اخر الاخبار

حلم ترمب بالهيمنة على الطاقة يعتمد على كندا

من الناحية النظرية، يتماشى تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة على كندا، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، مع رغبته في تحقيق “هيمنة الطاقة” الأميركية. لكن في الواقع، تعتمد هذه الهيمنة بشكل كبير على النفط الكندي.

يتسم موقف ترمب تجاه كندا بالتقلب، حيث يتراوح بين تعزيز أمن الحدود الأميركية الكندية إلى الحديث، بشكل ساخر، عن إلغاء الحدود تماماً. ومع ذلك، تُعد العلاقة التجارية بين البلدين الأكبر من نوعها، حيث تُعتبر الطاقة، وخاصة النفط، المحرك الرئيسي لهذه العلاقة. تستورد الولايات المتحدة من كندا نفطاً أكثر مما تستورده من جميع الدول الأخرى مجتمعة. وإذا تم استثناء واردات النفط من الحسابات، فإن العجز التجاري الأميركي مع كندا سيتحول إلى فائض.

تحديات تصدير النفط الكندي

تتعرض كندا بشكل خاص لتأثير الرسوم الأميركية على النفط، بسبب الانقسامات الداخلية، سواء الجغرافية أو السياسية، التي أعاقت بشكل كبير إنشاء خطوط أنابيب تمتد إلى السواحل الشرقية والغربية. هذا الوضع يجعل الغالبية العظمى من صادراتها من النفط الخام، البالغة 4.1 مليون برميل يومياً من أصل إنتاج يومي يبلغ 4.8 مليون برميل، تتدفق جنوباً عبر الحدود.

اقرأ أيضاً: أميركا وكندا تتفاوضان على منطقة غنية بالنفط في القطب الشمالي

وكما يقول روري جونستون، ناشر النشرة الإخبارية “كوموديتي كونتكست” (Commodity Context) ومقره تورونتو: “لدينا أقل خيارات للتصدير، والغرب الأوسط الأميركي لا يزال سوقاً شبه محتكر بالنسبة لنا”. (انظر هذا الشرح الأخير الذي شارك في تأليفه حول العلاقة النفطية بين الولايات المتحدة وكندا).

وبما أن المصافي الأميركية تدرك اعتماد المنتجين الكنديين الكبير على خطوط الأنابيب الحالية، فمن المحتمل أن تتحمل جزءاً على الأقل من تكلفة أي رسوم جمركية تُفرض على هؤلاء المنتجين.

على نحو مماثل، تعتمد منطقتا الغرب الأوسط وجبال روكي في الولايات المتحدة بالكامل تقريباً على واردات النفط من كندا. وهذه العلاقة تمثل اعتماداً متبادلاً، وليست استقلالاً، ناهيك عن الهيمنة.

لماذا تعتمد أميركا على النفط الكندي؟

قد يبدو من الغريب أن الولايات المتحدة، التي أصبحت مُصدراً صافياً للنفط، تعتمد على النفط الكندي. لكن البراميل النفطية ليست كلها متشابهة. فالولايات المتحدة تُعتبر مُصدّراً صافياً فقط إذا تم حساب النفط الخام والمنتجات المكررة معاً. أما بالنسبة للنفط الخام وحده، فإنها لا تزال مستورداً صافياً، حيث تستورد ما يتجاوز 6 ملايين برميل يومياً.

السبب في ذلك يعود إلى أن المصافي الأميركية صُممت لعصر ما قبل النفط الصخري، حيث كانت واردات النفط أعلى بكثير، وهُيئت لمعالجة النفط الأكثر كثافة (أو الأثقل)، الذي يكون عادةً أقل تكلفة. ومع وصول المصافي إلى حدود قدرتها الاستيعابية للنفط الخام الأخف الناتج عن طفرة النفط الصخري، ازدادت وارداتها من النفط الأثقل تدريجياً، لتصبح البراميل الكندية الخيار الأنسب لتلبية هذا الطلب.

خيارات محدودة للبدائل

تظهر فجوة واضحة بين إنتاج النفط الخام الأميركي وأنواع النفط الخام المستوردة اللازمة لتلبية احتياجات المصافي الأميركية، وهو ما يعكس تماماً منطق اقتصاديات الميزة النسبية والتجارة الحرة. لذلك، كان تصدير فائض النفط الخفيف الناتج عن طفرة النفط الصخري أمراً طبيعياً، حيث أصبح هذا الفائض أساساً لما يُعرف بـ”استقلال” النفط الأميركي وحلم ترمب بالهيمنة على قطاع الطاقة.

اقرأ أيضاً: ترمب يعيد تشكيل قطاع الطاقة الأميركي مع التركيز على النفط والغاز

مثلما تواجه كندا قيوداً في تنويع صادراتها، تواجه الولايات المتحدة أيضاً تحديات في تنويع مصادر وارداتها النفطية إلى منطقتي الغرب الأوسط وجبال روكي. فقبل طفرة النفط الصخري، كانت العديد من خطوط الأنابيب تنقل النفط المستورد من خليج المكسيك شمالاً إلى المصافي الداخلية في الولايات المتحدة. أما الآن، فقد عُكس اتجاه العديد من هذه الخطوط لتوجيه النفط الأميركي إلى السواحل بغرض التصدير، حيث تبلغ القدرة الإجمالية لهذه الخطوط حوالي 2.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

رغم إمكانية عكس اتجاه هذه الخطوط مرة أخرى، إلا أن ذلك سيكون مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. فعلى سبيل المثال، استغرق أكبر مشروع سابق لعكس خطوط الأنابيب، وهو خط “كابلاين” (Capline) الذي تبلغ سعته 1.3 مليون برميل يومياً، حوالي عامين ونصف لإتمامه بدءاً من الموافقة على المشروع وحتى اكتماله تماماً. ومع أن النفط الخام الأميركي الأخف قد يصبح خياراً أكثر اقتصادية إذا ارتفعت تكلفة النفط الكندي بسبب الرسوم الجمركية، فإنه لن يكون الخيار المثالي للمصافي في الغرب الأوسط، مما يحد من قدرتها على الاعتماد عليه. ببساطة، لا يمكن إعادة تشكيل الطبيعة الجيولوجية في كندا.

النتيجة المحتملة ستكون انخفاض معدلات استخدام المصافي، مما يترتب عليه ارتفاع تكلفة معالجة كل برميل. كما أن محاولات شحن المزيد من النفط الخام والمنتجات إلى منطقة الغرب الأوسط الأميركي من مصادر بديلة عن كندا ستزيد من التكلفة. وقد تسعى المصافي إلى تأمين خامات ثقيلة مشابهة من دول أخرى، لكن البدائل الواضحة، مثل المكسيك وفنزويلا، تواجه رسوماً جمركية وعقوبات مشددة على التوالي، بحسب سياسات ترمب.

أما الشرق الأوسط فهو خيار آخر، لكن كيف يمكن لاستبدال الواردات من أقرب حليف لنا بواردات من العراق تعزيز أمن الطاقة؟

تأثير الرسوم على الأمن الاستراتيجي

سيتحمل المنتجون الكنديون جزءاً من تكلفة الرسوم الجمركية، لكن العلاقة التبادلية تعني أن المصافي الأميركية في الغرب الأوسط ستتحمل أيضاً جزءاً من التكلفة، مما سينعكس بشكل مباشر على المستهلكين. فعلى سبيل المثال، إذا كان سعر برميل النفط الكندي حوالي 60 دولاراً، فإن فرض رسوم بنسبة 25% سيضيف 15 دولاراً إلى تكلفة البرميل. وإذا تحمل الجانب الأميركي نصف هذه التكلفة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة بحوالي 13 سنتاً لكل غالون من البنزين، مما يُفسد أحد وعود ترمب بخفض تكاليف الطاقة، وإن لم يكن ذلك كافياً لإحداث أزمة سياسية كبرى.

اقرأ أيضاً: عودة ترمب تلقي بظلالها على محادثات “أوبك+” الشهر المقبل

مع ذلك، هناك تكلفة أكبر وأكثر دقة يتم تجاهلها. فقد تعهد ترمب بإعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي للبترول، وهو ما يتطلب إضافة 382 مليون برميل، وفقاً لشركة التحليل “كلير فيو إنرجي بارتنرز” (ClearView Energy Partners) ومقرها واشنطن. لكن كندا تبيع للولايات المتحدة هذا المقدار من النفط كل ثلاثة أشهر. يتطلب الأمر درجة استثنائية من سوء التقدير للدعوة لإعادة ملء مئات الملايين من براميل النفط في الاحتياطي الاستراتيجي، بينما يتم في الوقت نفسه الإضرار بعلاقتنا مع منتج نفط رئيسي وصديق، يُعتبر فعلياً بمثابة احتياطي استراتيجي للقارة بأكملها.

رد كندا المحتمل

لا شك أن الخلافات السياسية داخل كندا بشأن كيفية الرد على الرسوم الجمركية، وخاصة الجدل حول إمكانية التهديد بفرض حظر على الصادرات، قد تشجع ترمب على مواصلة سياساته. ومع ذلك، على واشنطن أن تتذكر أن الضغط الخارجي يمكن أن يوحد حتى أكثر الدول انقساماً. فلا تتفاجأ إذا وجدت كندا، بمرور الوقت، وسيلة للتوصل إلى اتفاق لبناء المزيد من خطوط الأنابيب التي تربط بين شرق البلاد بغربها. يجب ألا نخدع أنفسنا، فعدم التوازن بين القوة الاقتصادية والاعتماد الكبير على إنتاج النفط يعني أن كندا ستعاني بشكل أكبر نسبياً في حال اندلاع حرب تجارية. وربما لن يكون الوضع تدميراً متبادلاً مؤكداً، لكنه سيظل خياراً غير حكيم على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *