“ترمب 2.0”.. حقبة تقلق أبرز الحلفاء قبل الخصوم
يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لبدء ولايته الثانية، المعروفة بـ”ترمب 2.0″ التي تشير إلى حقبة جديدة قد تعيد تشكيل الاقتصاد الأميركي والعالمي، خصوصاً مع حصوله على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب.
اللافت في مؤشرات الولاية الجديدة، وما تحمله معها من سياسات ونتائج، أنها دفعت أبرز الحلفاء، إلى التفكير في كيفية التعامل مع ترمب وإدارته، خصوصاً وسط سياسات اقتصادية لا تساوي بين الحلفاء والخصوم، ولكنها لا تميز بينهما كثيراً.
معاناة الاتحاد الأوروبي تتواصل
أبرز هذه السياسات تتمثل في تهديده بفرض رسوم تصل إلى 60% على البضائع الصينية، و10% على البضائع من كل الدول الأخرى، وذلك بهدف تقليص العجز التجاري مع دول العالم.
سبق للاتحاد الأوروبي أن ذاق هذه الرسوم في 2018، عندما فرضت على واردات الصلب والألمنيوم، ما دفع التكتل إلى استهداف الشركات الحساسة سياسياً برسوم انتقامية.
ولكن هذه المرة لن تكون كسابقاتها، إذ استعد التكتل الذي صدّر بضائع إلى الولايات المتحدة بقيمة 502 مليار دولار في 2023، لسيناريو يكون فيه ترمب منتصراً. وأفادت “بلومبرغ” في أكتوبر الماضي، بأن الاتحاد أعد قائمة بالسلع الأميركية التي يمكن استهدافها بالتعريفات الجمركية الانتقامية.
الاختلاف لا يكمن فقط في التحضير المسبق، إذ من شأن الرسوم الأميركية في حال تنفيذها أن توجع اقتصادات أوروبا التي تعاني منذ فترة.
وحذر رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل في نوفمبر الجاري وقبل إعلان ترمب فوزه، من أن الرسوم التجارية قد تكلف ألمانيا 1% من الناتج الاقتصادي، وأضاف: “هذا أمر مؤلم للغاية علماً بأن اقتصادنا لن يسجل نمواً على الإطلاق هذا العام، وربما دون 1% في العام المقبل، حتى قبل خطة الرسوم الجمركية الأميركية. وإذا طُبقت الرسوم الجديدة بالفعل، فمن الممكن أن ينزلق الاقتصاد إلى المنطقة السلبية”.
يُتوقع أن يشهد الاقتصاد الألماني عاماً كاملاً ثانياً من الانكماش في 2024، إذ تعاني الدولة التي تركز على التصدير من ضعف الطلب العالمي، وتراجع التصنيع وتداعيات أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
ثاني أكبر اقتصاد في التكتل ليس بوضع أفضل، إذ أشار محافظ بنك فرنسا فرانسوا فيليروي دي غالهاو في الشهر ذاته، إلى أن فوز ترمب يهدد النمو، وقال لإذاعة “فرانس إنتر” إن “نتيجة الانتخابات الأميركية تزيد المخاطر على الاقتصاد العالمي”.
وقال نظيرهما الفنلندي أولي رين لتلفزيون “بلومبرغ” في الشهر ذاته أيضاً، إن تأثير الرسوم الأميركية سيظهر على “المدى المتوسط إلى الطويل”.
ولكن هناك نقطة مضيئة بالنسبة لأوروبا، إذ من المتوقع أن تدعم سياسات ترمب الاقتصادية سعر الدولار، وهو ما ظهر في الأسابيع الأخيرة حيث ارتفع إلى أعلى مستوى في عامين. ويقدم احتمال ارتفاع الدولار، بصيص أمل لبعض الشركات الكبرى في أوروبا، خاصة تلك التي تعتمد على التصدير.
المملكة المتحدة ليست في مأمن
تجد المملكة المتحدة نفسها في موقع أكثر صعوبة، حيث تتعارض سياسات ترمب مع توجهات “حزب العمال” الحاكم، كما أن علاقاته مع قيادات حزب المحافظين ليست على أفضل حال.
بلغ إجمالي التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حوالي 304.3 مليار جنيه إسترليني خلال السنة المالية المنتهية في الربع الثاني من 2024، منها 188.2 مليار جنيه إسترليني صادرات بريطانية إلى أميركا، مما يحقق فائضاً لصالح المملكة المتحدة يبلغ نحو 72 مليار جنيه إسترليني، وهو رقم يُعد محدوداً مقارنة بدول أخرى.
في مقال نشره اللورد ويليام هيغ، الزعيم السابق لحزب المحافظين والمرشح لرئاسة جامعة أكسفورد، في صحيفة “التايمز” بتاريخ 5 نوفمبر، وصف ترمب بأنه “خطر جدي” و”علامة على اقتراب الظلام”، مشدداً على أهمية الالتزام بالديمقراطية بغض النظر عن الانتماءات السياسية السابقة. واعتبر هيغ أن عودة ترمب تهدد بتراجع “الشراكة المميزة” بين لندن وواشنطن، مشيراً إلى أن إدارة ترمب قد تتعامل مع المسؤولين البريطانيين و”كأنهم امتداد للحزب الديمقراطي”.
من المتوقع أن يضغط ترمب على المملكة المتحدة، كما هو الحال مع بقية الدول الأوروبية، لزيادة إنفاقها الدفاعي بشكل عاجل، مع تركيزه على الصفقات الاقتصادية. في الوقت نفسه، تثار مخاوف من أن يُحوّل اهتمامه بعيداً عن أوروبا نحو مناطق أخرى حول العالم.
وفي مقال نشرته “بلومبرغ”، يرى أدريان وولدريدج أن طبيعة ترمب غير المتوقعة تجعل من الصعب تحديد ما إذا كان سيفرض رسوماً على البلاد، أو تقدير حجمها إن حدث ذلك. ومع ذلك، يتوقع أن يتبنى ترمب سياسة اقتصادية توسعية تشمل خفض الضرائب وتقليل البيروقراطية وتعزيز إدارة الاقتصاد بأقصى طاقته، ما قد يجذب مواهب ورؤوس أموال من المملكة المتحدة، خصوصاً مع توجه حزب العمال نحو زيادة الضرائب وتشديد الضغط على الأثرياء.
دول الأميركتين في مرمى الرسوم
لعل بلدان الأميركتين أكثر من قد يتضرر من قدوم ترمب، خصوصاً أن العديد من هذه الدول تعتبر مصدراً للمهاجرين إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن الرئيس المنتخب قد يكون أكثر حدة في التعامل معها، نظراً إلى تعهداته بشأن هذا الملف في الحملة الانتخابية.
بداية مع المكسيك التي تعتبر أكبر مصدر للولايات المتحدة، ولكنها ليست صاحب أكبر فائض تجاري معها. بلغت قيمة البضائع المكسيكية المصدرة إلى أميركا نحو 475.2 مليار دولار، ما يعني أن الفائض لمصلحة المكسيك يبلغ نحو 152 مليار دولار.
لا يمثل هذا الفائض المشكلة الوحيدة، إذ صرح ترمب في مناسبات عدة أنه يبحث إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية بين البلدين، وعلى رأسها الاتفاقية التي أبرمها خلال ولايته الأولى مع المكسيك وكندا، لتحل مكان اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية “نافتا”.
كما انتقد ترمب المكسيك بسبب الهجرة، وحتى أنه وعد بالتدخل العسكري ضد عصابات المخدرات. وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير، إلى أن التعامل مع هذا المشهد من قبل زعماء المكسيك، في عهد الرئيسة الجديدة كلوديا شينباوم، سيكون محورياً، وقد يحدد نبرة الدبلوماسية في أميركا الشمالية لسنوات مقبلة.
أما كندا، والتي تعد شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة، فإنها في وضع أفضل قليلاً، ولو أن القلق من فرض رسوم جمركية لا يزال موجوداً.
تصدر كندا 75% من سلعها وخدماتها إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن فرض رسوم على الصادرات قد يضر باقتصادها بشكل كبير. وفي يوليو الماضي، قدر بنك تنمية الأعمال الكندي أن فرض رسوم بنسبة 10% على الصادرات، قد تخصم 7 مليارات دولار من الناتج المحلي الإجمالي الكندي في العام الذي يتم فيه فرض الرسوم، ما قد يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الدولار الكندي.
كما لدى كندا المخاوف ذاتها لدى المكسيك، تحديداً لجهة التفاوض على اتفاقية التجارة. ومن المتوقع أن يضغط ترمب أيضاً على كندا لزيادة إنفاقها الدفاعي في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
التقارب الصيني البرازيلي
البرازيل ليست أفضل حالاً في ظل “ترمب 2.0″، خصوصاً وسط تقارب بين الرئيس البرازيلي “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا” المعروف اختصاراً باسم لولا، والصين.
آخر ثمرات هذا التقارب تمثل في مشروع بنية تحتية يفترض أن يربط البلاد بالبيرو، وهو جزء من شبكة أوسع من الطرق الجديدة أو المحدثة التي تهدف إلى ربط الأراضي البرازيلية الشاسعة بجيرانها في أميركا الجنوبية، وصولاً إلى المحيط الهادئ، ومن ثم إلى الصين.
لكن هذا التوجه أثار قلق الولايات المتحدة حتى قبل فوز ترمب بالانتخابات، حيث حذرت إدارة الرئيس جو بايدن البرازيل من المضي قدماً في تعزيز علاقاتها بالصين أو الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني. وتتجه إدارة ترمب لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الدول الحليفة التي تسعى لتبني علاقات وثيقة مع بكين، خصوصاً مع تعاظم نفوذ الصين في القارة.
شهدت دول أميركا اللاتينية نمواً كبيراً في الاستثمارات الصينية. وبلغت قيمة هذه الاستثمارات في دول تكتل “ميركوسور”، والذي يضم البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي ومؤخراً بوليفيا، نحو 96 مليار دولار خلال العقد ونصف العقد حتى عام 2022. وتخطط الصين لزيادة هذا المبلغ إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2025.
أستراليا متخوفة
على المقلب الآخر من الكرة الأرضية، تتخوف أستراليا من الرسوم الجمركية التي قد تفرض على الصين. إذ قال كريستوفر كينت مساعد محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، إن هذه الرسوم قد يكون لها “تأثير سلبي” على أستراليا.
واعتبر أنه “في ما يتعلق بالرسوم الجمركية، لا نعرف حجمها وعلى من ستطبق”.
آسيا أمام وضع أكثر تعقيداً
في آسيا الوضع أكثر تعقيداً، إذ تراهن الهند على قدرتها على التعامل مع ترمب على رغم انتقاداته لها في عدة مناسبات، حتى أنه وصفها سابقاً بأنها “من أشد الدول استغلالاً لنظام التجارة الدولية”.
ونظراً إلى أن ترمب يعرف عن نفسه بأنه “رجل الصفقات”، فهناك فرصة لتبادل المنفعة على الأقل. ويثق المسؤولون في نيودلهي بقدرتهم على إعطاء الرئيس الجديد ما يحتاجه، سواء على المستوى السياسي أو الشخصي، وفقاً لما كتبه ميهير شارما في مقال رأي على “بلومبرغ”.
كما عقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤتمرات انتخابية مشتركة مع ترمب، وتخطط شركة الأخير لإقامة عدد من المشروعات في الهند يفوق نظيرها في أي دولة أجنبية أخرى.
اليابان في وضع صعب
أما اليابان، فتعيش وضعاً صعباً بسبب عودة ترمب، خصوصاً أن الأخير سبق وصرح بأن الشيء الوحيد الذي يحبه في البلاد هو أن الناس ينحنون بدلاً من المصافحة.
بفضل الدبلوماسية التي قادها رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، تجنبت اليابان حروب التجارة في الإدارة الأولى لترمب.
ولكن منذ ذلك الحين، ازداد فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، حيث ارتفعت صادراتها إلى هناك بأكثر من 40% مقارنة بعام 2016، متجاوزة ما تصدره إلى الصين. ويخشى المسؤولون من أن يطلب ترمب أيضاً من اليابان زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، في وقت تكافح البلاد لتحقيق هدف الإنفاق البالغ 2%، وفق “بلومبرغ”.
كما أن فوز ترمب من شأنه أن يؤثر على أسعار الصرف نظراً إلى سياساته التي تعزز قيمة الدولار، إذ يتوقع المحللون الاستراتيجيون في بنكي “كريدي أغريكول” و”ميزوهو” أن ينخفض سعر صرف الين نحو مستوى 160 يناً مقابل الدولار مع فوز ترمب، ليقترب من أدنى مستوى له منذ 38 عاماً سجله أمام العملة الأميركية في يوليو الماضي.
تايوان ترى في ترمب فرصة
تايوان ترى في فوز ترمب “فرصة” قد تصب في مصلحة الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، إذ يرى رئيس المجلس الوطني للتنمية في تايوان، ليو تشين تشينغ أن سياسات ترمب تجاه الصين قد تحقق “فوائد أكثر من الأضرار”، وتدفع الشركات التايوانية إلى نقل إنتاجها من الصين.
وذكر ليو أنه بالرغم من أن الجزيرة قد تواجه رسوماً جمركية بنسبة 10% على صادراتها، فإن “الأثر سيكون محدوداً، خاصة وأن غالبية الموردين في تايوان يركزون بشكل رئيسي على التصنيع التعاقدي لخدمة العملاء الأميركيين”.
ولكن هذا لا يعني أن الجزيرة تخلت عن القلق، خصوصاً بعدما أبدى ترمب في السابق شكوكاً بشأن التزام بلاده بالدفاع عن الجزيرة ضد أي تهديدات من بكين.
أما فيتنام، فحذر رئيسها لونغ كوونغ بشدة من مخاطر عالم بتعريفات جمركية أعلى، وهو أحد أقوى الانتقادات حتى الآن لنهج الرئيس الأميركي المنتخب.
تعتمد فيتنام بشدة على التصدير للولايات المتحدة، إذ تفيد بيانات مكتب الإحصاء الأميركي بأن البلاد صدرت ما يصل إلى 114.4 مليار دولار العام الماضي، في حين استوردت من أميركا ما قيمته 9.8 مليار دولار فقط، وفق مكتب الإحصاء الأميركي.
وقال كوونغ لقادة الحكومات والأعمال المجتمعين في قمة الرؤساء التنفيذيين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما، بيرو، الخميس: “إن الانعزالية والحمائية والحروب التجارية تؤدي فقط إلى الركود والصراع والفقر”، مضيفاً: “الآن أكثر من أي وقت مضى، من الأهمية بمكان تجاوز عقلية اللعبة الصفرية، والحذر من القومية التي تحرف القرارات السياسية”.
سياسة الغولف
كوريا الجنوبية، تدرك أن الشراكة مع الولايات المتحدة أساسية لاقتصادها. وبلغت قيمة صادراتها إلى الولايات المتحدة 116.1 مليار دولار العام الماضي.
ولتعزيز هذه العلاقة، أزال الرئيس يون سوك يول الغبار عن مضارب الغولف الخاصة به، في محاولة لبناء رابط مع ترمب الذي يحب هذه اللعبة، وهي خطوة أثبتت فعاليتها مع شينزو آبي الذي استطاع بناء علاقة شخصية مع ترمب من خلال إهدائه مضرب غولف ذهبي، وفقاً لـ”أسوشيتد برس”.
خفض النمو العالمي
إن تنفيذ ترمب لما وعد به خلال الحملة، وخصوصاً لناحية الرسوم الجمركية، من شأنه أن يغير الاقتصاد العالمي ويجعله أكثر فقراً، إذ تشير توقعات المحللين في “يو بي إس” إلى أن هذا السيناريو سيخفض النمو العالمي بنحو نقطة مئوية كاملة في عام 2026، ناهيك عن تبعات أخرى مثل عودة التضخم للارتفاع حول العالم، ما يعني العودة إلى أسعار الفائدة المرتفعة، وفقاً لما نقلته “سي إن إن”.
في المحصلة، فإن سياسات ترمب مع الخصوم مثل الصين واضحة وكثر الحديث عنها، ولكن الحلفاء اليوم من يبحثون عن مخرج من سياسات ترمب الجديدة، خصوصاً أنه بات اليوم أكثر قوة مع حصول حزبه على الأغلبية في الكونغرس الأميركي، ما يعني إمكانية أكبر لتمرير أي قانون أو تشريع يريد، سواء استهدف الحلفاء أم الخصوم.