً بالمخاطر، هدية من عمتي الرائعة إيدي، كانت جهازاً يبدو احترافياً لجمع بصمات الأصابع، فأخذت على الفور بصمات جميع الراهبات من حولي. (كنت على الأرجح أول طفل بروتستانتي رأوه في سانت كاترين ولم يكونوا يعرفون ما ينتظرهم). كانت نظريتي -وهي جنونية تماماً بالطبع- أنه في يوم من الأيام ستخرج إحدى الرهبات عن طورها، وسيكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه أهمل جمع بصمات الراهبات.
حلم صبياني بشهرة لم تتحقق في حينها
كان مكتب التحقيقات الفيدرالي ومديره، ج. إدغار هوفر، قد أصبحا موضع احترام لدى الأميركيين في ثلاثينيات القرن الماضي، وتخيلت السيد هوفر نفسه قادماً إلى أوماها ليتفقد مجموعتي الثمينة.
كما تخيلت أنني وج. إدغار سنتعرف بسرعة على الراهبة المتمردة ونقبض عليها، وبهذا بدت لي أن الشهرة الوطنية مؤكدة.
واضح أن خيالي لم يتحقق أبداً. لكن المفارقة كانت أن بعد بضع سنوات أصبح واضحاً أنه كان ينبغي أن آخذ بصمة ج. إدغار نفسه، فقد تعرض للخزي بعد أن أساء استخدام منصبه. حسناً، كان ذلك في أوماها في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كنت أنا وأصدقائي نرغب بشدة في الحصول على زلاجة ودراجة وقفاز بيسبول وقطار كهربائي.
دعونا نلقي نظرة على بعض الأطفال الآخرين من تلك الحقبة، الذين نشأوا في أماكن قريبة جداً وكان لهم تأثير كبير على حياتي، لكنني لم أكن أدرك ذلك لفترة طويلة. سأبدأ بتشارلي مونجر، أفضل أصدقائي على مدى 64 عاماً. في ثلاثينيات القرن الماضي، عاش تشارلي على بعد مربع سكني من المنزل الذي أملكه وأسكنه منذ عام 1958. في وقت سابق، فاتتني صداقة تشارلي.
الحرص في الإنفاق سمة للأسرة
لقد عمل تشارلي، الذي كان يكبرني بست سنوات وأربعة أشهر، في صيف عام 1940 في متجر بقالة جدي، وكان يكسب دولارين مقابل يوم عمل أمده 10 ساعات. (نعم إن الحرص يجري في دم آل بافيت). في العام التالي قمت بعمل مماثل في المتجر، لكنني لم أقابل تشارلي حتى عام 1959 عندما كان سنه 35 عاماً وكنت قد بلغت 28 عاماً من عمري.
بعد خدمته في الحرب العالمية الثانية، تخرج تشارلي من كلية الحقوق بجامعة هارفرد ثم انتقل بشكل دائم إلى كاليفورنيا. ومع ذلك، تحدث تشارلي دائماً عن سنواته الأولى في أوماها على أنها تكوينية. لأكثر من 60 عاماً، كان لتشارلي تأثير كبير عليّ وكان أفضل مدرس و”أخ أكبر” حمائياً. كانت لدينا اختلافات لكن لم نكن نتجادل مطلاقاً، كما لم يكن ممن يقولون: ”ألم أقل لك ذلك؟”
رقعة صغيرة لحياة ملياردير مديدة
في عام 1958، اشتريت منزلي الأول والأوحد. بالطبع، كان في أوماها، يقع على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من المكان الذي نشأت فيه، وأقل من مربعين سكنيين عن أقاربي، وحوالي ست من متجر بقالة بافيت وعلى بعد 6-7 دقائق بالسيارة من مبنى المكاتب الذي عملت فيه على مدى 64 عاماً.
لننتقل الآن إلى مواطن آخر من أوماها هو ستان ليبسي، الذي باع صحيفة ”أوماها صن“ الأسبوعية لشركة ”بيركشاير“ عام 1968، وبعد عقد انتقل إلى بوفالو بناءً على طلبي. كانت صحيفة ”بوفالو إيفنينغ نيوز“، التي تملكها شركة تابعة لشركة ”بيركشاير“، آنذاك تخوض معركة شرسة مع منافستها الصباحية التي كانت تنشر الصحيفة الوحيدة التي تصدر أيام الأحد في بوفالو.
كنّا نخسر، وفي النهاية، بنى ستان منتجنا الجديد الذي يصدر كل يوم أحد، ولعدة سنوات، حققت صحيفتنا، التي كانت تعاني سابقاً من نزيف نقدي، أرباحاً سنويةً تزيد عن 100% (قبل احتساب الضرائب) على استثمارنا البالغ 33 مليون دولار.
كان هذا استثماراً مهماً لشركة ”بيركشاير“ في أوائل الثمانينيات. نشأ ستان على بُعد خمس مربعات سكنية تقريباً من منزلي. وكان والتر سكوت الابن أحد جيرانه. كما تتذكرون، جلب والتر شركة ”ميد أميركان إنرجي“ إلى ”بيركشاير“ عام 1999. وكان أيضاً مديراً قيّماً في ”بيركشاير“ حتى وفاته عام 2021 وصديقاً مقرباً جداً.
كان والتر قائداً خيرياً في نبراسكا لعقود، وتحمل كل من أوماها وولاية نبراسكا بصماته. التحق والتر بمدرسة ”بينسون“ الثانوية، التي كان مقرراً أن ألتحق بها؛ حتى فاجأ والدي الجميع عام 1942 بفوزه على عضو في الكونغرس شغل المنصب لأربع فترات.
أوماها قاسم مشترك بين تنفيذيين ناجحين
إن الحياة مليئة بالمفاجآت. انتظروا، هناك المزيد. في عام 1959، عاش دون كيو وعائلته الصغيرة في منزل يقع مباشرة عبر الشارع من منزلي وعلى بعد حوالي 100 متر من المكان الذي عاشت فيه عائلة مونجر. كان دون آنذاك بائع قهوة، لكن كان مقدراً له أن يصبح رئيساً لشركة ”كوكاكولا“ بالإضافة إلى كونه مديراً مخلصاً لدى ”بيركشاير“.
عندما قابلت دون، كان يجني 12 ألف دولار سنوياً بينما كان هو وزوجته ميكي يربيان خمسة أطفال، جميعهم موجهون نحو مدارس كاثوليكية (مع متطلبات مالية للتعليم).
تصادقت عائلتانا بسرعة، وقد جاء دون من مزرعة في شمال غرب ولاية أيوا وتخرج من جامعة كريتون في أوماها. في وقت مبكر، تزوج ميكي، وهي فتاة من أوماها. بعد انضمامه إلى ”كوكاكولا“، أصبح دون أسطورة في جميع أنحاء العالم.
في عام 1985، عندما كان دون رئيساً لشركة ”كوكاكولا“، أطلقت الشركة نكهة ”كوكاكولا“ الجديدة المشؤومة. وألقى دون خطاباً شهيراً اعتذر فيه للجمهور وأعاد ”كوكاكولا“ القديمة. حدث هذا التغيير في الرأي بعد أن أوضح دون أن البريد الوارد من ”كوكاكولا“ والموجه إلى “الأحمق الأعلى” يُسلم إلى مكتبه على الفور.
كان خطاب إعلانه “الانسحاب” كلاسيكياً ويمكن مشاهدته على ”يوتيوب“. اعترف بمرح أن منتج ”كوكاكولا“ في حقيقته ملك للجمهور وليس للشركة. ارتفعت المبيعات لاحقاً. يمكنك مشاهدة دون على (CharlieRose.com) في مقابلة رائعة. (ولدى توم مورفي وكاي غراهام أيضاً بعض الدرر.)
مثل تشارلي مونجر، ظل دون إلى الأبد فتى من الغرب الأوسط، متحمساً وودوداً وأميركياً حتى النخاع. وأخيراً، عاش كل من أجيت جين، الذي وُلد ونشأ في الهند، وكذلك غريغ آبل، الرئيس التنفيذي الكندي لشركتنا، في أوماها لعدة سنوات في أواخر القرن العشرين.
في الواقع، في التسعينيات، عاش غريغ على بعد بضعة مبانٍ من حيث كنت أسكن في شارع فارنام، على الرغم من أننا لم نلتق أبداً في ذلك الوقت. هل يمكن أن يكون هناك مكون سحري في مياه أوماها؟
محطات في واشنطن ونيويورك قبل العودة إلى أوماها
لقد عشت بضع سنوات من مراهقتي في واشنطن العاصمة (عندما كان والدي في الكونغرس) وفي عام 1954 حصلت على ما اعتقدت أنه سيكون وظيفتي الدائمة في مانهاتن. هناك عاملني بن غراهام وجيري نيومان بشكل رائع وكونت كثيراً من الصداقات التي استمرت مدى حياتي.
كان لدى نيويورك أصول فريدة، وما تزال كذلك. لكن في عام 1956، بعد عام ونصف فقط، عدتُ إلى أوماها، ولم أعاود بعد ذلك الانتقال بعيداً عنها أبداً. وقد نشأ أبنائي الثلاثة، بالإضافة إلى عدد من الأحفاد، في أوماها. كان أطفالي يذهبون دائماً إلى المدارس العامة، وقد تخرجوا من نفس المدرسة الثانوية التي تعلم فيها والدي (دفعة 1921)، وزوجتي الأولى سوزي (دفعة 1950) وكذلك تشارلي وستان ليبسي، وإيرف ورون بلومكين، الذين كانوا أساسيين في نمو ”نبراسكا فرنيتشر مارت“ (Nebraska Furniture Mart)، وجاك رينغوالت (دفعة 1923)، الذي أسس شركة “ناشيونال إنديمنتي” (National Indemnity) وباعها إلى بيركشاير في عام 1967، إذ أصبحت القاعدة التي بنيت عليها عملية التأمين على المساكن والإصابات الضخمة لدينا.
يوجد في بلدنا كثير من الشركات والمدارس والمرافق الطبية الرائعة ولكل منها مزاياها الخاصة إلى جانب الناس الموهوبين. لكنني أشعر أنني محظوظ جداً لأنني حظيت بصداقات استمرت طيلة حياتي، ولأنني تعرفت إلى زوجتي الاثنتين، ولأنني حصلت على انطلاقة رائعة في التعليم في المدارس العامة، وتعرفت في حداثة سني على كثير من سكان أوماها البالغين المثيرين للاهتمام والودودين، وصادقت كثيراً من أفراد الحرس الوطني في نبراسكا.
باختصار، كانت نبراسكا وطني. بالنظر إلى الماضي، أشعر أن حالتي أنا و“بيركشاير“ كانت أفضل بفضل قاعدتنا في أوماها مما كانت قد تكون لو أنني أقمت في أي مكان آخر. لقد كان وسط الولايات المتحدة مكاناً رائعاً ليولد فيه المرء وينشئ أسرة ويبني شركة. وكان من قبيل الحظ أن مستقبلي كان حافلاً.
أطباء مخلصون وحرص على الصحة
الآن، لننتقل إلى سنين عمري المتقدمة. لم تكن جيناتي مفيدة بشكل خاص. كان الرقم القياسي لطول عمر العائلة (مع العلم أن سجلات العائلة تصبح غامضة كلما عدت إلى الوراء) 92 عاماً إلى أن أتيت.
لكنني حظيت بأطباء حكماء وودودين ومخلصين في أوماها، بدءاً من هارلي هوتز، واستمراراً حتى يومنا هذا. لقد أنقذوا حياتي ثلاث مرات على الأقل، في كل مرة مع أطباء على بعد كيلومترات قليلة من منزلي. (لقد توقفت عن أخذ بصمات الممرضات، لكن عندما تكون في سن 95 عاماً يمكنك أن تكون غريب الأطوار دون إشكاليات… ولكن هناك حدود.)
يحتاج من يبلغون سن الشيخوخة إلى جرعة كبيرة من الحظ السعيد، وتفادي قشر الموز والكوارث الطبيعية والسائقين المخمورين أو المشتتين والصواعق، وما إلى ذلك.
لكن الحظ متقلب -ولا يوجد مصطلح آخر يناسبه- وغير عادل إلى حد كبير. في كثير من الحالات، حصل قادتنا والأثرياء على أكثر بكثير من نصيبهم من الحظ الذي غالباً ما يفضل من يتلقوه عدم الاعتراف به. حقق ورثة السلالات الاستقلال المالي مدى الحياة في اللحظة التي خرجوا فيها من أرحام أمهاتهم، بينما جاء آخرون إلى الحياة ليواجهوا ما يكاد يوصف بأنه حفرة في جحيم خلال حياتهم المبكرة أو ما هو أسوأ مثل الإعاقات الجسدية أو العقلية التي تحرمهم مما اعتبرته أموراً مسلّم بها.
في كثير من المناطق المكتظة بالسكان في العالم، كنت سأعيش على الأرجح حياةً بائسةً وكانت أخواتي سيعشن حياة أسوأ. لقد ولدت عام 1930 بصحة جيدة، وذكي إلى حد ما وأنا ذكر أبيض البشرة في أميركا. يا إلهي! يالحسن حظي. كانت أخواتي يتمتعن بنفس الذكاء وشخصيات أفضل مني لكنهن واجهن منظوراً مختلفاً تماماً. استمر حسن طالعي خلال معظم حياتي، لكن الأمر يختلف في التسعينيات من العمر. إن للحظ حدوداً.
على العكس من ذلك، يجدني الزمن الآن أكثر إثارة للاهتمام مع تقدمي في العمر. وهو لا يهزم؛ بالنسبة له، ينتهي الأمر بأن يسجل فوزه على الجميع في النهاية.
عندما يكون التوازن والبصر والسمع والذاكرة في انحدار مستمر، فأنت تعلم أن الزمن يرقبك. لقد تأخرت في التقدم في السن -وبداية ذلك تتباين- لكن بمجرد ظهوره، لا يمكن إنكاره.
أعمل خمسة أيام في الأسبوع في سن 95 عاماً
لدهشتي، أشعر أنني بحالة جيدة عموماً على الرغم من أنني أتحرك ببطء وأقرأ بصعوبة متزايدة، إلا أنني أعمل في المكتب خمسة أيام في الأسبوع مع أشخاص رائعين. في بعض الأحيان، تخطر ببالي فكرة مفيدة أو يُقدم لي عرض ربما لم نتلقاه لولا ذلك. ونظراً لحجم ”بيركشاير“ ومستويات السوق، فإن الأفكار قليلة لكنها ليست معدومة.
مع ذلك، فإن طول عمري غير المتوقع له عواقب لا مفر منها ذات أهمية كبرى لعائلتي وتحقيق أهدافي الخيرية. دعونا نستكشفها. ماذا يأتي بعد ذلك؟ جميع أبنائي تخطوا سن التقاعد الطبيعي، فقد بلغوا 72 و70 و67 عاماً. سيكون خطأً المراهنة على أنهم جميعاً -وقد بلغوا ذرواتهم من نواحٍ عديدة- سيتمتعون بحظي الاستثنائي في تأخير الشيخوخة.
لتحسين احتمالية تصرفهم فيما سيكون في الأساس ممتلكاتي بالكامل قبل أن يحل محلهم أمناء بدلاء، أحتاج إلى تسريع وتيرة العطايا مدى الحياة لمؤسساتهم الثلاث. أبنائي الآن في أوج عطائهم فيما يتعلق بالخبرة والحكمة لكنهم لم يدخلوا سن الشيخوخة بعد. لكن لن تدوم فترة “شهر العسل” هذه إلى الأبد.
لحسن الحظ فإن تصحيح المسار سهل. لكن هناك عامل إضافي يجب مراعاته: أرغب في الاحتفاظ بكمية كبيرة من أسهم الفئة (A) إلى أن يرتاح مساهمو ”بيركشاير“ مع غريغ، كما كان حالي أنا وتشارلي على طول أمد. ولن يتطلب بلوغ هذا المستوى من الثقة وقناً طويلاً.
أبنائي يدعمون غريغ تماماً، وكذلك أعضاء مجلس إدارة ”بيركشاير“. ويتمتع أبنائي الثلاثة الآن بالنضج والذكاء والطاقة والغرائز اللازمة لإنفاق ثروة طائلة. كما سيحظون بميزة البقاء على قيد الحياة بعد وفاتي، ويمكنهم، عند الضرورة، تبني سياسات استباقية وتفاعلية مع سياسات الضرائب الاتحادية أو أي تطورات أخرى تؤثر على العمل الخيري.
قد يحتاجون إلى التكيف مع عالم متغير بشكل كبير من حولهم. وليس هناك سجل يذكر أناساً تحكموا من قبورهم، ولم أشعر يوماً برغبة في ذلك. لحسن الحظ، ورث أبنائي الثلاثة جرعة مهيمنة من جيناتهم من والدتهم. ومع مرور العقود، أصبحتُ أيضاً قدوة أفضل لتفكيرهم وسلوكهم.
علمت أبنائي ألا يخشوا من الإخفاق وألا يسعوا وراء معجزات
لكنني لن أبلغ أبداً المساواة مع أمهم. لأبنائي ثلاثة أوصياء بدلاء في حال حدوث أي وفيات مبكرة أو إعاقات. البدلاء غير مرتبطين بابن بعينه. جميع أبنائي استثنائيين وحكماء في تدبير أمور الدنيا وليس لديهم دوافع متضاربة. لقد أكدت لأبنائي أنهم ليسوا بحاجة إلى صنع المعجزات وألا يخشون الإخفاق أو خيبات الأمل، وهي أمور حتمية وكان لي نصيب منها.
إنهم ببساطة بحاجة إلى تحسين ما تحققه عادةً الأنشطة الحكومية و/أو الأعمال الخيرية الخاصة، مدركين أن هذه الأساليب الأخرى لإعادة توزيع الثروة بها عيوب أيضاً. في وقت مبكر، فكرت في خطط خيرية ضخمة مختلفة. ورغم عنادي، لم تثبت جدواها.
خلال سنيني المديدة، شاهدت أيضاً عمليات نقل ثروات غير مدروسة لسياسيين متطفلين، وخيارات أسرية، ونعم، فاعلي خير غير أكفاء أو غريبي الأطوار.
إذا أحسن أبنائي فعل ذلك سيتمكنون من التأكد أنني ووالدتهم وأنا سنكون سعداء. غرائزهم جيدة ولكل منهم سنوات من الممارسة بمبالغ صغيرة جداً في البداية وكانت تزيد بشكل غير منتظم إلى أكثر من 500 مليون دولار سنوياً.
يحب الثلاثة العمل لساعات طويلة لمساعدة الآخرين، كل بطريقته الخاصة.
الرجل الذي سيخلف وارن بافيت رئيساً لشركته
لا يعكس تسريع هباتي مدى الحياة لمؤسسات أبنائي بأي حال من الأحوال أي تغيير في آرائي حول آفاق ”بيركشاير“. لقد حقق غريغ آبل أكثر من توقعاتي العالية منه عندما اعتقدت لأول مرة أنه يجب أن يكون الرئيس التنفيذي التالي لشركة ”بيركشاير“.
إنه يفهم كثيراً عن أنشطتنا وموظفينا بشكل أفضل بكثير مما أفهمه الآن، وهو سريع التعلم للأمور التي لا يفكر فيها كثير من الرؤساء التنفيذيين. لا يمكنني التفكير في رئيس تنفيذي أو مستشار إداري أو أكاديمي أو عضو في الحكومة -سمها ما شئت- أختاره بدلاً من غريغ للتعامل مع مدخراتك ومدخراتي.
على سبيل المثال، يفهم غريغ إمكانيات ومخاطر أعمالنا في تأمين الممتلكات والتعويضات أكثر بكثير مما يفهمه عدد كبير من المديرين التنفيذيين المخضرمين في هذا المجال. وآمل أن تبقى صحته جيدة لعقود قادمة.
مع شيء من الحظ، لن تحتاج ”بيركشاير“ سوى لخمسة أو ستة رؤساء تنفيذيين خلال القرن المقبل. وينبغي لها، على وجه الخصوص، تجنب من يهدفون إلى التقاعد في سن 65، أو أن يصبحوا أثرياء، أو أن يؤسسوا سلالة رؤساء تنفيذيين.
التعامل مع ما قد يعتري الرؤساء التنفيذيين
هناك حقيقة مزعجة: أحياناً، يُصاب رئيس تنفيذي رائع ومخلص للشركة الأم أو إحدى الشركات التابعة بالخرف أو الزهايمر أو أي مرض مُنهك آخر طويل الأمد. لقد واجهت أنا وتشارلي هذه المشكلة عدة مرات وأخفقنا باتخاذ الخطوة اللازمة.
قد يكون هذا الفشل خطأً فادحاً. يجب أن يكون مجلس الإدارة على دراية بهذا الاحتمال على مستوى الرئيس التنفيذي، ويجب على الرئيس التنفيذي أن يكون على دراية بهذا الاحتمال في الشركات التابعة. هذا أسهل قولاً منه فعلاً؛ ويمكنني الاستشهاد ببعض الأمثلة من الماضي في شركات كبرى. يجب على المديرين أن يكونوا على دراية وأن يتحدثوا بصراحة، هذا كل ما أستطيع أن أنصح به.
وخلال حياتي، سعى الإصلاحيون إلى إحراج الرؤساء التنفيذيين من خلال اشتراط الكشف عن تعويضات المدير مقارنة بما كان يُدفع للموظف العادي. تضخمت البيانات بالوكالة على الفور إلى أكثر من 100 صفحة مقارنة بـ20 أو أقل في وقت سابق. لكن النوايا الحسنة لم تنجح؛ بل أتت بنتائج عكسية. بناءً على غالبية ملاحظاتي، ينظر رئيس شركة ما إلى نظيره في شركة أخرى ويذهب إلى مجلس إدارته ليقول أنه يجب أن يكون أكثر دخلاً.
بالطبع، زاد أيضاً رواتب أعضاء مجلس الإدارة وكان حريصاً في اختيار من سيعين في لجنة التعويضات. أنتجت القواعد الجديدة الحسد، وليس الاعتدال.
اتخذ التصعيد حياة خاصة به. ما يزعج الرؤساء التنفيذيين الأثرياء في كثير من الأحيان -إذ أنهم بشر كمن سواهم- هو أن الرؤساء التنفيذيين الآخرين يزدادون ثراءً. يسير الحسد والجشع جنباً إلى جنب. هل كان هناك من مستشار أوصى بخفض كبير في تعويضات الرؤساء التنفيذيين أو مدفوعات مجلس الإدارة؟
في المجمل، تتمتع أعمال ”بيركشاير“ بمدراء محتملين أفضل من المتوسط بشكل معتدل، وفي مقدمتهم عدد قليل من الجواهر غير المترابطة والكبيرة. مع ذلك، بعد عقد أو عقدين من الآن، سيكون هناك كثير من الشركات التي حققت أداءً أفضل من ”بيركشاير“؛ إذ أن لحجمنا ضريبته.
ثقة كبيرة بوضع “بيركشاير” ولا حرج إن تقلّب سهمها
إن”بيركشاير“ أقل عرضةً لكارثة مدمرة من أي شركة أعرفها. ولدى ”بيركشاير“ إدارة ومجلس إدارة أكثر وعياً تجاه المساهمين من أي شركة أعرفها تقريباً (وقد رأيت كثيراً من الشركات). أخيراً، ستُدار ”بيركشاير“ دائماً بطريقة تجعل وجودها أصلًا للولايات المتحدة وتتجنب الأنشطة التي من شأنها أن تجعلها تتوسل.
مع مرور الوقت، يجب أن يصبح مديرونا أثرياء جداً -ولديهم مسؤوليات مهمة- لكن ليس لديهم الرغبة في إحداث سلالات في الإدارة أو إلى الإثراء تبختراً. سيتحرك سعر سهمنا بشكل متقلب، وينخفض أحياناً بنسبة 50% أو نحو ذلك كما حدث ثلاث مرات في 60 عاماً تحت الإدارة الحالية. لا تيأسوا؛ ستعود أميركا، وكذلك أسهم ”بيركشاير“.
بعض الأفكار النهائية. وإحداها ربما تكون ملاحظة لصالحي. يسعدني أن أقول إن شعوري تجاه النصف الثاني من حياتي أفضل منه تجاه نصفها الأول.
نصيحتي: لا تلوموا أنفسكم على أخطاء الماضي؛ تعلموا منها على الأقل قليلاً وامضوا قدماً. لم يفت الأوان أبداً على التحسين. اعثروا على أبطالكم المناسبين وقلّدوهم. ويمكنكم أن تبدأوا بتوم مورفي؛ فقد كان الأفضل. وتذكروا ألفريد نوبل، الذي اشتهر لاحقاً بجائزة نوبل، والذي يُقال أنه قرأ نعيه الذي طُبع بالخطأ عندما توفي شقيقه واختلط الأمر على الصحيفة. شعر بالرعب مما قرأ وأدرك أنه يجب عليه تغيير سلوكه. لا تنتظروا خطأً في غرفة أخبار لتفعلوا ما يجب فعله: حددوا ما تريدون أن يأتي في نعيكم وعيشوا الحياة التي تستحقونها.
من يساعد شخصاً يساعد العالم
لا تأتي العظمة من جمع مبالغ طائلة من المال، أو كميات كبيرة من الدعاية، أو سلطة كبيرة في الحكومة. عندما تساعدون شخصاً ما بأي من آلاف الطرق، فإنكم تساعدون العالم. اللطف لا يكلف شيئاً لكنه لا يقدر بثمن أيضاً. سواء كنت متديناً أم لا، يصعب التغلب على القاعدة الذهبية كدليل للسلوك. أكتب هذا كشخصٍ كان غافلاً مراتٍ لا تُحصى، وارتكب أخطاء كثيرة لكنني كنت محظوظاً جداً أيضاً بأن تعلمت من بعض الأصدقاء الرائعين كيفية التصرف بشكل أفضل (ومع ذلك، ما يزال الطريق إلى الكمال طويلاً). ضع في اعتبارك أن عاملة النظافة هي إنسانة مثلها مثل رئيس مجلس الإدارة.
أتمنى لكل من يقرأون هذا عيد شكر سعيد جداً. نعم، حتى السيئين منهم؛ إذ لم يفت أوان التغيير. تذكروا أن تشكروا أميركا على تعظيمها لفرصكم. لكنها -لا محالة- متقلبة وأحياناً فاسدة في توزيع مكافآتها. اختاروا أبطالكم بعناية فائقة ثم قلدوهم. لن تكونوا مثاليين أبداً، لكن يمكنكم دائماً أن تكونوا أفضل.



