اخر الاخبار

حملة بيسنت لخفض عائدات سندات الخزانة المرجعية تجبر السوق على مجاراته

لا يكف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، عن الحديث عن عوائد السندات لأجل 10 سنوات. ففي الخطب والمقابلات، أسبوعاً تلو الآخر، يُكرر ويؤكد خطة الإدارة الرامية إلى خفض هذه العوائد، والحفاظ على انخفاضها.

جزء من هذا الأمر يُعد طبيعياً، إذ لطالما كان إبقاء تكاليف الاقتراض الحكومي تحت السيطرة من صميم عمل الوزارة، لكن هوس بيسنت بسندات الخزانة الأميركية المرجعية بلغ حداً أجبر بعض الجهات في وول ستريت، على إعادة النظر في توقعاتها للعام 2025.

تحركات السوق استجابة لسياسات بيسنت

في الأسابيع القليلة الماضية، خفّض كبار الاستراتيجيين في مجال أسعار الفائدة في مؤسسات “باركليز”، و”رويال بنك أوف كندا”، و”سوسيتيه جنرال”، توقعاتهم لعوائد السندات لأجل 10 سنوات عند نهاية العام، جزئياً، كما قالوا، بسبب حملة بيسنت لخفضها.

وأوضحوا أن الأمر لا يقتصر على التصريحات المتكررة، بل يشمل أيضاً قدرته على اتخاذ إجراءات ملموسة، مثل تقليص حجم مزادات السندات لأجل 10 سنوات، أو الدعوة إلى تخفيف اللوائح المصرفية لتعزيز الطلب على السندات، أو دعمه المحموم لحملة إيلون ماسك لخفض عجز الموازنة.

وقال غونيت دينغرا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في بنك “بي إن بي باريبا”: “لطالما قيل في سوق السندات: لا تُحارب الفيدرالي. الآن يتطور الأمر إلى: لا تُحارب الخزانة”.

تأثير سياسات ترمب على السوق

عائدات السندات بدأت بالفعل في الانخفاض، حيث تراجعت بمقدار نصف نقطة مئوية على السندات لأجل 10 سنوات، وبنسب مشابهة على بقية منحنى العائدات خلال الشهرين الماضيين.

لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا الانخفاض الحاد لا يرتبط ببيسنت بقدر ما يرتبط برئيسه دونالد ترمب، الذي أثارت تهديداته بفرض الرسوم الجمركية وشن الحروب التجارية، مخاوف من حدوث ركود، مما دفع المستثمرين إلى الخروج من الأسهم واللجوء إلى أمان السندات.

ورغم أن هذا ليس نوع الانتعاش الذي كان يطمح إليه بيسنت، إذ كان يريد أن يكون مدفوعاً بالانضباط المالي والنمو الاقتصادي المستدام، إلا أنه عزز شعور البعض في السوق بأن هذه الإدارة مصممة على خفض العوائد بأي طريقة كانت.

ولم يصدر أي تعليق من وزارة الخزانة رداً على طلب التعليق.

المخاطر التي قد تُهدد خطط بيسنت

بطبيعة الحال، هناك عوامل عديدة قد تعرقل خطط بيسنت وتدفع العوائد إلى الارتفاع مجدداً: مثل انتعاش سوق الأسهم، أو مؤشرات جديدة على استمرار التضخم المرتفع، أو تعثر جهود ماسك وفريقه في تقليص الإنفاق.

وفي مقابلة حديثة مع موقع “بريتبارت” الإخباري، أعرب بيسنت عن ثقته في أن التخفيضات في الموازنة ستكون كبيرة بما يكفي لتغذية “انخفاض طبيعي في أسعار الفائدة” يُسهم في إنعاش القطاع الخاص، وهي نفس الحُجّة التي كررها في مقابلاته مع شبكات “سي بي إس” و”سي أن بي سي”، وفي خطابه في النادي الاقتصادي في نيويورك.

سياسات داعمة للنمو وخفض التضخم

إلى جانب خفض الإنفاق، تستهدف الإدارة تخفيض الضرائب وتبني سياسات لخفض أسعار الطاقة، بهدف تعزيز الإنتاج الاقتصادي والحد من التضخم.

قالت سوبادرا راجابا، رئيسة استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في “سوسيتيه جنرال”، والتي خفّضت توقعاتها لعوائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار ثلاث أرباع النقطة المئوية إلى 3.75%: “لقد حدّوا من سقف العوائد نوعاً ما. وإذا بدأت العوائد في الارتفاع مجدداً إلى ما فوق 4.5%، أعتقد أننا سنشهد مزيداً من التصريحات والتأكيدات على أنهم ملتزمون بخفض العجز والإنفاق”.

مفهوم “ضمانة بيسنت” ينتشر في سوق السندات

هذا النوع من التوجهات أثار الحديث عن ما بات يُعرف بـ”ضمانة بيسنت” (Bessent Put) في سوق السندات، وهو تلميح إلى “ضمانة غرينسبان” الشهيرة، التي تُشير إلى تدخل الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستمر كلما انخفضت سوق الأسهم.

دينغرا ينصح عملاءه بشراء سندات مرتبطة بالتضخم لأجل 10 سنوات، جزئياً بسبب التزام بيسنت بخفض العوائد طويلة الأجل. لكن ما أقنعه لم يكن مجرد تصريحات بيسنت كمدير صندوق تحوط سابق.

إجراءات فعلية تُفاجئ وول ستريت

في الشهر الماضي، أعلن بيسنت عن خطط للإبقاء على حجم إصدار الديون طويلة الأجل دون تغيير خلال الأرباع المقبلة، وهو ما فاجأ الجهات في وول ستريت التي كانت تتوقع زيادة في العرض لاحقاً هذا العام.

وكانت هذه الخطوة تراجعاً واضحاً عن مواقفه السابقة، حيث انتقد وزيرة الخزانة السابقة جانيت يلين خلال الحملة الانتخابية، بسبب ما وصفه تلاعباً بإصدار السندات بهدف خفض تكاليف الاقتراض وإنعاش الاقتصاد قبيل الانتخابات.

كما دعم بيسنت مراجعة لنسبة الرافعة المالية التكميلية للاحتياطي الفيدرالي، وهي النسبة التي طالما اشتكى منها متداولو السندات في وول ستريت، لأنها تُجبرهم على تخصيص رأس مال أكبر عند الاحتفاظ بسندات الخزانة.

قال دينغرا: “لم يقتصر تدخل بيسنت على التصريحات، بل تبعها أيضاً بإجراءات ملموسة ساعدت على دفع العوائد إلى الانخفاض. هذه إدارة يقظة في سوق السندات، تبقي ‘المنذرين بالخطر’ في السوق تحت السيطرة”.

تأثير مشترك بين بيسنت وسياسات ترمب

بالنسبة لبليك غوين، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في “آر بي سي كابيتال ماركتس”، فإن التأثير السلبي المحتمل لسياسات ترمب الجمركية على النمو، إلى جانب جهود بيسنت لخفض العوائد، دفعه إلى خفض توقعاته لعوائد السندات لأجل 10 سنوات من 4.75% إلى 4.2%.

قال غوين: “الإدارة الأميركية وضعت سقفاً ضمنياً لعوائد السندات لأجل 10 سنوات. وكأنها تقول ضمنياً: إذا بدأت العوائد في الارتفاع أو بدأ الاقتصاد في التعثر، من دون تجاوب من الفيدرالي، فإننا سنتدخل ونخفض حجم الإصدارات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *