“تيثر” وإدارة ترمب.. مزيج قد ينذر بمخاطر
ربما لا يوجد ما يعبر عن مخاطر العملات المشفرة أفضل من حالة شركة “تيثر هولدينغز” (Tether Holdings Ltd).
“تيثر” هي ما يُعرف بالعملة المستقرة، وتهدف إلى معالجة أحد أكبر عيوب العملات المشفرة، وهو التقلب الشديد، من خلال محاكاة العملات التي تصدرها الحكومات، والتي كانت العملات الرقمية تهدف إلى استبدالها.
مقابل الدولارات الحقيقية، توفر “تيثر” رموزاً رقمية مقومة بالدولار يمكن إرسالها عبر منصات مختلفة لأي شخص وفي أي مكان، من دون المرور بالنظام المالي الخاضع للتنظيم.
بشكل مثير للدهشة، نجحت “تيثر” في البقاء رغم العديد من الأزمات، لتصبح العملة المستقرة المفضلة في عالم العملات الرقمية.
حققت ذلك رغم ممارسات كان من شأنها أن تتسبب في انهيار بنك تقليدي، مثل إقراض الدولارات التي يحتفظ بها العملاء بشكل فعلي لمنصة تداول عملات رقمية مرتبطة بها وتفتقر إلى السيولة.
ومع أن “تيثر” تدار من قبل شركة مسجلة في جزر العذراء البريطانية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بجزء كبير من “احتياطياتها” في “بتكوين” وقروض واستثمارات غير محددة، كما تسعى للتوسع في تمويل السلع. وتملك حالياً رموزاً متداولة بقيمة حوالي 120 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريباً بنكاً متوسط الحجم في الولايات المتحدة.
الضرر المحتمل
ما الضرر المحتمل؟ الكثير بالفعل حدث. فقد استخدمت مجموعة من الشخصيات والكيانات المشبوهة، بما في ذلك تجار أسلحة من روسيا، وعصابات من أيرلندا، وقراصنة من كوريا الشمالية، وحركة “حماس”، العملة المستقرة لتحويل مليارات الدولارات.
وعلى الرغم من أن شركة “تيثر” تتعاون أحياناً مع السلطات لتجميد الرموز، إلا أن ارتباطها المستمر بالنشاطات الإجرامية يشير إلى أن هذه الجهود ليست كافية تماماً. وفقاً لتقارير إخبارية، تحقق النيابة الفيدرالية في شأن الشركة، بينما تدرس وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات عليها، ما يعني حظر الأميركيين من التعامل معها. (وقد نفت “تيثر” ارتكاب أي مخالفات).
لكن الآن، فإن فوز الرئيس المنتخب دونالد ترمب قد غيّر تماماً مستقبل “تيثر”. فقد أبدى ترمب ومعاونوه دعماً كبيراً للعملات المشفرة. ورشح لمنصب وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي يدير شركة “كانتر فيتزجيرالد” (Cantor Fitzgerald LP)، التي أبرمت مؤخراً صفقة للحصول على حصة 5% في “تيثر”، وتجني عشرات الملايين من الدولارات سنوياً من حفظ أصولها، وسعت إلى إشراكها في خطة لإقراض مليارات الدولارات مقابل “بتكوين”. ورغم أن لوتنيك يقول إنه سوف يتنحى عن أعماله إذا تم تأكيد تعيينه، إلا أنه ظل داعماً صريحاً لـ”تيثر”.
هذا المزيج، ترمب و”تيثر”، يطرح العديد من المشكلات المحتملة، واثنتان منها تبرزان بشكل خاص.
التأثير على النظام المالي
أولاً، كلما توسعت “تيثر” وزادت المخاطر التي تتحملها وأصبحت مترابطة مع شركات وول ستريت مثل “كانتر”، زاد احتمال أن تؤدي أزمات العملات الرقمية إلى التأثير على النظام المالي الأوسع. ثانياً، قد تؤدي عودة “تيثر” للنمو إلى توسيع كبير في الفرص للنشاطات غير المشروعة، مما يقوض قدرة الحكومات على مكافحة الجريمة ومواجهة الإرهاب وتنفيذ العقوبات. فقد تضاعف حجم التداول بعد الانتخابات، ليصل إلى حوالي 4.6 تريليون دولار في نوفمبر.
لا شك أن سكوت بيسنت وجاي كلايتون، مرشحي ترمب لقيادة وزارة الخزانة ومكتب المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك، يدركان هذه المخاطر. وربما يدرك بعض المشرعين ذلك أيضاً. من المثالي أن يفرض الكونغرس النظام، من خلال مطالبة مصدري العملات المستقرة بالاحتفاظ بأصول آمنة وسائلة فقط، وتحمل مسؤولية أكبر في مراقبة التداول، والإبلاغ عن النشاطات المشبوهة. وإذا لم يحدث ذلك، ينبغي على بيسنت وكلايتون استخدام صلاحياتهما الواسعة، بما في ذلك فرض العقوبات والملاحقات القانونية، لتحقيق هذا الهدف.
في النهاية، قد يكون للعملات المستقرة، أو على الأقل التكنولوجيا التي تقف وراءها، فوائد كبيرة، بما في ذلك جعل تحويل الأموال أسرع وأرخص وأكثر شفافية. ومن مصلحة الجميع ألا تتحول إلى أداة للجريمة أو تهديد للاستقرار المالي.