حقيبة الطوارئ … ثقافة جديدة في مواجهة عالم مضطرب

إذا ما رغبت في تعلّم الدروس عن الاستعداد للأزمات، ما عليك سوى مشاهدة فيلم الرعب عن الأموات الأحياء 28 Days Later الصادر عام 2002، أو الجزء الثاني منه 28 Weeks Later الذي عُرض عام 2007، علماً أن الجزء الثالث سيُطرح في وقت لاحق من هذا الشهر.
إليك بعض العِبَر المستقاة من الفيلمين:
1. أجهزة الراديو القابلة للشحن يدوياً لا غنى عنها
2. تأمين كميات كافية من المياه سيكون التحدي الأكبر
3. الأطعمة التي تبقى صالحة لفترة طويلة والتي لا تحتاج إلى طهو هي أفضل صديق لك
4. الحفاظ على مسافة آمنة من المصابين أمر أساسي
صحيح أن أبطال 28 Days Later كانوا يواجهون وباءً قاتلاً يحوّل البشر إلى موتى أحياء، وهو سيناريو خيالي، لكن ذلك لا يقلّل من أهمية الدروس المستخلصة.
لطالما نُظر إلى التحضير للأزمات على أنه هوس يقتصر على المصابين بجنون الارتياب، حتى أنا كنت أظنّ ذلك. فبرنامج (Doomsday Preppers) الذي تبثّه قناة ناشيونال جيوغرافيك، يظهر أميركيين ينفقون ملايين الدولارات على بناء ملاجئ محصّنة وتخزين كميات ضخمة من ورق المرحاض، في مشاهد تبدو أقرب إلى عروض ترفيهية تظهر الناس بتصرفاتهم العفوية، منها إلى محتوى توعوي جاد.
الاستعداد لانقطاع طويل في التيار الكهربائي
لكنني غيّرت وجهة نظري في الآونة الأخيرة. ففي عالم يزداد اضطراباً، حيث يُفاقم تغيّر المناخ من وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، وفي ظلّ تصاعد التوترات الجيوسياسية، أصبح من المنطقي اتحاذ إجراءات من أجل تحسين صمود أسرتك.
خذ على سبيل المثال قرية بلاتن السويسرية، التي مُسحت عن الخارطة في نهاية مايو بعد انهيار نهر جليدي. صحيح أن بناء حصن حيوي بتكلفة 7 ملايين دولار كان ليبدو جنونياً، لكن إعداد حقيبة نجاة، وهي حقيبة طوارئ تحوي مستلزمات أساسية للإخلاء السريع، كان ليساعد على الأقل في تسهيل عملية الإخلاء في 19 مايو.
أما في إسبانيا والبرتغال، فقد أدت انقطاعات الكهرباء الأخيرة لمدة عشر ساعات على الأقل، إلى حالة من الفوضى وتسابق لتأمين مستلزمات ضرورية مثل الأطعمة المعلّبة وبنوك الطاقة. فامتلاك مثل هذه الأساسيات مسبقاً كان ليخفّف كثيراً من وطأة الموقف.
ما دفعني حقاً للانخراط في الاستعداد للكوارث كان تمريناً فكرياً نشره موقع الإرشادات الرسمي للمواطنين في فنلندا، حيث يدعو الدليل القارئ إلى تخيّل تداعيات انقطاع شامل للتيار الكهربائي يعمّ البلاد.
ناقشت السيناريو مع شريكي. فتبيّن لنا أننا نستطيع إنارة شقّتنا، لكن باستخدام شموع معطّرة فاخرة لا أكثر. وفيما خصّ الطعام، لدينا كمية محدودة من المأكولات التي يمكننا تناولها باردة بعد توقّف البراد عن العمل، مثل علبة حمص وكعكة بانيتوني كانت هدية لمناسبة عيد الميلاد، لكننا لا نملك أي سيولة نقدية لشراء حاجيات إضافية. ولو انقطع ضخّ المياه، فلن نجد سوى خزانة الخمور لإرواء عطشنا، ما قد يكون مسلياً لبضع أمسيات، لكن ليس عندما يصيبنا صداع بعد الثمالة.
أما لو توقّف الإنترنت، أو نفدت بطاريات هواتفنا بعد استهلاك آخر ما في بنوك الطاقة، فسنُصبح معزولين تماماً عن العالم، بلا وسيلة لمعرفة ما يدور حولنا.
في نهاية المطاف، توصّلنا إلى خلاصة واضحة: سنقع في ورطة حقيقية إن استمرّ انقطاع الكهرباء أكثر من يوم واحد. حينها طلبت فوراً جهاز راديو يدوي الشحن، وعزمت على شراء عبوات مياه كبيرة لتخزينها في ركن ما من منزلنا المكتظ أساساً.
اقرأ أيضاً: تكاليف الكوارث أزمة تلوح في أفق الاقتصاد الأميركي
إقبال على الاستعداد للطوارئ
لست وحدي من كوّنت هذه القناعة. فالتحضير للطوارئ يلقى رواجاً متزايداً في بريطانيا. متجر Preppers Shop UK، الذي تأسّس قبل 11 عاماً كأول متجر من نوعه في أوروبا، كان يخدم شريحة محدودة من الزبائن حتى جاءت جائحة كوفيد-19 لتذكّر الجميع بأن أموراً نعتبرها من المسلّمات، مثل المعكرونة وورق المرحاض والحانات، قد تختفي بين ليلة وضحاها.
اليوم، أخبرني المدير العام للموقع الالكتروني أن أناساً شتّى يتصلون به طلباً للنصيحة حول المستلزمات التي يُفترض الاحتفاظ بها لمواجهة الطوارئ. وأشار إلى أن أكثر المنتجات رواجاً بين نحو 8 آلاف منتج متاح هو حزمة مؤن تكفي شهراً كاملاً. لكن المتجر يوفّر كل شيء، من صناديق تبريد لرحلات التخييم، إلى الأقواس والنشاب التي قد تكون مفيدة، على ما يبدو، في حال تعطّلت مظاهر الحياة العادية لفترة طويلة.
وإن بدا لك كلّ ذلك نوعاً من الهوس، تذكّر أن الحكومة البريطانية نفسها باتت تحثّ مواطنيها على التفكير في سبل تعزيز قدرتهم على الصمود. ففي يوم الدعوة للانتخابات في مايو 2024، أُطلق موقع رسمي يحمل اسم Prepare يقدّم إرشادات حول كيفية الاستعداد للطوارئ، مثل الفيضانات والحرائق وانقطاع التيار الكهربائي.
الموقع بحدّ ذاته مُعدّ بإتقان ويقدّم نصائح متّزنة، مثل الاشتراك في تنبيهات من الفيضانات وتدوين أرقام الهواتف المهمّة وتخزين مستلزمات الطوارئ، لكن المشكلة أن قلّة قليلة من الناس تعرف بوجوده. فقد طغى على إطلاقه مشهد رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك وهو يُلقي خطابه تحت المطر.
اقرأ أيضاً: المغرب يدرس تطبيق إلزامية التأمين على المساكن للتحوط ضد الكوارث
حقيبة الطوارئ
قال لي توبي هاريس، رئيس اللجنة الوطنية للاستعداد للطوارئ (NPC)، إن نقص المعلومات المتاحة للجمهور يشكل أحد أبرز مواطن الضعف في قدرة بريطانيا على الصمود. فبناء مواقع إلكترونية كهذه لا يُجدي نفعاً إلا إذا اطّلع الناس على محتواها واستوعبوه قبل وقوع الكارثة. أما في حال لجؤوا إليها في لحظة الأزمة، فسيكون قد فات الأوان، حتى أنه قد يتعذر الدخول إلى الموقع أساساً.
يأمل هاريس أن تحذو بريطانيا حذو السويد، التي أرسلت في نوفمبر الماضي كتيّباً محدّثاً إلى ملايين المنازل بعنوان “في حال وقوع أزمة أو حرب”. فالسويد، مثل فنلندا والنرويج، تعيش منذ عقود على مقربة من تهديد وجودي متمثّل في روسيا، ما جعل ثقافة الاستعداد لدى كلّ فرد متجذّرة في مجتمعات الشمال الأوروبي.
أما بريطانيا، فقد أمضت عقوداً تشعر فيها بأمان نسبي منذ أن سقطت آخر القنابل النازية على أراضيها.
في الوقت الراهن، ربما يقتصر الهدف في بريطانيا ببساطة على إطلاق نقاش وطني حول مسألة الاستعداد للطوارئ. فمن منظور الحكومة، حتى لو استجاب 5% فقط من السكان لنصائح موقع Prepare، فهذا يعني 5% أقل — أي نحو 3.5 مليون شخص — سيحتاجون إلى رعاية مباشرة، ما يُسهّل، ولو بقليل، توجيه المساعدات إلى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
لكن ما الذي ينبغي الاستعداد له؟ يشير هاريس إلى أن اللجنة الوطنية للاستعداد للطوارئ تعتمد مقاربة شبه محايدة تجاه طبيعة التهديد ، فالمهم هو الاستعداد لتبعات أي أزمة، أياً كان مصدرها. فمثلاً، انقطاع الكهرباء قد ينجم عن أحوال جوية متطرفة أو عن هجوم معادٍ.
وبعد الاطلاع على مختلف التوصيات الصادرة عن بريطانيا والسويد وفنلندا، توصّلت إلى قناعة بأنك بحاجة إلى حقيبة طوارئ تحوي الأساسيات، من طعام، مياه، أدوية، ملابس دافئة، تحسّباً لأي إخلاء سريع محتمل، إلى جانب مخزون يكفيك لفترات قد تُضطر فيها إلى البقاء في المنزل في ظل توقّف الخدمات.
توصي السويد بتأمين ما يكفي من الطعام والمياه لأسبوع كامل، فيما توصي بريطانيا بتوفير 10 لترات من المياه للشخص يومياً لضمان الراحة، مع حدّ أدنى يبلغ 2.5 لتر. وهذه كميات كبيرة حتى لأسرة صغيرة من شخصين تعيش في شقّة متواضعة، لذا سأكتفي شخصياً بالتحضير لبضعة أيام فقط. ومن المفيد أيضاً عدم التعويل على التكنولوجيا، فيُستحسن تدوين معلومات مهمّة، مثل أرقام الاتصال وتفاصيل التأمين، وحفظها داخل حقيبة الطوارئ.
أزمات مزمنة بسبب تغير المناخ
مثل هذه الاستعدادات مخصصة للتعامل مع الأزمات الحادة، لكن ثمة أشخاص يعملون في مجال القضايا المناخية، يستعدون لاحتمال حصول أزمات غذائية مزمنة. فقد أدّت الأحوال الجوية المتطرفة، مثل موجات الجفاف أو الأمطار الغزيرة إلى تراجع المحاصيل في السنوات الماضية، في وقت تعتمد بريطانيا على الاستيراد لتأمين الموارد الغذائية، وهو ما يثير القلق.
الناشط والكاتب جورج مونبيو كتب في صحيفة الغارديان أنه بدأ بتخزين الطعام، بما في ذلك 25 كيلوغراماً من الأرز وستة لترات من الزيت النباتي، وهي كمية تكفيه لشهرين.
اقرأ أيضاً: 250 مليار دولار خسائر العالم من الكوارث الطبيعية في 2023
تحدث معي عالم المناخ بيل ماغواير من منزله في منطقة بيك ديستريكت، حيث يعتني حالياً بحديقة خضروات غنية بالمحاصيل، ويعمل على تأليف كتاب يشرح فيه كيف ملامح مستقبلنا مرسومة في ماضينا. والفكرة الرئيسية أنه لم يسبق للبشر أن عاشوا على كوكب بهذا القدر من السخونة.
لدى ماغواير رؤية مقلقة للمستقبل، إذ يحذّر من أن التغير المناخي قد يُفضي إلى يؤدي إلى انهيار المجتمعات بحلول عام 2050، بفعل نقص الغذاء والمياه بشكل رئيسي. كما يشير إلى تقرير صادر عن معهد وكلية الإكتواريين، يتوقّع خسارة 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ووفاة أكثر من ملياري شخص، إذا تجاوز الاحترار العالمي درجتين مئويتين بحلول عام 2050. في الوقت الراهن، نحن نسير نحو ارتفاع يتراوح بين 2.5 و2.9 درجة مئوية.
لهذا السبب، يعكف ماغواير على زراعة كميات كبيرة من الطعام، وجمع مياه الأمطار، كما ركّب ألواحاً شمسية في منزله. وينصح أولئك الذين يعيشون في المدن، حيث المساحات محدودة للزراعة، بأن يتعاونوا ويتكاتفوا للتفكير بشكل جماعي في كيفية التأقلم مع هذه التحديات.
سيستخفّ البعض بهذه المفاهيم ويعتبرها جنونية. أما أنا، فمقتنعة تماماً بأن المخاطر حقيقية، ومع ذلك آمل أن نتمكّن من التكيّف بنجاح مع هذه التهديدات الماثلة أمامنا. لكن الأزمات الحقيقية غالباً ما تكون تلك التي لا نتوقّعها.
آمل فقط أن يصل جهازي الراديو يدوي الشحن في الوقت المناسب.