اخر الاخبار

خافيير بلاس: مبادلة براميل النفط بأموال لإرضاء الناخبين تجارة خاسرة

يسهل تصور سيناريو لكابوس نفطي: يجد المرشد الإيراني علي خامنئي نفسه في معركة حياة أو موت، فيلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة باستهداف حقول النفط في دول الجوار، على غرار ما فعل صدام حسين في الكويت عام 1991. تأثير ذلك على أسعار النفط -والتضخم العالمي- سيكون كارثياً.

هل هذا مستبعد؟ نعم، لكنه لا يزال ممكناً ولو بنسبة طفيفة. لهذا أنشأت الولايات المتحدة مخزون البترول الاستراتيجي بعد أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي لمواجهة استخدام النفط كسلاح اقتصادي. عند امتلائه بالكامل، يكفي المخزون الاستراتيجي الأميركي لاستهلاك 35 يوماً، لكن آخر مرة امتلأ فيها بالكامل كانت في 2010، أما الآن فهو نصف فارغ.

إرضاء الناخبين

لطالما استخدم الرؤساء الأميركيون -جمهوريون وديمقراطيون- هذا المخزون المخصص للطوارئ لتمويل الإنفاق العام على بنود لا علاقة له بها؛ فقد استُخدمت براميل النفط في الولايات المتحدة في أحوال كثيرة لدفع ثمن إرضاء الناخبين.

جو بايدن جعل الوضع أكثر سوءاً عندما استخدم ذلك المخزون كوسيلته المفضلة لمكافحة التضخم. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، غمر بايدن السوق للسيطرة على أسعار البنزين. وتعهد خليفته دونالد ترمب بإعادة ملء المخزون “بالكامل”. لكن ذلك -في أفضل أحواله- بقي وعداً، كما هو الحال بالنسبة لكثير من تعهداته الأخرى المرتبطة بسياسات الطاقة، بما في ذلك وعده بإطلاق العنان للتنقيب عن النفط. 

الآن، يحتوي مخزون البترول الاستراتيجي –وهو شبكة ضخمة من الكهوف الصناعية في تكساس ولويزيانا– على ما يزيد قليلاً عن 400 مليون برميل، أي بانخفاض نحو 45% من مستوى قياسي بلغ 727 مليون برميل عام 2010، في عهد باراك أوباما. وما لم يُتخذ إجراء حيال ذلك، سيواصل المخزون الانخفاض بعد موافقة المشرعين على بيع 99.6 مليون برميل أُخرى خلال السنوات المالية الخمس المقبلة لتمويل الإنفاق العام.

خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيجري ضخ بعض الكميات المُتعاقد عليها بالفعل إلى المخزون، لكن رغم ذلك، يتوقع مركز البحوث التابع للكونغرس أن يبلغ حجم المخزون 335 مليون برميل فحسب بحلول 2031، وهو أدنى مستوى له منذ منتصف عام 1983.

ما هو الحجم الأمثل للمخزون؟ الجواب عن هذا السؤال محل جدل محتدم. منذ إنشائه عام 1975، تراوحت تقديرات صانعي السياسات للكمية المطلوبة بين 200 مليون ومليار برميل. وتتعدى أهمية حجم المخزون كون المخزون الأكبر يسهل سرعة السحب منه، وهو أمر حيوي حال وقوع أزمة كبيرة لكن قصيرة الأمد. يعتمد الحجم أيضاً على صافي الواردات النفطية للولايات المتحدة، التي أصبحت -بفضل ثورة النفط الصخري- مُصدّراً صافياً. لكن ذلك لا يحصّنها من الصدمات العالمية: فالنفط كله سواء، وكأي دولة أخرى، ستتأثر أميركا بقفزات الأسعار، حتى إن كان إنتاجها أكثر مما تستهلك.

تصريحات ترمب محض خيال

تعهد ترمب بإعادة ملء المخزون، لكن الكثير من تصريحاته محض خيال. ففي عام 2022، على سبيل المثال، زعم أن المخزون كان شبه “فارغ”، بينما كان يحتوي في الواقع على نحو 400 مليون برميل. ثم ادّعى قائلاً: “بنيت احتياطاتنا النفطية خلال رئاستي”، وهو ما لم يفعله. فقد كان المخزون عند مغادرته المنصب في يناير 2021 أقل مما كان عليه عند مجيئه في يناير 2017، وهو ما يرجع جزئياً إلى استخدامه كوسيلة تمويل. وبتعبير ميك مولفاني، مدير الميزانية خلال رئاسة ترمب الأولى، “لم يعد من الضروري” وجود مخزون استراتيجي كبير.

وعده الأحدث كان بملء المخزون إلى الحد الأقصى، لكن إدارته تكتفي بالقول إن ذلك سيحدث، كأن الكلمات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي هي التي تشتري براميل النفط لا الدولارات.

كم سيتكلف ملء المخزون؟

طلبت وزارة الطاقة الأميركية من الكونغرس 100 ألف دولار لحساب مخزون. صحيح أن هذا الرقم سيتغير، إذ تتضمن ميزانية مقترحة من المشرّعين الجمهوريين منح المخزون نحو ملياري دولار في العام المالي 2026، لكن حتى هذا المبلغ هو مجرد جزء بسيط مما هو مطلوب.

بالأسعار الحالية، تحتاج الولايات المتحدة قرابة 7.2 مليار دولار لمجرد تعويض المبيعات التي أجازها الكونغرس بين 2026 و2031. وهي تحتاج 22.5 مليار دولار أخرى لإعادة ملء المخزون الاستراتيجي إلى سعته القصوى الحالية؛ كما أن هناك تكلفة إصلاح الكهوف، لتعوض جزئياً الأضرار التي تعرضت لها خلال عمليات السحب الأخيرة في عهد بايدن. وبجمع كل هذه المبالغ، فإن الوفاء بوعود ترمب سيتكلف نحو 30 مليار دولار، ومن الواضح أن هذا الرقم يفوق بكثير الـ100 ألف دولار التي يطلبها البيت الأبيض من الكونغرس، والملياري دولار التي يعرضها الجمهوريون حتى الآن.

الصراع بين إسرائيل وإيران ربما لا يؤدي لزعزعة استقرار سوق النفط، لكنه تذكير قوي بأهمية الاحتفاظ بمخزون كافٍ للطوارئ في ظل اقتصاد عالمي لا يزال معتمداً بشكل كبير على النفط. غير أن المشرعين الأميركيين –سواء من الليبراليين أو المحافظين– لا يبدو أن لديهم الرغبة في دفع ثمن “الأمان” النفطي. وسيندمون على ذلك يوماً ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *