اخر الاخبار

خريطة القوة.. من يقود سباق الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط؟

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط ملفاً مستقبلياً أو أداة لتحسين الكفاءة فقط، بل أصبح رافعة اقتصادية واستثمارية تعيد تشكيل أولويات الحكومات، واتجاهات رأس المال، وخريطة البنية التحتية الرقمية في المنطقة.

تقود السعودية والإمارات هذا السباق في المنطقة بوضوح، باستثمارات مخصص لها مئات المليارات من الدولارات لتطوير القطاع. تظهر بيانات PwC أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف نحو 320 مليار دولار إلى اقتصادات المنطقة العربية بحلول 2030، مع استحواذ دول الخليج على النصيب الأكبر من هذا الأثر.

مثّل عام 2025 نقطة انعطاف في هذا القطاع بالمنطقة. إذ انتقلت السعودية من مرحلة التنظيم والاستراتيجية إلى امتلاك منصات وبنية تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي ضمن إطار “رؤية 2030″، أما في أبوظبي، فتسارعت الاستثمارات في الحوسبة المتقدمة ومراكز البيانات العملاقة، مدفوعةً بشراكات مع شركات تكنولوجيا عالمية كبرى. في موازاة ذلك، بدأت دول أخرى مثل قطر والبحرين ومصر والمغرب تنفيذ خطوات ملموسة، وإن كانت أقل حجماً، لضمان موطئ قدم في اقتصاد الذكاء الاصطناعي الإقليمي.

في قلب هذا المشهد، يبرز عدد محدود من صناع النفوذ -بين أشخاص ومؤسسات- لا يكتفون بالترويج للتقنية، بل يملكون القدرة على تحويلها إلى استثمارات، وأصول، وسياسات قائمة بحد ذاتها.

عبدالله السواحه 

يتولّى وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبدالله السواحه إدارة ملف الذكاء الاصطناعي في بلاده، في وقت تشير التقديرات إلى أن قيمة المشاريع والصفقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المملكة تصل إلى 1.3 تريليون ريال سعودي، (نحو 347 مليار دولار)، ضمن رهان استراتيجي يهدف إلى أن يسهم الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.

تحولت السعودية خلال الأعوام الأخيرة إلى إحدى أكبر أسواق الحوسبة السحابية ومراكز البيانات في المنطقة. وتمكنت من جذب استثمارات بمليارات الدولارات من شركات تكنولوجيا عالمية لإنشاء مناطق سحابية ومرافق بيانات محلية تخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحكومة والقطاع الخاص، في قطاعات تشمل الطاقة، والمالية، والخدمات العامة، حتى باتت السعودية واحدة من أسرع أسواق المنطقة نمواً في الطلب على مراكز البيانات.

كما عملت الوزارة على دمج الذكاء الاصطناعي في برامج التحول الحكومي، وتوسيع استخدامه داخل الجهات الرسمية، إلى جانب إطلاق برامج تدريب وتأهيل تستهدف عشرات الآلاف لخلق قاعدة بشرية قادرة على استيعاب الاستثمارات الضخمة في القطاع.

وخلال جسلة بمنتدى الاستثمار الأميركي السعودي، الذي انعقد على هامش زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في نوفمبر، جمعته مع إيلون ماسك وجينسن هوانغ، رئيس “إنفيديا”، عبّر السواحه بشكل واضح ومباشر عن الرؤية العملية للمملكة بمجال الذكاء الاصطناعي، بقوله: “رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تقوم على دعم القوة العاملة لدينا بعشرات الملايين من الروبوتات لتعظيم الموجة القادمة من الإنتاجية والتطور” 

هيوماين (Humain)

جاء إطلاق شركة “هيوماين”، التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة، في 2025 ليترجم التوجه السعودي في الذكاء الاصطناعي من مرحلة الإطار والسياسة إلى التنفيذ الفعلي. اليوم، تمثل الشركة الذراع السيادية السعودية المخصصة لبناء وتشغيل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة داخل المملكة.

ولا يقتصر طموح “هيوماين” على تلبية الطلب المحلي، إذ تسعى، وفق تصريحات لرئيسها التنفيذي طارق أمين، إلى جعل السعودية ثالث أكبر دولة في العالم من حيث البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بعد الولايات المتحدة والصين.

اقرأ أيضاً: السعودية ترى في “هيوماين” أرامكو الاقتصاد الجديد

بدأت الشركة بالفعل العمل على تطوير مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي في مواقع متعددة داخل السعودية، بقدرات أولية تُقدر بنحو 100 ميغاواط لكل موقع، مع خطط توسع تدريجية. كما أعلنت شركة “الاتصالات السعودية” (stc) عن مشروع مشترك مع “هيوماين” لتطوير وتشغيل مراكز بيانات تستهدف استضافة أحمال ذكاء اصطناعي، ضمن خطة أوسع لبناء قدرة تشغيلية تصل إلى نحو 1 غيغاواط داخل المملكة.

كما أفادت بلومبرغ أن “هيوماين” تخطط لنشر ما يصل إلى 400 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي داخل السعودية بحلول 2030، في مؤشر على حجم الحوسبة المتوقّع وقدرة البلد على استيعاب نماذج متقدمة وتشغيل تطبيقات كثيفة الأداء، بينما سمحت واشنطن ببيع نحو 35 ألفاً من رقائق “بلاكويل” (Blackwell) من إنتاج “إنفيديا” للشركة السعودية، وهي أكثر الشرائح تقدماً لدى الشركة الأميركية. 

وفي 2026، ستكون الأنظار مسلّطة على مدى نجاح وانتشار تطبيق المحادثة الجديد “هيوماين تشات”، المدعوم بنموذج اللغة الكبير “علام”، الذي أطلقته الشركة في أغسطس، ويتميز بقدرته على التفاعل باللغتين العربية والإنجليزية، مع دعم لهجات عربية متعددة مثل المصرية واللبنانية.

“سدايا”.. الهيئة السعودية التي تقود القطاع 

 الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، التي يرأس مجلس إدارتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تمثل العمود الفقري للسياسات الوطنية للذكاء الاصطناعي منذ تأسيسها في 2019.

تشرف الهيئة، التي يتولّى فيها عبدالله بن شرف الغامدي منصب الرئيس، على الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وتنسّق بين الجهات الحكومية فيما يتعلق بإدارة البيانات، وحوكمتها، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نطاق الدولة.

اقرأ أيضاً: كيف احتلت السعودية المركز الثالث عالمياً في مؤشر الذكاء الاصطناعي؟

في عام 2025، كثّفت “سدايا” أنشطتها التنفيذية والدولية، مع انتقال السعودية إلى مرحلة أكثر تقدماً في تبني الذكاء الاصطناعي. ووسّعت الهيئة شراكاتها مع شركات تقنية ومنظمات دولية لتطوير أطر حوكمة الذكاء الاصطناعي والاستخدام المسؤول للتقنيات المتقدمة، بالتوازي مع دعم تطبيقاتها في القطاعات الحكومية والخدمية والأمنية. 

كما عملت “سدايا” تحت قيادة الغامدي على قياس نضج الذكاء الاصطناعي في المملكة عبر إطلاق تقارير ومؤشرات أداء وطنية، إلى جانب ترسيخ حضور السعودية دولياً من خلال منصات مثل قمة الذكاء الاصطناعي (GAIN)، التي تجمع صناع السياسات وشركات التكنولوجيا العالمية.

“G42”.. مركز الثقل في استراتيجية الإمارات

خلف الثقل الاستثماري والاستراتيجي للذكاء الاصطناعي في الإمارات، يقف الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بصفته رئيس مجلس إدارة G42، وADQ، وذراع الاستثمار المتخصصة MGX، حيث يشرف على قرارات تحدد أين وكيف تُضخ رؤوس الأموال في الذكاء الاصطناعي.

تقدّر “بلومبرغ” أن الكيانات الخاضعة لإشرافه تدير أو تستثمر في أصول تصل قيمتها إلى نحو 1.5 تريليون دولار، مع تركيز متزايد على الذكاء الاصطناعي، وأمن البيانات، والبنية التحتية الرقمية. وقد شكلت الشراكات مع شركات تكنولوجيا عالمية، لا سيما دخول “مايكروسوفت” كمستثمر استراتيجي بحصة 1.5 مليار دولار في G42، نقطة تحول في تموضع الشركة عالمياً، وأسهمت في تعزيز ارتباطها بمنظومة التكنولوجيا الأميركية. 

اقرأ أيضاً: “G42” الإماراتية تتوسع عالمياً في الذكاء الاصطناعي بافتتاح مركز أوروبي

وعلى صعيد البنية التحتية، تقود G42 تحت إدارة بنغ تشياو، ومن خلال ذراعها “خزنة داتا سنتر” خطة توسع كبيرة في مراكز البيانات. كما تستعد الشركة لإضافة نحو 200 ميغاواط من السعة الجديدة لمراكز البيانات، ضمن خطة أوسع تستهدف تجاوز 1 غيغاواط من القدرة التشغيلية، في إطار سباق عالمي متسارع على استضافة أحمال الذكاء الاصطناعي كثيفة الاستهلاك للطاقة.

وتندرج هذه التوسعات ضمن المشروع السيادي الأوسع “ستارغيت الإمارات”، وهو مجمّع حوسبة متقدمة يُعدّ توسعاً لمنصة “ستارغيت” العالمية، يستهدف قدرة تشغيلية تصل إلى 5 غيغاواط، مع اعتماد واسع على شرائح “إنفيديا” المتقدمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، ما يضع أبوظبي على خريطة مراكز الحوسبة العالمية القادرة على منافسة الولايات المتحدة وأوروبا.

عمر سلطان العلماء

وزير الإمارات للذكاء الاصطناعي عمر سلطان العلماء، الذي منذ تعيينه في 2017 كأول منصب وزاري من نوعه عالمياً، لعب دوراً محورياً في نقل الذكاء الاصطناعي في الإمارات من مرحلة التجربة إلى سياسة دولة متكاملة.

 عمل العلماء على مدى نحو ثمانية أعوام على بناء إطار تشريعي ومؤسسي مهيأ لاستيعاب موجة الاستثمار الأخيرة في القطاع، التي تجاوزت الاستثمارات الوطنية فيه 148 مليار دولار منذ 2024.

شركة “مايكروسوفت” مثلاً، التزمت بضخ 15.2 مليار دولار في الإمارات لتوسيع البنية التحتية للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي خلال الفترة بين 2023 و2029، أنفقت منها 7.3 مليار دولار حتى نهاية 2025، في واحدة من أكبر الاستثمارات الأجنبية في قطاع الذكاء الاصطناعي بالمنطقة. ويشمل هذا الاستثمار مراكز بيانات، ومنصات سحابية، وشراكات تشغيلية مع جهات إماراتية.

على المستوى الدولي، أعلنت الإمارات عن مبادرة “الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية” باستثمارات تبلغ مليار دولار لتمويل وتطوير البنية التحتية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، في خطوة تعكس انتقال الدولة من تبني التقنية محلياً إلى تصدير قدراتها في الذكاء الاصطناعي إقليمياً ودولياً.

وإلى جانب الاستثمار في الحوسبة والبنية التحتية، أصبحت الإمارات أيضاً من أوائل الدول على مستوى العالم التي أطلقت منهاجاً وطنياً للذكاء الاصطناعي في التعليم العام بهدف دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي في المدارس، إلى جانب توسيع استخدام هذه التقنيات في قطاعات حيوية مثل الصحة والقطاع المالي، والطاقة، والشحن، والخدمات الحكومية.

كاي (Qai)

اتخذت قطر خطوة استراتيجية في 2025 بإطلاق شركة “كاي” (Qai)، وهي شركة وطنية للذكاء الاصطناعي تتبع جهاز قطر للاستثمار، كجزء من جهود الدوحة لتسريع دخولها سباق الذكاء الاصطناعي الإقليمي. 

وأطلقت “كاي” مشروعاً مشتركاً بقيمة 20 مليار دولار مع شركة “بروكفيلد أسيت مانجمينت”، يستهدف إنشاء مركز حوسبة متكامل يوسع نطاق الوصول إلى قدرات الحوسبة عالية الأداء اللازمة لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي. ويغطي المشروع قطاعات حكومية ومالية والطاقة والبنية التحتية الرقمية، بما يعزز قدرة قطر على المنافسة في سوق الحوسبة المتقدمة بالمنطقة.

اقرأ المزيد.. على خطى السعودية والإمارات.. قطر تؤسس شركة “كاي” الوطنية للذكاء الاصطناعي

وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية، تتحرك قطر بقوة على صعيد تمويل شركات الذكاء الاصطناعي العالمية، إذ أصبح جهاز قطر للاستثمار مستثمراً رئيسياً في شركة “أنثروبيك”، ضمن جولة تمويل بقيمة 13 مليار دولار، قيّمت الشركة عند 183 مليار دولار، في صفقة وضعت الصندوق السيادي القطري إلى جانب مستثمرين كبار مثل “أمازون” و”غولدمان ساكس” وعدد من أبرز صناديق رأس المال الجريء.

ويتوقع الجهاز إتمام ما يصل إلى 25 صفقة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي خلال العامين الحالي والمقبل، مقارنة بمتوسط 10 إلى 15 صفقة سنوياً، ما يعكس تصعيداً واضحاً في وتيرة رهانات قطر على هذا القطاع.

دول المنطقة تتحرك

بينما تقود الإمارات والسعودية الاستثمارات الأكبر في الذكاء الاصطناعي، تتحرك دول أخرى في المنطقة لبناء أطرها التنظيمية واستراتيجياتها الوطنية.

في البحرين، أطلقت هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية (iGA) سياسة وطنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي تهدف إلى وضع أسس الحوكمة والأخلاقيات لتطبيقاته في الجهات الحكومية.

أما مصر، فتعمل الحكومة على تنفيذ استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي للفترة بين 2025 و2030، تشمل وضع إطار تنظيمي واضح، وتطوير القدرات البشرية، ودعم الابتكار، في وقت تستهدف فيه البلاد رفع مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.7% بحلول عام 2030، بحسب تصريحات عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

أما في المغرب فتندرج هذه الجهود ضمن رؤية “المغرب الرقمي 2030” التي تدمج الذكاء الاصطناعي في مسار التحول الرقمي، إلى جانب بناء شراكات دولية تستهدف التدريب والبحث وتعزيز منظومة الابتكار المحلي. ويشمل ذلك التعاون مع شركات تقنية عالمية مثل “ميسترال”، إحدى أبرز الشركات الأوروبية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى التواصل مع لاعبين عالميين آخرين في هذا القطاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *