اخر الاخبار

جوناثان ليفين: الأسهم تتحدى المتشائمين وقد تواصل صعودها

عاد مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للارتفاع مجدداً ليسجل مستويات قياسية، متجاهلاً صدمة الرسوم الجمركية التي تم الإعلان عنها في أبريل والتوترات مع إيران، والزيادة التدريجية والمستمرة في طلبات إعانات البطالة في الولايات المتحدة.

 تتزايد الأصوات المتشائمة التي ترى أن المتداولين يتجاهلون المخاطر الجسيمة المحيطة بهم، وليس من المبالغة الاعتقاد بذلك. لكن في المقابل، غالباً ما يكون الشعور بالقلق حاضراً كلما سجلت المؤشرات مستويات قياسية جديدة.

نتذكر ما حدث في أغسطس 2020، حينما كانت جائحة كوفيد-19 في ذروتها. فقد أظهرت البيانات الحكومية أن معدل البطالة تجاوز 10%، ومع ذلك، كان متوسط مضاعفات السعر إلى الأرباح المتوقعة عند أعلى مستوى تقريباً خلال 20 سنة، أي أعلى من 99% من جميع القيم المسجلة في تلك الفترة.

سادت حالة من التفاؤل إزاء إمكانية تطوير لقاح، لكن التجارب السريرية كانت لا تزال جارية، فيما أدى تزايد الإصابات خلال الصيف في مناطق “حزام الشمس” (الولايات الجنوبية والجنوبية الغربية في أميركا) إلى تبديد الآمال في التوصل إلى حل سريع لاضطرابات الجائحة.

 اتهام المستثمرين الأفراد

في الوقت نفسه، ساد اعتقاد شائع بأن المتداولين الأفراد الذين يفتقرون للخبرة والمعرفة الكافية (المال الغبي) هم من يقودون موجة صعود الأسهم. لكن ماذا كانت النتيجة في الواقع؟ حتى بعد تسجيل القمة في 18 أغسطس، حقق المؤشر عائداً إضافياً بلغ 11.5% في عام 2020 و28.7% في عام 2021. ليس أداءً سيئاً على الإطلاق. كما كان هناك الكثير من المشككين عندما بلغ المؤشر مستويات قياسية جديدة في مطلع عام 2024.

 مخاوف بشأن الصين والشرق الأوسط

كانت المخاوف المرتبطة بالصين تلقي بظلالها على توقعات النمو العالمي، فيما بلغت التوترات في الشرق الأوسط ذروتها عقب هجمات حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023. في تلك الفترة، رأى استراتيجيون لدى “وول ستريت” أن المؤشر ارتفع بسرعة أكبر مما توقعه الخبراء طوال العام. ومع ذلك، أغلق “ستاندرد آند بورز 500” عند مستوى قياسي جديد في 19 يناير، وواصل صعوده محققاً عائداً قدره 23% خلال بقية عام 2024.

إذًا، ما الذي يمكن أن يسير في الاتجاه الإيجابي هذه المرة لتتمكن الأسواق مرة أخرى من تحدي المتشائمين؟. 

 سيناريو خفض الفائدة

أوضح السيناريوهات الإيجابية يتمثل في خفض أسعار الفائدة تدريجياً وبسلاسة. فإذا ثبت أن تأثير الرسوم الجمركية على أسعار المستهلك كان أقل من المتوقع، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يبدأ خفض أسعار الفائدة بحلول سبتمبر، مما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاقتراض للشركات والمستهلكين.

ضع في اعتبارك أن النطاق الحالي لأسعار الفائدة يتراوح بين 4.25% و4.5%، في حين يرى 11 من أصل 19 عضواً في لجنة السوق المفتوحة أن معدل الفائدة الحيادي طويل الأجل يبلغ 3% أو أقل. بمعنى آخر، يمتلك الاحتياطي الفيدرالي مساحة كبيرة لخفض الفائدة إذا سمحت البيانات بذلك. 
صحيح أن جزءاً من خفض الفائدة قد تم أخذه في الحسبان بالفعل داخل الأسواق، إلا أن المتداولين ربما يستهينون بسرعة وعمق التحركات المحتملة من جانب صناع السياسات النقدية.

خفض أسعار الفائدة سيمنح دفعة قوية لأسواق الإسكان والسيارات وسوق العمل التي تواجه صعوبات. فقد يقرر مئات الآلاف من المشترين المحتملين أخيراً دخول السوق العقارية، في حين قد تتجاوز مبيعات السيارات الجديدة 16 مليون وحدة بسهولة.

 ترقب الأسواق للثقة

كما قد تتمكن الشركات أخيراً من إنهاء تجميد التوظيف المستمر منذ فترة طويلة. وبطبيعة الحال، فإن الكثير من هذه التطورات سيعتمد على مسار عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات وأسعار الرهن العقاري، لكن من المتوقع أن تنخفض هذه المعدلات لتتماشى مع توقعات البنك المركزي (الاحتياطي الفيدرالي)، إذا اكتسبت الأسواق الثقة بأن المخاطر والتقلبات آخذة في التراجع.

للتوضيح، فإن هذا السيناريو الإيجابي لا يمكن أن يتحقق إلا في حال كانت معدلات التضخم معتدلة. فقد دعا الرئيس دونالد ترمب إلى خفض أسعار الفائدة، ووجّه انتقادات غير منصفة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بسبب تبنيه نهج التريث والترقب.

 ترمب يدرس إعلان خليفة باول

ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم الأربعاء أن الرئيس دونالد ترمب كان يدرس الإعلان المبكر عن تعيين بديل لباول بهدف تقليص نفوذه على الأسواق خلال الأشهر الأحد عشر الأخيرة من ولايته. إن حملة ترمب ضد استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا تخدم الاقتصاد بأي حال.

إذا اعتقد المستثمرون أن الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة لأسباب غير صحيحة، فمن المؤكد أن عوائد السندات لأجل 10 سنوات وأسعار الرهن العقاري سترتفع بدلاً من أن تنخفض. لأواصل التفكير بتفاؤل أو لأبقى متفائلاً، هناك احتمال جذاب آخر، وهو أن رهان الذكاء الاصطناعي قد يفاجئنا مرة أخرى بمكاسب غير متوقعة.

نجاح “إنفيديا” مصدر الدهشة

السبب الأبرز الذي جعل الأسهم الأميركية تدهش المشككين في السنوات الأخيرة– سواء من حيث العوائد أو من منظور الأداء المالي الحقيقي للشركات، هو أن شركة “إنفيديا” تجاوزت توقعات الأرباح بشكل كبير. أما بالنسبة لأسهم شركات أخرى مثل “مايكروسوفت” و”ميتا”، فلا يزال تدفق الإيرادات المحتمل من الذكاء الاصطناعي مجرد توقعات نظرية حتى الآن.

هل يمكن أن يتحقق هذا الزخم المالي في وقت قريب؟ من الصعب الجزم بذلك. فعلى الرغم من استثمارها مليارات الدولارات على تطوير الذكاء الاصطناعي، حرصت الشركات العملاقة في وادي السيليكون على عدم المبالغة في تقديم وعود للمستثمرين بشأن الجدول الزمني لتحقيق هذه الأرباح.

زوكربيرغ يوضح خطط ميتا

خلال اجتماع فصلي مع المستثمرين والمحللين في يناير، قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، إن عام 2024 شهد إطلاق بعض منتجات الذكاء الاصطناعي، وإن هذا العام سيشهد تركيزاً على تحسين الأدوات وزيادة معدلات الاستخدام وترسيخ “ميزة مستدامة” أمام المنافسين.

وأضاف محذراً: “لكن هذا لا يعني أنه سيشكل مساهمة رئيسية في أعمالنا خلال هذا العام”. وأوضح أن “التحسينات ستتمثل في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلانات والتوصيات والمحتوى والأمور المماثلة”. وفي جميع الأحوال، سيواصل المستثمرون محاولة استقراء المؤشرات المستقبلية.

إذا تمكنت شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى يوماً ما من إدهاشنا بأداء أو نتائج مذهلة بالطريقة نفسها التي فعلتها “إنفيديا” بين عامي 2022 و2024، فقد تكون السوق بأكملها مقيّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، وقد نشهد مكاسب إنتاجية فعلية تساهم في دفع الاقتصاد بأسره. (ولا أستبعد احتمال أن ينتهي هذا كله بخيبة أمل، لكنني فقط أحاول توضيح السيناريو الإيجابي المحتمل).

عوامل داعمة على مستوى القطاعات

بعيداً عن العوامل الاقتصادية الكبرى، هناك بعض العوامل أو الفرص داخل قطاعات محددة يمكن أن تحقق نتائج إيجابية. فقد أعلن الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء أنه سيخفض ما يُعرف بنسبة الرافعة المالية التكميلية، (وهي قاعدة تلزم البنوك بالاحتفاظ بنسبة أمان إضافية من أموالها مقابل القروض والاستثمارات التي تقوم بها) مما يمنح البنوك مرونة أكبر في إدارة ميزانياتها العمومية.

كما يبدي محللو القطاع المصرفي تفاؤلاً إزاء فرص اندماجات جديدة تحت إشراف ميشيل بومان، النائبة الجديدة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمسؤولة عن الإشراف الرقابي.

كانت أسهم شركات الرعاية الصحية الكبرى من بين الأكثر تراجعاً ضمن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” هذا العام، رغم استفادتها غير المباشرة من الأدوية الثورية الجديدة لعلاج السمنة المعروفة علمياً باسم “GLP-1″، والتي طورتها شركة “إيلي ليلي” (Eli Lilly & Co). وإذا تبين أن المخاوف الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية والتسعير مبالغ فيها، قد يتوفر مجال واسع للتعافي.

من الطبيعي أن تشعر بالقلق عندما ترى مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” يرتفع إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، في ظل الكثير من المخاطر الواضحة التي قد تهدد الأسواق لاحقاً.

الرسوم الجمركية في أعلى مستوياتها

حتى مع كل مرات التأجيل أو التراجع الطفيف في الإجراءات، لا تزال معدلات الرسوم الجمركية الفعلية عند أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من ثمانية عقود.
في حين تنتظر الأسواق نتائج تحقيقات تجارية رئيسية واقتراب موعد بدء سريان “الرسوم الجمركية المتبادلة”، من المحتمل أن ترتفع التعريفات الجمركية مرة أخرى، وقد لا يتمكن الاقتصاد من استيعاب آثارها بالكامل إلا بعد أن تنتهي الشركات من تصريف مخزون ما قبل فرض الرسوم.

تهديدات جيوسياسية مستمرة

وعلى صعيد الجغرافيا السياسية، ألقى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، خطاباً استفزازياً يوم الخميس، في تذكير بأن التهديد في الشرق الأوسط قد تراجع لكنه لم يختفِ تماماً.

كشف تقرير هذا الأسبوع أن طلبات إعانات البطالة بلغت أعلى مستوى لها منذ نوفمبر 2021، ما يعكس استمرار بطء وتيرة التوظيف بشكل يبعث على الإحباط، رغم محدودية حالات التسريح.

إن سوق الأسهم مكان محفوف بالمخاطر، وستظل الأخطار تهدد مساره دائماً. ومع ذلك، يبقى هناك هامش لاحتمال أن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح، وقد نعود بعد عام من الآن لنكتشف أن هذه لم تكن فترة غير مناسبة تماماً  لشراء بعض الأسهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *