خارطة انكشاف ترمب وعائلته على العملات المشفرة منذ عودته للسلطة

منذ تولي دونالد ترمب منصبه هذه السنة، شرع في حملة لتغيير نظام التجارة العالمي من خلال سياساته الجمركية. ولكن هذا التغيير لم يكن الوحيد في ملامح ولايته الثانية، إذ شهدت سياساته الاستثمارية الخاصة تغيرات واضحة في توزيع القطاعات، بدأت منذ ما قبل عودته إلى السلطة بقليل.
اليوم، يمكن ملاحظة حجم الثقل الذي يحمله قطاع “الكريبتو” والعملات المشفرة في محفظة الرئيس وعائلته، وبات بالإمكان رسم خريطة مبدئية لكيفية انخراط العائلة في هذا القطاع، وتأسيسها إمبراطورية ناشئة، عبر شبكة من الاستثمارات والعلاقات المتشابكة مع شركات تابعة وأخرى حليفة.
اقرأ أيضاً: في انتصار لأجندة ترمب.. “الشيوخ” يقر تشريعاً لتنظيم العملات المستقرة
بدايات ترمب من القطاع العقاري
بدأ ترمب مسيرته العملية عندما تولى قيادة شركة والده في 1971، والتي غير اسمها لاحقاً إلى “منظمة ترمب”. كان التركيز منصباً في البداية على تطوير مشاريع سكنية صغيرة ومتوسطة في بروكلين وكوينز في نيويورك.
وبعد أكثر من عقد، قرر ترمب التوسع نحو المشاريع الكبرى، وتحديداً في مانهاتن التي تعتبر القلب التجاري لمدينة نيويورك.
في هذه المدينة سطر ترمب أهم إنجازاته من خلال بناء البرج الذي يحمل اسمه في الجادة الخامسة، والذي رسخ مكانته كواحد من كبار رجال الأعمال في هذا القطاع في المدينة والولايات المتحدة.
منذ ذلك الحين توسع ترمب في القطاع داخل الولايات المتحدة وخارجها. وبحلول 2021، بلغت ثروته 3.2 مليار دولار، 86% منها من القطاع العقاري وخصوصاً من منتجع “مارالاغو” وفندق “دورال” الفاخر في ولاية فلوريدا، بحسب حسابات “بلومبرغ”.
ولكن هذا الواقع تغير مع عودته إلى البيت الأبيض. وفي يونيو 2025، أصبحت العقارات تمثل نحو نصف ثروته التي ارتفعت إلى 6.9 مليار دولار، بحسب “مؤشر بلومبرغ للمليارديرات”، في وقت زاد من انكشافه بشكل كبير على قطاع الكريبتو.
من أشد المنتقدين إلى أهم الداعمين
الحملة الانتخابية التي أطلقها ترمب غيرت موقفه عملياً من العملات المشفرة، فبعدما وصفها بأنها “خدعة”، تعهد خلال الحملة بجعل بلاده “عاصمة” هذه العملات في العالم، وبدأ فعلاً بإقرار سياسات مؤيدة للقطاع.
هذا التغير في سياسات ترمب، رافقه تحول آخر في القرارات الاستثمارية. ونظراً إلى أن الأعراف السياسية تمنع الرئيس الأميركي من ممارسة أي نشاط تجاري خلال فترة حكمه، تولت العائلة هذه المهمة.
دخلت العائلة هذا المجال لأول مرة فعلياً من خلال إطلاق شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” في مارس 2024 خلال الحملة الانتخابية لترمب.
تم تأسيس الكيان من قبل دونالد ترمب جونيور وإريك ترمب، بالإضافة إلى ستيف ويتكوف (مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط) وابنه زاك الذي يدير الشركة حالياً، بالإضافة إلى زاكا فولكمان وتشيس هيرو، وهما من الشخصيات المعروفة في عالم العملات المشفرة.
اقرأ أيضاً: “بتكوين” تسجل رقماً قياسياً جديداً مسجلةً 123 ألف دولار
عرض المشروع رموز رقمية للبيع، على أن يتم تخصيص 75% من عائداتها بعد أول 30 مليون دولار، لصالح ترمب وأفراد عائلته، بحسب وثيقة طرح الرمز للبيع الخاصة بشركة “وورلد ليبرتي”، فيما يحصل ويتكوف وأولاده على 12.5% من صافي الإيرادات. وبحسب “فوربس”، قامت عائلة ترمب بإنشاء سلسلة من الشركات لجمع هذه العائدات.
غيّر الرئيس اسم كيان أنشأه عام 2016 يُدعى “DT Tower II”، وحوّله إلى شركة جديدة باسم “DT Marks DEFI”. كان دونالد ترمب يمتلك 100% من الشركة الأصلية، ولكن أفراد عائلته حصلوا على حصة بنسبة 30% في الكيان الجديد.
وفي يوليو 2024، تم تسجيل ثلاث شركات جديدة في ولاية ديلاوير تحمل الأحرف الأولى من أسماء أبناء ترمب إريك ودونالد جونيور وبارون: (DJT Jr DEFI) و(ET DEFI)، و(BWT DEFI).
وبحسب تقرير إفصاح مالي لخّص أنشطة الرئيس التجارية حتى نهاية ديسمبر، كانت الشركة الأم للعائلة، “DT Marks DEFI”، تملك حصة 75% من “وورلد ليبرتي فايننشال”.
ومع اقتراب يوم التنصيب في 20 يناير، شهد المشروع نشاطاً كبيراً، حيث باع ترمب وشركاؤه رموزاً بقيمة تجاوزت 200 مليون دولار خلال 29 ساعة فقط، كما تغير هيكل الملكية.
في 24 يناير، أشار موقع “وورلد ليبرتي” إلى أن “DT Marks DEFI” تمتلك “حوالي 60%” من الشركة، انخفاضاً من 75% التي كانت مملوكة للعائلة قبل بضعة أسابيع فقط. كما تم تقليص الحصة في يوليو لتصبح 40%.
الشركة أعلنت إطلاق عملة مستقرة مربوطة بالدولار أطلقت عليها “USD1”. وفي مارس الماضي، استكملت جولتها الثانية من مبيعات الرموز المشفرة، محققة عائدات إجمالية قدرها 550 مليون دولار.
وتقدر “رويترز” أن عائلة ترمب حققت أرباحاً منذ إطلاق هذه الشركة وحتى يوليو 2025، بنحو 500 مليون دولار.
ترمب يدخل إلى عملات الميم
لا تقتصر شبكة شركات الرئيس عند هذا الحد. ففي 17 يناير، أعلن ترمب عن عملة “ميم” تدعى “$TRUMP”، كما روج لها في منشورات على وسائل التواصل قبل تسلمه الرئاسة، وبعدها. كما أطلقت السيدة الأولى عملتها التي تحمل اسمها.
في اليوم الأول من تداول عملة “الميم” الخاصة بالرئيس، ارتفعت قيمتها لتصل إلى نطاق 75 دولاراً، ولكن الأرباح تبخرت لاحقاً. تتداول حالياً هذه العملة عند 9 دولارات بحسب بيانات منصة “روبن هود” للعملات المشفرة. أما عملة ميلانيا ترمب فلم تكن أفضل حالاً، إذ خسرت أكثر من 90% من قيمتها بعد فترة قصيرة من التداول. يتم تداول هذه العملة حالياً عند 0.18 دولار.
تعود ملكية الرئيس ترمب في عملة “$TRUMP” إلى شركات مملوكة من قبل “منظمة ترمب”. ووفقاً للمعلومات المنشورة على الموقع الرسمي لعملة “ترمب ميم”، فإن إحدى شركات الرئيس ترمب، وهي “CIC Digital “، بالإضافة إلى شركة “Fight Fight Fight”، “تمتلكان مجتمعتين 80% من مخزون العملة المطروح للتداول.
تُدرج شركة “CIC Digital” على الموقع الرسمي باعتبارها تابعة لـ”منظمة ترمب”، لكن الشركة مملوكة بالكامل لصندوق “DJT Revocable Trust”، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة “صندوق المدافعين عن الديمقراطية” في أميركا، حلل تقرير الإفصاح المالي العام الصادر عن ترمب في أغسطس 2024.
وتتلقى كل من “CIC Digital LLC” وشركة “Celebration Cards “، المالكة لشركة “Fight Fight Fight”، رسوماً ناتجة عن أنشطة التداول المتعلقة بعملات الميم الخاصة بترمب.
وقد يحقق ترمب عائدات إضافية من خلال اتفاقية ترخيص للاسم مرتبطة بعملته. ويُشير الموقع الرسمي إلى أن “Celebration Cards” مُنحت ترخيصاً لاستخدام اسم “TRUMP”، بالإضافة إلى اسم وصورة دونالد ج. ترمب.
يُذكر أن “TRUMP” هو علامة تجارية مسجلة مملوكة لشركة “DTTM Operations”، وهي شركة مدرجة باسم ترمب ضمن تقرير الإفصاح المالي الصادر في أغسطس 2024.
مخاوف من تضارب مصالح
رغم أنها عملة “ميم” بمعنى أنها لا تحمل أي قيمة أكثر من التعبير عن الدعم السياسي، إلا أن طريقة تعامل ترمب معها أثارت مخاوف من إمكانية وجود تضارب مصالح.
في أبريل الماضي، أعلنت الجهات المُصدرة لعملة الميم أن ترمب سيستضيف عشاءً خاصاً يجمعه مع أبرز 220 من كبار حاملي العملة. وبحسب ما ورد في الموقع الإلكتروني المروج للعشاء، فإن “متوسط رصيدك من عملة ترمب المشفرة خلال الفترة من 23 أبريل إلى 12 مايو هو ما يحدد ترتيبك”، مضيفاً “اشتر عملات الميم الحاملة لعملة ترمب وتسلق سلم الترتيب”.
بالإضافة لذلك، فإن شركة “ترمب ميديا آند تكنولوجي غروب” المطورة لمنصة “تروث سوشيال” أعلنت عزمها بيع أسهم بقيمة 2.5 مليار دولار، بهدف شراء عملات مشفرة، وخصوصاً “بتكوين”. كما أقدمت في يونيو على خطوة نحو إطلاق صندوق “بتكوين” متداول في البورصة.
نسج علاقات متشابكة
بالتزامن مع ذلك، فإن تحركات أولاد ترمب في قطاع العملات المشفرة لا تقل تعقيداً عن هيكلية الشركات المملوكة لوالدهم.
لعل الصفقات الأخيرة مع شركة “هات 8” التي يقودها الرئيس التنفيذي آشر جينوت، ومدير الاستراتيجية مايكل هو، أبرز دليل على هذه العلاقات المعقدة.
قبل توليهما المناصب القيادية في “هات 8” والتي تعتبر إحدى أكبر شركات تعدين العملات المشفرة المدرجة في البورصة، أسس هو وجينوت شركة التعدين “يو إس بتكوين” خلال 2020. وبعد ثلاث سنوات، ووسط مشاكل قانونية واجهتها الشركة، استحوذت “هات 8” عليها، وتم تعيين جينوت رئيساً تنفيذياً لشركة “هات 8”.
في فبراير 2025، أنشأ فريق من المستثمرين بينهم إريك ودونالد الابن و”دوميناري القابضة” شركة أطلقوا عليها اسم “أميركان داتا سنترز” (American Data Centers). وفي أبريل، استحوذت “هات 8” على حصة الأغلبية في الشركة، وأنشأت كياناً جديداً باسم “أميركان بتكوين”.
أقدمت “هات 8” على نقل غالبية معداتها الخاصة بتعدين “بتكوين” إلى الكيان الجديد، مقابل الحصول على حصة 80% من الكيان الجديد. وتم تعيين إريك ترمب في منصب كبير مسؤولي الاستراتيجية في “أميركان بتكوين”.
بحسب ما ذكره جينوت في مقابلة مع محطة “سي إن بي سي”، فإن الصفقة لتأسيس “أميركان بتكوين” أُبرمت نتيجة تعاون بينه وبين إريك ترمب، وكلاهما يقيم في ولاية فلوريدا ولديهما عدد كبير من الأصدقاء المشتركين.
في مايو الماضي، أعلنت الشركة الجديدة أنها تخطط لإدراج أسهمها في البورصة من خلال اتفاق اندماج كاملة بالأسهم مع شركة “غريفون ديجيتال ماينينغ”.
تشابك مع “دوميناري” أيضاً
يظهر تشابك العلاقات التجارية لعائلة ترمب بشكل أكثر وضوحاً من خلال شركة “دوميناري القابضة” (Dominari Holdings)، التي تدير مصرفاً استثمارياً خاصاً من الطابق 22 في برج ترمب في نيويورك.
تحوّلت الشركة قبل نحو ثلاث سنوات من تطوير علاجات السرطان إلى العمل في القطاع المالي، وتكبّدت خسائر تُقدَّر بنحو 70 مليون دولار. في الوقت نفسه، بدأت بتخزين “بتكوين”.
على مدى سنوات، بقيت تحوّلات الشركة وتقلّبات أولوياتها بعيدة عن الأضواء، إلى أن انضم الأخوان ترمب إلى “دوميناري” كمستشارين في فبراير مقابل تحقيق “أهداف محددة” غير معلنة، وحصلا على مئات الآلاف من الأسهم مسبقاً.
كذلك يمتلك ثلاثة مسؤولين تنفيذيين آخرين في “منظمة ترمب” أسهماً في “دوميناري”. فقد أفصح رونالد ليبرمان، النائب التنفيذي للرئيس والذي انضم إلى مجلس إدارة الشركة في ديسمبر، عن نيّته بيع معظم أسهمه، التي تجاوزت قيمتها مليون دولار في إبريل. كما أفصح كل من لورانس غليك، وهو نائب تنفيذي آخر، وآلان غارتن، كبير المسؤولين القانونيين، عن نيّتهما بيع حصص تتجاوز قيمتها 3 ملايين دولار لكل منهما.
كما تتوسّع “دوميناري” في قطاع العملات المشفّرة، إذ أطلقت الشركة استراتيجية لتكديس “بتكوين” في الشهر نفسه الذي انضم فيه الشقيقان ترمب إليها، وبلغت قيمة استثماراتها في صندوق “بتكوين” متداول في البورصة نحو مليوني دولار مع نهاية مارس.
وفي مشروع آخر في مجال العملات المشفّرة، أنشأت “دوميناري” في فبراير قسماً مخصصاً لمراكز البيانات بالتعاون مع الشقيقين ترمب، ثم أعلنت في مارس تحويله إلى وحدة لتعدين “بتكوين”.
عند سؤال رئيس الشركة كايل وول عن طبيعة الخبرة التي يضيفها الشقيقان ترمب إلى “دوميناري”، قال إنهما “صديقان ومستشاران”، لكنه لا يرغب في الحديث نيابة عنهما.
نسج إمبراطورية “كريبتو”
والحال، أن التحول الذي شهده الرئيس بالنسبة لتعامله مع العملات المشفرة لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة لسنوات من الضغط السياسي الذي مارسته هذه الصناعة، والأموال التي تدفقت على ترمب لدعمه في إعادة انتخابه.
هذا التحول ترافق مع “صفقات” اقتنصتها عائلة ترمب وحلفاؤها، لتوسيع نطاق عملهم في القطاع، وتعزيز انكشافهم عليه، مستفيدين من سياسات إدارة يقودها ترمب، تعهّدت بدعم العملات المشفّرة.
وبينما تزداد تعقيدات هذه الشبكة، فإن تسارع انكشاف العائلة على هذا القطاع يثير تساؤلات حول مستقبله، خصوصاً في ظل تلميحات من إريك ترمب لإمكانية الترشح لخلافة والده.