خطوط الشحن البحرية بين أميركا والصين تغرق وسط الحرب التجارية

بدأت سفن الحاويات في التوقف عن استخدام خطوط الشحن التي تربط بين الولايات المتحدة والصين عبر المحيط الهادئ، وسط تصاعد الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي أحدثت اضطراباً واسعاً في قطاع النقل البحري ودَفعت أكبر اقتصادين في العالم إلى مزيد من الانفصال.
تتمثل أبرز مؤشرات هذا الاضطراب في تراجع الرسوم وتقليص الخدمات، إضافة إلى حالة الضبابية التي تُخيم على أحد أهم الممرات البحرية التي ظلت لعقود شرياناً رئيسياً للاقتصاد العالمي، حيث تنقل البضائع المصنعة والسلع الحيوية.
وفي هذا السياق، أعلنت مجموعة شحن الحاويات الألمانية “هاباغ-لويد” (Hapag-Lloyd AG) عن إلغاء 30% من شحناتها المتجهة من الصين إلى الولايات المتحدة، وفقاً لما أكده متحدث رسمي باسم الشركة.
كما أوضحت شركة الشحن السويسرية “كونه + ناغل إنترناشيونال” (Kuehne + Nagel International AG) أن بعض خطوط الشحن توقفت بالكامل، بينما تتوقع انخفاضاً يتراوح بين 25% و30% في حجوزات الشحن من الصين إلى أميركا، بحسب ما أعلنه الرئيس التنفيذي ستيفان بول خلال مكالمة مع المستثمرين.
توتر التجارة يربك الشحن البحري
خلال الأشهر الأولى من إدارة ترمب، اشتعلت حرب تجارية عالمية، صوبت خلالها الإدارة الأميركية أكثر إجراءاتها صرامة نحو الصين، حيث فرضت رسوماً جمركية على الواردات وصلت إلى %145، قابلتها بكين بإجراءات انتقامية مماثلة. وعلى الرغم من استثناء بعض السلع، إلا أن هذا النزاع أثار فوضى في قطاع الشحن البحري.
وفي الوقت الذي عبر فيه ترمب وعدد من كبار المسؤولين عن احتمالية التوصل إلى اتفاق مع الصين، حيث من المقرر أن تبدأ مفاوضات بين الجانبين في سويسرا في وقت لاحق من هذا الأسبوع، إلا أن إيجاد تسوية لهذا النزاع قد يستغرق عدة أشهر. وفي هذه الأثناء، بدأت الشركات الصينية بإعادة توجيه أنشطتها بعيداً عن السوق الأميركية.
انهيار أسعار الشحن البحري
نتيجة لذلك، تراجعت رسوم الشحن البحري بشكل حاد. فقد وصلت تكلفة شحن حاوية بطول 40 قدماً من شنغهاي إلى لوس أنجلوس، وهما ميناءان رئيسيان على جانبي المحيط الهادئ، إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2023 في أواخر مارس، وذلك وفقاً لبيانات شركة الاستشارات البحرية “دروي شيبينغ كونسلتانتس” (Drewry Shipping Consultants). كما تراجعت أيضاً الرسوم عبر معظم مسارات الشحن حول العالم.
قال جو كرامك، الرئيس التنفيذي لـ”مجلس الشحن العالمي” (World Shipping Council)، الذي يدير أعضاؤه %90 من القدرة الاستيعابية العالمية لسفن الحاويات: “إنه ممر تجاري على طريق شحن عالمي، وبالتالي فإن تأثيره ينتشر على امتداد السوق بأكملها”.
إجراءات أميركية تفاقم أزمة قطاع الشحن
تواجه شركات الشحن أيضاً تدابير أميركية تتجاوز الرسوم الجمركية، مما يزيد من تعقيد الوضع. وتشمل هذه الإجراءات إنهاء الإعفاء الضريبي الممنوح للشحنات الصغيرة، إلى جانب خطة مثيرة للاضطرابات تتعلق بفرض رسوم باهظة على السفن الصينية الكبيرة التي ترسو في الموانئ الأميركية.
اقرأ المزيد: ترمب يدرس فرض رسوم على السفن الصينية وسط تصاعد الحرب التجارية
وفي هذا السياق، أشار نيلز راسموسن، كبير محللي الشحن في مجموعة “بيمكو” (Bimco) التجارية، إلى أن “هناك حالة من انعدام اليقين بشأن مصير تدفقات البضائع من وإلى الولايات المتحدة”. وأضاف أنه، في المقابل، لا توجد مثل هذه الضبابية السياسية في المعاملات التجارية داخل الأسواق الأخرى، حيث يمكن لمالكي السفن مزاولة عملياتهم بشكل طبيعي.
الرسوم المتبادلة تشل تجارة السلع
في أجزاء أخرى من قطاع الشحن، تتزايد التحديات أمام مشغلي سفن البضائع الجافة التي تنقل المنتجات الزراعية، وكذلك مالكي الناقلات الذين استُخدمت أساطيلهم لنقل صادرات الطاقة الأميركية إلى أكبر اقتصاد في آسيا.
تُظهر بيانات شركة “كبلر” (Kpler) أن شحنات النفط الخام من ساحل الخليج الأميركي إلى الصين توقفت خلال أبريل، بعدما بلغت ذروتها منذ بداية العام عند نحو 174 ألف برميل يومياً خلال مارس. وفي مثال فردي، غيرت ناقلة تحمل غاز البروبان الأميركي وجهتها بعيداً عن الصين في منتصف الرحلة، بعدما فرضت بكين رسوم عقابية على الواردات الأميركية.
وفي هذا السياق، أشار رور أدلاند، رئيس الأبحاث العالمية في شركة “إس إس واي” (SSY) لوساطة الشحن، إلى أن تحويل مسار شحنات الفحم وفول الصويا الأميركية إلى أسواق أقرب من الصين من المتوقع أن يؤدي إلى تقليص مسافات الإبحار، مما يُلحق ضرراً مباشراً بالطلب على ما يُعرف بأميال الحمولة في قطاع البضائع الجافة.
وأضاف أدلاند أن “المستويات الحالية للرسوم الجمركية الأميركية، إلى جانب الإجراءات الانتقامية الصينية، تسببت عملياً في شلل شبه كامل لحركة التجارة الثنائية في السلع الجافة بين البلدين”.