تمكين ريادة الأعمال: رؤية “شراع” لإمارة الشارقة

تشكيل الشركات الناشئة ودفع عجلة النمو وبناء مركز عالمي لريادة الأعمال
تشارك نجلاء المدفع، نائب رئيس مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع)، رؤيتها حول دور المركز في تعزيز بيئة الشركات الناشئة المزدهرة في الشارقة.
وتسلط المدفع الضوء على طموح المدينة في أن تصبح مركزاً عالمياً للابتكار وريادة الأعمال الشاملة، بدءاً من دعم التمويل للقطاعات الناشئة، مروراً ببرنامج زمالة الشارقة لصانعات الأثر، وصولاً إلى شعار مهرجان الشارقة لريادة الأعمال 2026.

كيف ساهم مركز شراع في تشكيل منظومة الشركات الناشئة في الشارقة، وكيف يساعد المؤسسين على الوصول إلى التمويل؟
عندما تأسس مركز شراع، كانت الشارقة تمتلك العديد من مقومات البيئة الريادية القوية: جامعات متميزة وإرث إبداعي عريق،وحكومة داعمة. لكن ما كان ينقصها هو الرابط بين مختلف عناصرها، مسار يُمكّن المؤسسين من الانتقال بثقة من الفكرة إلى التحقق من جدواها ثم التوسع. وقد انصبّ عملنا على مدى العقد الماضي على بناء هذا المسار بطريقة عملية وشاملة، تراعي واقع المؤسسين.
ومن خلال دمج مبادرة شراع في جامعات الشارقة ومؤسساتها الابتكارية، أنشأنا مساراً واضحاً ومتكاملاً يرافق رواد الأعمال من مرحلة الفكرة الأولية وحتى دخول السوق.
وتعكس الأرقام الأثر التراكمي لهذا النهج: دعم أكثر من 450 شركة ناشئة وتحقيق إيرادات تجاوزت 370 مليون دولار وجذب استثمارات تقارب 300 مليون دولار وتوفير أكثر من 2,600 فرصة عمل. والأهم من ذلك هو استدامة هذه الشركات، إذ لا تزال أكثر من نصفها تعمل حتى اليوم، وأكثر من نصفها بقيادة سيدات، وهذا دليل على ثراء قاعدة المواهب في الشارقة.
ويُعدّ تصنيف الشارقة في المرتبة السابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن تقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة مؤشراً على التقدم، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً، لا سيما فيما يتعلق بتيسير الوصول إلى رأس المال.
يبقى التمويل أحد أبرز التحديات التي تواجه مؤسسي الشركات الناشئة في المنطقة. وبدلاً من الاعتماد على علاقات عابرة، ركز مركز شراع على بناء مسارات منظمة للحصول على رأس المال، والأهم من ذلك، الوصول إلى العملاء الأوائل. ففي الكثير من الأحيان، يُعدّ وجود عميل مبكر ذي مصداقية دليلاً أقوى على جدوى المشروع من مجرد الحصول على تمويل أولي.
ومن خلال شراكات مُنسقة مع المستثمرين والشركات والجهات الحكومية، يساعد مركز شراع مؤسسي الشركات الناشئة على إيجاد الشركاء المناسبين في المرحلة المناسبة. كما نحرص على أن تحظى المشاريع الناشئة في الشارقة بحضورٍ بارز في المحافل العالمية مثل مؤتمر “فيفا تك” وقمة “الويب”، حيث تتلاقى رؤوس الأموال والشراكات الدولية بشكلٍ طبيعي.
لطالما كان هدفنا تصميم بيئة تشجع الابتكار بشكل حقيقي، وتوفر للمؤسسين الوضوح والدعم والفرص اللازمة لبناء مؤسسات ذات قيمة طويلة الأمد. ويستمر هذا العمل بما يتماشى مع طموح دولة الإمارات الأوسع نطاقاً في أن تكون مركزاً عالمياً لريادة الأعمال.
ما هي القطاعات التي تُظهر أقوى إمكانات نمو، وما أبرز الاتجاهات الناشئة؟
تستند الاستراتيجية الاقتصادية للشارقة إلى المجالات التي تتمتع فيها الإمارة بمزايا طبيعية، وهي: التعليم والاستدامة والصناعات الإبداعية والتصنيع المتقدم. ويبني الجيل الجديد من المؤسسين مشاريعهم في هذه القطاعات بفهم أعمق للسوق وقدرات أكثر تخصصاً.
في مجالات التعليم والرفاهية وتكنولوجيا الدمج، يستجيب رواد الأعمال لفجوات حقيقية في أساليب التعلم وكيفية دعم المتعلمين ذوي الاحتياجات المختلفة. وتُعدّ “هوبلا” (Hoopla) مثالًا على ذلك، إذ تُعزز منهجيتها القائمة على اللعب الذكاء العاطفي لدى الأطفال من خلال أنشطة يومية بسيطة تُشرك كلًا من مقدمي الرعاية والأطفال.
وتقدم إشارة (Eshara) مثالاً آخر، حيث تستخدم صوراً رمزية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لترجمة لغة الإشارة العربية إلى نص وصوت. وتلبي هذه الابتكارات احتياجات عملية في الفصول الدراسية والمنازل وأماكن العمل في جميع أنحاء المنطقة.
وفي مجال الاستدامة والاقتصاد الدائري، يتبنى المؤسسون ابتكارات في مجال المواد ونماذج تحويل النفايات إلى قيمة، بما يتماشى مع أولويات الإمارات البيئية طويلة الأجل. وتعكس منتجات “بامبويو” (Bambuyu) الاستهلاكية المصنوعة من الخيزران، وحلول “ذا ويست لاب” (The Waste Lab) لتجديد التربة، والجلود النباتية المصنعة حيوياً من “ليوكيذر” (Leaukeather)، تحولاً متزايداً نحو الاستهلاك المسؤول وكفاءة استخدام الموارد.
كما تشهد الصناعات الإبداعية تحولاً جذرياً بفضل أدوات تُسهّل عملية الإنتاج، فتتيح منصة “ALStudio.ai” للمبدعين فرصة إنتاج صور وتعليقات صوتية عالية الجودة دون الحاجة إلى بنية تحتية تقليدية. ويُعدّ هذا الأمر بالغ الأهمية لمدينة الشارقة، لما تتمتع به من مؤسسات ثقافية عريقة وتراث غني في فنّ سرد القصص.
وفي مجال التصنيع المتقدم، يستفيد المؤسسون من القاعدة الصناعية لمدينة الشارقة وقدراتها البحثية والتطويرية لتسريع عملية تصميم النماذج الأولية وتطوير المنتجات. ويُعدّ “أي إم لاب” مثالاً بارزاً على ذلك، إذ يُقدّم خدمات الهندسة الدقيقة والتصنيع الإضافي التي تدعم الصناعات المحلية والإقليمية على حدٍ سواء.
في جميع القطاعات، يكمن القاسم المشترك في تركيز شراع على تصميم التحديات بالتعاون مع الشركاء الحكوميين والصناعيين. فعندما يلبّي المؤسسون احتياجات محدّدة ومثبتة، وعندما تتوفر لديهم مسارات واضحة للتوريد والتجريب، تكون النتائج أفضل بكثير. ما يثير حماسي أكثر هو الزخم الذي يحفّزه المبتكرون الشباب والمؤسسات النسائية والتقنيون المبدعون الذين يؤسّسون مشاريع ذات أهمية إقليمية وتنافسية عالمية متزايدة.


شعار مهرجان الشارقة لريادة الأعمال 2026 هو “حيث ننتمي.” كيف يشير هذا الشعار إلى رؤية الشارقة كمركز عالمي لريادة الأعمال؟
تأسس مهرجان الشارقة لريادة الأعمال برؤية صاحبة السمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، التي أدركت أن النظم البيئية تزدهر حيث يشعر الناس بالانتماء والتواصل، وليس فقط حيث توجد السياسات.
لطالما كان المهرجان أكثر من مجرد ملتقى، فهو فضاءٌ يجد فيه المؤسسون والمبدعون والمستثمرون وبناة النظم البيئية أنفسهم في قصص بعضهم البعض.
ويعبّر شعار “حيث ننتمي” عن حقيقة لاحظناها على مدار ثماني دورات. فالانتماء ليس مفهوماً فضفاضاً، بل هو شرط أساسي للابتكار. يقدم الناس على المخاطرة عندما يشعرون بالاستقرار ويتعاونون بشكل أعمق عندما تسود الثقة ويبنون بثقة أكبر عندما يشعرون بأنهم جزء من كيان أكبر من ذواتهم. توفر الشارقة نوعاً من الاستقرار والثقة الثقافية والدعم المؤسسي الذي يُقدّره العديد من المؤسسين.
لا نعرّف أنفسنا بالسرعة أو الحجم فقط، بل نركّز على قوة البيئة التي ينمو فيها رواد الأعمال. مع أكثر من 44,000 مشارك عبر ثماني دورات، أصبح مهرجان الشارقة لريادة الأعمال أحد أكثر التجمعات موثوقية في المنطقة، ومكاناً تُطرح فيه الأفكار وتُعزز ويُحتفى بها.
ومع دخول مهرجان الشارقة لريادة الأعمال دورته التاسعة، تبقى الرسالة واضحة: الشارقة موطن للأفكار الهادفة ورواد الأعمال الطموحين. يستطيع المؤسسون هنا بناء مشاريع ذات تأثير عالمي دون أن يفقدوا روح المجتمع التي تُساند مسيرتهم.
لماذا أطلق مركز شراع زمالة الشارقة لصانعات الأثر؟
أطلق مركز شراع زمالة الشارقة لصانعات الأثر لسدّ فجوة لاحظناها مراراً وتكراراً، فغالباً ما تفتقر رائدات الأعمال اللاتي حققن نجاحاً واضحاً وقدّمن منتجات قوية إلى الوصول إلى الشبكات وعلاقات المستثمرين وأطر القيادة اللازمة للتوسع. لم يكن الأمر متعلقاً بالقدرات، بل بالوصول والظهور.
تم إطلاق الزمالة برعاية صاحبة السمو الشيخة بدور، وتقدّم رحلةً مدتها 16 أسبوعاً تركّز على الوضوح الاستراتيجي والاستعداد للمستثمرين وتحديد الموقع في السوق، بدعم من منحةٍ غير مشروطة بحصص ملكية.
تُزيل هذه المنحة مخاوف تخفيف حصص الملكية، ويوفر التعلم المنظم الدعم اللازم للانتقال من النجاح المبكر إلى النمو المستدام.
ويكمن سر فعالية زمالة الشارقة لصانعات الأثر في قوة منظومة شراع الداعمة لها. فالتوجيه والإرشاد والشراكات مع المؤسسات والهيئات الحكومية وجلسات نقاش المستثمرين ومنصات مثل مهرجان الشارقة لريادة الأعمال، تساهم جميعها في تقدّم رائدات الأعمال.
وبما أن النساء يمثّلن أكثر من 50 في المئة من محفظة مركز شراع، تضمن الزمالة تحويل الإمكانات المبكرة إلى قيادةٍ طويلة الأمد. إن المؤسسين الذين تم اختيارهم لا يقومون ببناء شركات فحسب، بل إنهم يشكلون مستقبل اقتصاد الابتكار في دولة الإمارات.


اقرأ أيضاً: إدارة المعيشة المجتمعية الفاخرة في أبوظبي
ما هي أكبر التحديات التي تواجه المشاريع التي تقودها النساء، وما هي النصائح التي تقدمينها لهن؟
إنّ أبرز العقبات التي تواجه المشاريع التي تقودها النساء اليوم هي عقبات هيكلية. فما زالت فرص الظهور والوصول إلى شبكات المستثمرين ذوي القيمة العالية وفرص التوريد غير متكافئة. ولا يعود استمرار هذه الفجوات إلى نقص في قدرات النساء، بل إلى تجانس دوائر صنع القرار، حتى وإن كان ذلك دون قصد.
ومن التحديات الأخرى التصنيف. فقد ساهم مصطلح “رائدة الأعمال” في تسليط الضوء على أوجه عدم المساواة، إلا أنه إذا استُخدم دون قصد، فقد يصبح إطاراً مقيِّدًا. فالهدف ليس المشاركة فحسب، بل هو ترسيخ القيادة كأمر طبيعي.
تستند نصيحتي إلى ما لاحظناه في مختلف مشاريعنا:
- امنحن الأولوية للعملاء الأوائل. فالإيرادات شكل من أشكال رأس المال الذي لا يقدَّر، وغالباً ما تكون مؤشر أقوى على النجاح من الاستثمار الخارجي.
- كنّ دقيقات في اختيار المجالات التي تدخلنها. فالفرص الحقيقية تتشكل قبل اتخاذ القرارات بوقت طويل.
- استثمرن في القطاعات الواعدة. فمجالات مثل الاستدامة والذكاء الاصطناعي والصحة الرقمية والصناعات المتقدمة تمنحكن ميزة تراكمية قوية على المدى الطويل.
وقبل كل شيء، أشجع المؤسسات على عدم اعتبار التحديات النظامية قصوراً شخصياً، فالبيئة هي التي تحتاج إلى التطور، لا طموح النساء أو قدراتهن.
سيتحقق التقدم الحقيقي عندما تحدد الجدارة النتائج باستمرار، وعندما يصبح مصطلح “رائدة أعمال” غير ضروري. هذا هو مؤشر اقتصاد الابتكار الناضج والعادل.
انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات الخاصة.



