تغير موقف ترمب من الرسوم الجمركية يثير قلق الأسواق والمنظمات التجارية

يُصور الرئيس دونالد ترمب خطة الرسوم الجمركية الحديثة على أنها نصر استراتيجي، بينما لا ترى الأسواق وقادة الأعمال إلا مزيداً من الاضطرابات في الفترة المقبلة.
انخفضت الأسهم يوم الخميس مع تزايد القلق بين المستثمرين مجدداً خشية أن يؤدي طول فترة التوترات التجارية إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد العالمي. أفضى ذلك إلى تلاشي حالة النشوة التي سادت “وول ستريت” الأربعاء لنصف يوم بعد تعليق ترمب رفع الرسوم الجمركية على عشرات الدول.
مع استقرار الأوضاع صباح اليوم التالي، اتضح نطاق الحرب التجارية التي يشنها ترمب مجدداً عندما أصدر البيت الأبيض أمراً يوضح أن التعريفات الجمركية التي فُرضت على الصين خلال ولاية ترمب الثانية لن تقل عن 145%. وحتى في ظل الإعفاء المؤقت للشركاء التجاريين الآخرين، فإن تطبيق هذا المعدل سيؤدي إلى ارتفاع متوسط الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية، وفق “بلومبرغ إيكونوميكس”.
خدعة تفاوضية
أقر ترمب الخميس بمواجهة “مشكلات انتقالية” خلال الفترة المقبلة، إلا أنه عبر عن ثقته في استراتيجيته وقال للصحفيين: “سيكون الوضع رائعاً في النهاية”.
تحفظ الرئيس في الرد على سؤال عن موجة البيع الكثيف للأسهم، مشيراً إلى أنه لم يطلع على التفاصيل وكلّف وزير الخزانة سكوت بيسنت خلال اجتماع للحكومة بالإجابة عن سؤال الصحفي. وقد قلل بيسنت من أهمية موجة الانخفاض.
قال بيسنت: “الارتفاع نقطتان ثم الانخفاض نقطة ليس معدلاً سيئاً. في النهاية، سنحصل على وضوح أكبر للرسوم الجمركية خلال التسعين يوماً المقبلة”.
واصل مستشارو ترمب تصوير تراجعه عن فرض التعريفات الجمركية للعامة على أنه مناورة تفاوضية مقصودة، وليست مدفوعة بذعر السوق -بالأخص سوق السندات- كما أشار الرئيس بنفسه.
أوضح ترمب أن إبرام أول اتفاق بشأن التعريفات الجمركية مع شريك تجاري بات “وشيكاً”، فيما أشار وزير التجارة هوارد لوتنيك إلى أن دولاً تقدم اقتراحات “ما كانت لتطرحها أبداً لولا الإجراءات التي اتخذها الرئيس”.
كشف مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض كيفين هاسيت في وقت سابق على قناة “سي إن بي سي” أن المفاوضات التجارية مع عدد من نظراء الولايات المتحدة وصلت “مرحلة متقدمة جداً”، ومن بينها اتفاقيات كادت تُبرم الأسبوع الماضي. وتوقع “زيارة عدد كبير من زعماء العالم البيت الأبيض خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة”.
تداعيات محتملة
مع ذلك، ظهرت دلائل على مخاطر اقتصادية محتملة في كل مكان تقريباً.
فارتفاع متوسط معدل الضرائب على الواردات إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقد قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وكبح النمو الاقتصادي، ما قد يُضعف أي زخم بعدما أوضحت البيانات الجديدة تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة بمعدل يتجاوز التوقعات في مارس.
كما لم تظهر أي بوادر على تراجع حدة الصدام بين الولايات المتحدة والصين، ما يدفع علاقة تجارية بقيمة 690 مليار دولار إلى حافة الانهيار. وقد بدأت “أمازون”، عملاقة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، في إلغاء الطلبيات القادمة من الصين ودول أخرى في آسيا، بحسب ما كشفته “بلومبرغ”.
سبق أن أشار ترمب إلى أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى طفرة في الصناعة والوظائف في الولايات المتحدة، وأصر على أنه ينبغي على الأميركيين تحمل معاناة قصيرة الأجل في سبيل تحقيق مكاسب طويلة الأمد. غير أن تغير موقفه أثار الشك في عزمه المضي قدماً.
كما أقر الأربعاء بأنه قرر تعليق التعريفات بعد متابعته لرد فعل سوق سندات الخزانة، مشيراً إلى شعور الناس “بقدرٍ من القلق”.
بينما أثار قرار التعليق بهجة المستثمرين -لبضع ساعات على الأقل- أشار عديد من الرؤساء التنفيذيين إلى أنها كانت مؤقتة، فقد يغير ترمب موقفه مجدداً.
لا تزال احتمالات التوصل إلى اتفاق مع الصين ضئيلة مع تمسك الرئيس شي جين بينغ بموقفه. فيما وسعت الحكومة الصينية نطاق الرد يوم الخميس ليشمل فرض قيود على الأفلام الأميركية. كذلك، لم يتضح ما إذا كان ترمب سيتمكن من التوصل إلى اتفاقات مع الدول الأخرى، حيث أشار الخميس إلى أنه “لا بد أن نحصل على صفقة ترضينا”، لكنه لم يكشف علناً تفاصيل تُذكر عن المعايير المحددة لما سيقبله.
تزايد الضبابية
أعرب ستيف لامار، رئيس رابطة الملابس والأحذية الأميركية، عن قلقه من “السياسة الجمركية المتقطعة”، وقال إن رغم ترحيبه بتعليق التعريفات، “فإنه مجرد خطوة أولى في إجراءات ينبغي أن تكون أكثر شمولاً وقابلية للتنبؤ واستمراراً إذا كنا نسعى لتشجيع الاستثمارات التي ستدعم زيادة الوظائف في الولايات المتحدة”.
كما زاد ترمب من حالة عدم اليقين في النظام بطرحه فكرة منح شركات بعينها إعفاءات من الرسوم، مشيراً إلى أنه سيدرس التفاوض على تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10%، وأوضح أن فرض المعدلات الأعلى سيعود إلى حيز التنفيذ في أوائل يوليو حال فشل المفاوضات.
كما كشف الرئيس عن اعتزامه تقييم الوضع واتخاذ القرارات “بالاعتماد على الحدس أكثر من أي عامل آخر”.
أدت الإجراءات التي فُرضت دون عناية إلى تزايد الصدمات على النظام أحياناً؛ فقرار البيت الأبيض الذي صدر صباح الخميس بفرض أحدث معدلات الرسوم الجمركية كشف أن معدل 125% الذي فرضه على الصين لم يشمل رسوماً فُرضت سابقاً مرتبطة بمخدر الفنتانيل. ما رفع معدل التعريفة الجمركية الجديدة على الصين إلى 145% بالإضافة إلى الرسوم السابقة، ومن بينها ما فرضه الرئيس خلال ولايته الأولى.
منظمات تجارية تختار الصمت
رغم تراجع ترمب عن رفع الرسوم الجمركية على نحو 60 شريكاً تجارياً، فقد هدد بتطبيقه على غيرهم. كما يخطط الرئيس لفرض تعريفات جمركية أخرى على الأدوية والخشب ورقائق أشباه الموصلات والنحاس، وربما المعادن الحرجة أيضاً. وستُضاف كلها إلى الرسوم الجديدة الشاملة.
ديفيد فرينش، النائب التنفيذي لرئيس “الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة” لشؤون العلاقات الحكومية، قال إن الاتحاد وأعضاءه يقدرون إرجاء فرض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، لكن تطبيق التعريفة الجمركية الشاملة بنسبة 10% سيسبب معاناةً اقتصاديةً رغم ذلك.
وتابع: “لا تزال الرسوم الجمركية العالمية سارية، وتشكل ارتفاعاً كبيراً في الضرائب على الواردات. كما أن التصعيد مع الصين مقلق، بالأخص للشركات التي يتعذر عليها تغيير مصادر إمداداتها. نتفق على الحاجة إلى تجارة أفضل، لكن علينا استخدام أدوات أخرى بخلاف الرسوم الجمركية للوصول إلى هذه الصفقات”.
واصلت المنظمات التجارية الأخرى التزام الصمت، فعلى سبيل المثال، لم تُدلِ غرفة التجارة الأميركية والاتحاد الوطني للمصنعين بأي بيانات رسمية جديدة منذ القرار الذي اتخذه الرئيس الأربعاء، وسبق أن حذرت المنظمتان من تبعات الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب.
يواصل فريق ترمب تشكيل جبهة موحدة، وقالت وزيرة الزراعة بروك رولينز إن الإدارة الأميركية تتابع تداعيات الرد الصيني “على مدار الساعة”.
وأضافت: “سنشهد مزيداً من التحركات والتكيف في السوق خلال الفترة المقبلة”، لكنها أكدت أن الحكومة منفتحة على دعم المزارعين إذا دعت الحاجة، إذ يشكلون شريحة أساسية من مؤيدي ترمب.