تقارب مصر وتركيا يفتح كوّة بجدار الصراع المستحكم في ليبيا
تستتند مصر وتركيا إلى زخم صداقتهما الجديدة لمحاولة حل الصراع على السلطة في ليبيا، العضو في “أوبك”، والذي يهدد بالتحول إلى حرب أهلية.
بعد أن دعمت كل منهما طرفاً مختلفاً في النزاع الليبي قبل خمس سنوات، تسعى القاهرة وأنقرة الآن للضغط على الحكومتين المتخاصمتين للتوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط المدمر لاقتصاد البلاد، وفقاً لمسؤولين ودبلوماسيين يتابعون القضية وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشتهم أموراً حساسة.
أولى ثمرات هذا التقارب، إجراء تركيا محادثات مع القائد العسكري الليبي خليفة حفتر، الحليف القديم لمصر والعدو اللدود لتركيا في حرب 2019-2020. مع العلم بأن البرلمان في شرق ليبيا الذي يدعمه حفتر على خلافٍ شديد مع الحكومة المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس والتي يديرها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة. وانتقل خلاف الطرفين مؤخراً إلى النزاع حول إدارة المصرف المركزي الذي يتحكم فعلياً بإيرادات ثروة البلاد النفطية الكبيرة.
نقاط الالتقاء
رغم وضوح حجم التحديات، وبينما تُعتبر مصر وتركيا جزءاً من القوى الأجنبية النافذة في ليبيا لا أكثر، إلا أن تأثيرهما المشترك خفّض بشكل كبير المخاوف من اندلاع حرب شاملة، حسبما أشار دبلوماسيون. وتوافَق ثلاثة مسؤولين ليبيين على دراية بالقرارات السياسية على أن تحسن العلاقات سيقلل بدرجة كبيرة من احتمالات اندلاع نزاع آخر في المستقبل القريب.
رفضت وزارتا الدفاع والخارجية في تركيا التعليق، فيما لم يتسنّ الوصول إلى وزارة الخارجية المصرية للحصول على تعليق.
الجهود المبذولة لمعالجة الانقسام في ليبيا تمثل إحدى النقاط المشتركة “حديثاً” بين تركيا ومصر، اللتين كانتا على خلاف كبير خلال معظم العقد الماضي بسبب دعم تركيا للجماعات الإسلامية السياسية. فمؤخراً تبنى الجانبان موقفاً مشتركاً ضد الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، كما تبيّن لهما أن مصالحهما تتوافق بشأن الحرب الأهلية في السودان، والعلاقة المضطربة بشكل متزايد بين الصومال وجارتها إثيوبيا.
“التحديات التي تواجه منطقتنا والعالم اليوم تؤكد بشكل قاطع على ضرورة التنسيق الوثيق والتعاون”، كما صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في وقتٍ سابق من هذا الشهر في انقرة، خلال زيارته الأولى لنظيره التركي رجب طيب أردوغان منذ تولّيه عام 2014 قيادة أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا.
تدهورت العلاقات بين البلدين بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 2013 من قِبل الجيش المصري، وهي خطوة انتقدها أردوغان بشدة لسنوات. وبدأ التحسن في العلاقات عام 2021، ليؤدي ذلك إلى مصافحة تاريخية بين السيسي وأردوغان في الدوحة خلال كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
أزمة البنك المركزي والنفط
المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بهدف حل الأزمة الليبية لم تؤتِ ثمارها بعد. بل تفاقمت الأمور منتصف أغسطس عندما أقالت حكومة طرابلس محافظ البنك المركزي الذي تولى المنصب لفترة طويلة، الصديق الكبير، المسؤول عن إدارة إيرادات ما يزيد عن مليون برميل من النفط الخام يومياً.
ردّت إدارة المنطقة الشرقية، التي كانت تربطها علاقات مع الكبير، على الإقالة بتعليق إنتاج وتصدير النفط الليبي. هذا القرار أثر بشكل ملموس على الأسواق، إذ قلّص إمدادات الخام التي تذهب بشكل أساسي إلى جنوب أوروبا.
علامات التقارب بين مصر وتركيا تظهر بوضوح على أرض ليبيا نفسها، فالمزيد من الشركات والعمال المصريين يعودون إلى طرابلس وأجزاء أخرى من غرب البلاد التي يسيطر عليها الحلفاء المحليون لأنقرة. في الوقت نفسه، تستعد الشركات التركية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في مناطق شرق ليبيا المتحالفة مع مصر، بما في ذلك محيط مدينة درنة حيث أدّت الفيضانات المدمرة العام الماضي لوفاة آلاف الأشخاص.
هذا الواقع المستجد يختلف كثيراً عمّا كانت عليه الأمور عام 2019، عندما تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، المدعوم من مصر والإمارات وروسيا، نحو طرابلس في محاولة للإطاحة بالحكومة المدعومة من تركيا. ويُقدّر أن أكثر من ألفي شخص، معظمهم من المقاتلين، قضوا نتيجة أشهر من القتال. وتوسطت الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق سلام أواخر 2020، لكن محاولات إعادة توحيد البلاد تحت قيادة دبيبة تعثرت والانتخابات الموعودة لم تجرِ.
ضرورة استراتيجية
عند الحدود الجنوبية لمصر، يُعتبر السودان، حيث اندلعت حرب أهلية منذ 17 شهراً، بلداً آخر قد تتلاقى فيها مصالح القاهرة وأنقرة، حيث استضافت كِلا العاصمتين عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، في زيارات رسمية منذ اندلاع النزاع. بينما لم ينل مثل هذا الاستقبال خصمه محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع التي تقاتل للسيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.
أما في الصومال، فقام البلدان بتوسيع حضورهما العسكري، حيث لدى تركيا بالدولة الواقعة في القرن الأفريقي أكبر قاعدة عسكرية خارجية، وتتطلع لإقامة موقع لاختبار إطلاق الصواريخ الفضائية.
بدورها، بدأت مصر تزويد جيش الصومالي بالأسلحة وتخطط لتدريب جنوده، بحسب تصريحات لوزير خارجية الصومال، وسط تزايد التوترات مع إثيوبيا المجاورة بسبب منطقة أرض الصومال الانفصالية. وتخوض القاهرة نزاعاً طويل الأمد مع أديس أبابا يتعلق ببناء سد ضخم على نهر النيل، تخشى مصر أن يؤثر على تدفق مياهه إلى أراضيها.
بالنسبة لأردوغان، يُعتبر تحسين العلاقات مع مصر جزءاً من خطةٍ أوسع لإصلاح العلاقات مع القوى العربية وتعزيز اقتصاد بلاده عبر زيادة الاستثمارات والصادرات. وشهدت علاقات تركيا مع السعودية والإمارات تحسناً ملموساً في السنتين الأخيرتين.
ويرى مراد يشيل تاش، مدير السياسات الأمنية بمركز أبحاث سيتا في أنقرة، الذي يقدم المشورة لحكومة أردوغان، في مقال نُشر هذا الشهر، أن “الحرب الأهلية السودانية، والنزاع بين مصر وإثيوبيا، وزيادة خطر الصراع العسكري والسياسي بين الصومال وإثيوبيا، تمثل ديناميكيات هيكلية تؤثر بشكل استراتيجي على العلاقات بين تركيا ومصر”، معتبراً أن “التعاون بين أنقرة والقاهرة يبرز كضرورة استراتيجية”.