اخر الاخبار

ترمب يوجه دفة الشركات الأميركية بشكل غير مسبوق لتحقيق أهدافه

لم يتطرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى هذا الأمر في حملته الانتخابية، ولم يطرحه حتى خلال ولايته الأولى، بل كان من المنتقدين لسلفه بشأنه. غير أنه كشف هذا الشهر استعداده لتسخير كامل أدوات الحكومة الأميركية للتدخل المباشر في شؤون الشركات، سعياً لتحقيق أهدافه الاقتصادية وتنفيذ سياساته الخارجية.

وبدعم من فريقه الذي يضم عدداً ممن عملوا بقطاع المال في وول ستريت، أقدم ترمب على خطوة غير مسبوقة، تمثلت في السعي لاقتطاع نسبة من إيرادات مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي المصدرة إلى الصين من شركتي “إنفيديا” (Nvidia) و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” (Advanced Micro Devices).

كما تجري الإدارة محادثات لشراء حصة قدرها 10% في شركة “إنتل” (Intel)، وهي خطوة قد تجعل الحكومة الأميركية أكبر مساهم في شركة صناعة الرقائق المحاصرة بالأزمات. وفي الشهر الماضي، قرر البنتاغون الاستحواذ على حصة أسهم ممتازة بقيمة 400 مليون دولار في شركة غير معروفة تعمل في مجال تعدين المعادن الأرضية النادرة.

قيمة “إنتل” تقفز بنحو 24 مليار دولار.. ومخاوف من تكرار فقاعة الإنترنت.. التفاصيل هنا.

هذه التحركات فاجأت خبراء السياسة المخضرمين في واشنطن ووول ستريت، إذ أقروا سراً وعلناً أنهم لم يشهدوا خطوات مماثلة طوال مسيرتهم المهنية الممتدة لعقود. وإذا تكللت هذه التحركات بالنجاح، فقد تجلب أرباحاً للمستثمرين من القطاع الخاص والموظفين العاديين من حائزي حسابات التقاعد 401 (كيه)، بينما تعزز موقع الولايات المتحدة في سباقها مع الصين على صعيد الأمن القومي. لكنها في الوقت نفسه تظل رهانات محفوفة بالمخاطر، قد تنتهي بخسائر يتحملها دافعو الضرائب وتحدث تشوهات في الأسواق لا يمكن التنبؤ بها.

قلق من سياسات ترمب

أعرب لي مونسون، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “بورتفوليو ويلث أدفايزرز” (Portfolio Wealth Advisors) التي تدير أصولاً بقيمة 390 مليون دولار، عن مخاوفه قائلاً: “أنا قلق للغاية من أننا سندخل في قطاعات متتابعة يبدأ فيها الرئيس بالقول: ’عليكم أن تدفعوا لنا لمجرد البيع دولياً‘. إلى أين سينتهي الأمر؟ لم أعد أعرف حتى كيف يمكنني الاستثمار في شركات تتعامل مع الصين وتمتلك حقوقاً فكرية في مجال التكنولوجيا المتقدمة”.

أصبح التدخل المباشر من إدارة ترمب في شؤون الشركات سمة بارزة لولايته الثانية. فترمب، الذي يصف نفسه بأنه صانع صفقات، يملك سجلاً متبايناً من النجاحات، لكنه تعهد بإضفاء طابعٍ تجاري أكبر على أسلوب الحكم في واشنطن.

بالإضافة إلى اتفاق الإيرادات مع شركتي “إنفيديا” و”أدفانسد مايكرو ديفايسز”، وخطة الاستثمار المحتمل في “إنتل”، حصلت إدارة ترمب أيضاً على “السهم الذهبي” من شركة “نيبون ستيل” (Nippon Steel) اليابانية لصناعة الصلب، مما يمنح الرئيس سلطة شخصية لاتخاذ قرارات تخص شركة “يونايتد ستيتس ستيل” (United States Steel). وفي مثل هذه الحالات، تختار الإدارة من يفوز ومن يخسر، وهو نهج يهدد مبدأ التدفق الحر لرأس المال.

قال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي في بيان عبر البريد الإلكتروني، إن “تركيز إدارة ترمب على صناعات مثل الصلب وأشباه الموصلات والمعادن الحيوية ليس عشوائياً، فهذه القطاعات تشكل ركائز أساسية لأمننا القومي والاقتصادي”.

وأضاف أن “التضخم المنخفض، وتريليونات الاستثمارات الجديدة، والاتفاقات التجارية التاريخية، ومئات المليارات من عائدات الرسوم الجمركية، جميعها تُشكل دليل على أن القيادة العملية للرئيس ترمب تمهد الطريق لعصر ذهبي جديد لأميركا”.

ترمب يتدخل في قطاع الرقائق

أثار ترمب دهشة الأسواق مطلع هذا الشهر بإعلانه أن شركتي “إنفيديا” و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” وافقتا على دفع 15% من إيراداتهما من مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين لصالح الحكومة الأميركية. هذه الخطوة أثارت استياء المستثمرين وخبراء التجارة والمشرعين وغيرهم، الذين عبروا عن خشيتهم من أن تكون مقدمة لانزلاق أكبر يسمح للحكومة الفيدرالية بفرض سيناريوهات الدفع مقابل السماح بالعمل في مختلف المجالات، بدءاً من المفاوضات التجارية ووصولاً إلى عقود الدفاع.

اقرأ أيضاً: حملة ترمب لتغيير النظام الاقتصادي العالمي تهدد عرش الدولار

كما زادت الشكوك مع ما تردد حول دراسة البيت الأبيض استخدام أموال “قانون الرقائق” للاستحواذ المباشر على حصة في شركة “إنتل”، في مؤشر على تغير طبيعة العلاقة بين شركات القطاع الخاص والحكومة الأميركية.

هذه الخطوة قد تُعطي دفعة ضرورية لخطة “إنتل” الطموحة لإنشاء مصنع جديد للرقائق في ولاية أوهايو، وهو مشروع حيوي لإحياء صناعة الرقائق داخل الولايات المتحدة، لكنه تعثر بسبب تراجع المبيعات وتفاقم خسائر الشركة. كما وافقت مجموعة “سوفت بنك” (SoftBank Group) هذا الأسبوع على شراء أسهم في “إنتل” بقيمة 2 مليار دولار في صفقة مفاجئة.

قد يهمك أيضاً: “إنتل” من أيقونة سيليكون فالي إلى العناية الفائقة برعاية ترمب

نموذج صيني داخل أميركا

في العادة لا تلجأ الحكومة الأميركية، ضمن اقتصاد السوق الحر، إلى شراء حصص في الشركات. لكن هناك استثناءات بالطبع، مثل ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009، حين تدخلت لدعم شركات كبرى مثل “سيتي غروب” (Citigroup) و”أميركان إنترناشونال غروب” (American International Group) و”جنرال موتورز” (General Motors). ورغم أن “إنتل” تواجه تحديات في أدائها التشغيلي، فإنها لا تقف على شفا انهيار وشيك.

لهذا السبب، كثيراً ما استخدم المستثمرون والمشرعون وخبراء الأمن القومي وآخرون جرى مقابلتهم، مصطلحات مثل “عدم اليقين” و”منطقة مجهولة” لوصف المخاطر المرتبطة بسياسات ترمب الجديدة.

قال غاري هوفباور، زميل أول في معهد “بيترسون للاقتصاد الدولي” (Peterson Institute for International Economics): “إنه توجه حكومي لم نعهده في الولايات المتحدة من قبل، إنه أشبه بنموذج صيني يشق طريقه داخل الحكومة الأميركية”.

أدوات ترمب الاقتصادية الجديدة

يشكل نهج إدارة ترمب تجاه الشركات العامة في عامه الأول من ولايته الثانية امتداداً للأدوات الاقتصادية التي استخدمها خلال ولايته الأولى. ففي ذلك الوقت، استعان بآليات تجارية لم تُفعل منذ سنوات أو حتى عقود، بدءاً من رسوم البند 301 المفروضة على دول بأكملها مثل الصين، وصولاً إلى رسوم البند 232 التي استهدفت قطاعات مثل الصلب والسيارات.

اقرأ أيضاً: “إس آند بي”: رسوم ترمب تحمي الاقتصاد الأميركي

ورغم أن هذه السياسات لم تحظَ بشعبية وأربكت الأسواق، إلا أن مؤيديها اعتبروا أنها نجحت في كبح سيل المنتجات الصينية والأجنبية التي أغرقت السوق الأميركية وأخرجت بعض الشركات المحلية من المنافسة.

واليوم، يواصل ترمب توسيع حدود استخدام أدوات جديدة في ولايته الثانية.

قال بيتر هاريل، الباحث غير المقيم في برنامج الدولة الأميركية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International Peace): “ما نراه هنا هو أنه عندما يتعلق الأمر بقضايا اقتصادية كبرى مثل الرسوم الجمركية ورسوم الصادرات، وكذلك صفقة شركة “إم بي ماتيريالز” (MP Materials)، فإن ترمب مستعد لدفع الحدود القانونية في هذه القضايا الاقتصادية الكبيرة بطريقة لم يفعلها خلال ولايته الأولى”.

من جانبها، أوضحت كايتلين ليغاكي، المسؤولة السابقة في وزارة التجارة بإدارة بايدن، أن دعم فكرة “الأبطال الوطنيين” قد يكون مبرراً، غير أن “غياب الشفافية” المحيط بهذه الصفقات يثير القلق.

وأضافت: “بدلاً من أن تتحول إلى قضية تتعلق بالأمن القومي أو الاستقلال التكنولوجي يمكن أن يلتف حولها الحزبان، تبدو هذه السياسات وكأنها أقرب إلى عملية ابتزاز”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *