ترمب يتجه لتحديد مستويات الرسوم على الدول بدل الدخول في مفاوضات

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيحدّد مستويات الرسوم الجمركية والتنازلات التجارية للشركاء الساعين لتجنّب الرسوم المتبادلة المرتفعة، في ما بدا أنه تراجع عن فكرة الدخول في مفاوضات متبادلة.
وأضاف ترمب يوم الثلاثاء في البيت الأبيض خلال لقائه رئيس الوزراء الكندي مارك كارني: “سوف نضع أرقاماً عادلة جداً، وسنقول: هذا ما نريده من هذا البلد، ومبروك، لدينا صفقة. إما أن يقولوا: ’رائع‘ ويبدأون في الشراء، أو يقولوا: ’سيئ‘”. وتابع: “سيكون رقماً عادلاً جداً، ورقماً منخفضاً. نحن لا نسعى إلى إيذاء الدول”.
علاقة أكثر ودية مع رئيس وزراء كندا
جاء لقاء يوم الثلاثاء بعد أسبوع فقط من فوز الحزب الليبرالي الكندي بقيادة كارني في الانتخابات، وهو الذي تعهّد بتعزيز الاستقلال الاقتصادي لبلاده، وحماية سيادتها في مواجهة الرئيس الأميركي، الذي تحدّث علناً من قبل عن جعل كندا الولاية الأميركية الـ51.
مع كارني، أشار ترمب إلى أنه يخطط لإقامة علاقة أكثر ودية مقارنة بتلك التي جمعته برئيس الوزراء السابق جاستن ترودو، الذي قال الرئيس الأميركي إنه “لم يعجبه”.
غير أن ترمب أعرب عن شكوكه في قدرة كارني على التوصل إلى اتفاق. وعندما سُئل عما إذا كان هناك شيء يمكن للزعيم الكندي أن يقوله لإقناعه برفع الرسوم الجمركية عن بلاده، أجاب ترمب: “لا”. وقال: “لا يوجد سبب يجعلنا ندعم كندا مالياً. كندا بلد يجب أن يكون قادراً على تدبير أموره الاقتصادية بنفسه”.
فيما كان ترمب يتحدث، ارتفع الدولار الكندي لفترة وجيزة إلى أعلى مستوياته منذ أكتوبر عند 1.375 دولار كندي مقابل الدولار الأميركي، قبل أن يتراجع إلى 1.377 دولار كندي في فترة بعد الظهر بتوقيت نيويورك.
ترمب سئم من الأسئلة عن موعد توقيع الاتفاقات
تأتي تصريحات ترمب فيما يسارع شركاء أميركا التجاريون إلى التفاوض مع الإدارة الأميركية لتجنّب رسوم جمركية أعلى. وكان الرئيس قد قال يوم الأحد إن أولى الصفقات قد تُبرم في أقرب وقت هذا الأسبوع.
غير أن تصريحاته الأخيرة تشير إلى إمكانية مواصلة تغيير النهج، وهو ما قد يزيد من اضطراب الأسواق المالية التي تعاني بالفعل من حالة عدم اليقين المرتبطة بسياساته التجارية.
وقال ترمب إنه سئم من الأسئلة حول موعد توقيع الاتفاقات التجارية. وأضاف: “لسنا مضطرين لتوقيع اتفاقيات. يمكننا توقيع 25 اتفاقاً الآن إذا أردنا. سنوقّع بعض الاتفاقات، ولكن الأهم من ذلك أننا سنحدد السعر الذي سيتعين على الدول دفعه للتسوق في الولايات المتحدة”.
وذكر ترمب أنه حصل بالفعل على بعض التنازلات من بعض الدول، قائلاً إن الهند وافقت على التراجع عن رسوم جمركية كانت تفرضها على سلع أميركية.
من جانبه، أشاد كارني بترمب، واصفاً إياه بأنه “رئيس تحويلي يركّز على الاقتصاد ويُظهر تصميماً لا يلين على دعم العامل الأميركي”، وأعرب عن رغبته في التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات “الدفاع والأمن، وحماية القطب الشمالي وتطويره”.
لكنه في الوقت نفسه ردّ على دعوات ترمب لضمّ كندا إلى الولايات المتحدة قائلاً: “كندا ليست للبيع، ولن تكون أبداً”.
أصرّ ترمب على أن هناك مزايا لانضمام كندا إلى الولايات المتحدة، لكنه قال إن موقف كارني لن يُفسد المباحثات بينهما. وقال: “ما زلت أعتقد ذلك، لكن، كما تعلمون، الأمر يتطلب طرفين للرقص. سيكون زواجاً رائعاً فعلاً”.
اتفاق على مزيد من المحادثات
قال كارني للصحفيين بعد الاجتماع إنه طلب من ترمب التوقف عن وصف كندا بالولاية الحادية والخمسين، لكنه لم يذكر كيف كان رد الرئيس. وعندما سُئل عمّا كان يفكر فيه داخل المكتب البيضاوي حين وصف ترمب الحدود الأميركية-الكندية بأنها “خط مصطنع”، أجاب كارني: “أنا سعيد لأنكم لم تستطيعوا ملاحظة ذلك”.
وأضاف رئيس الوزراء الكندي أن محادثاته مع ترمب كانت إيجابية ووفّرت “أساساً جيداً” لمفاوضات لاحقة بشأن التجارة والأمن. واتفق الطرفان على إجراء مزيد من المحادثات في الأسابيع المقبلة، بما في ذلك خلال قمة مجموعة السبع التي ستُعقد في ألبرتا في يونيو.
وأضاف: “هذه هي المحادثات التي تُجرى عندما تسعى لإيجاد حلول، بدلاً من فرض الشروط. لدينا الكثير من العمل الذي يتعيّن علينا إنجازه. لا أحاول أن أوحي بأن اجتماعاً واحداً سيغيّر كل شيء، ولكننا الآن منخرطون”.
من جهته، قال ترمب للصحفيين إن الاجتماع كان ناجحاً. وأضاف: “عقدنا اجتماعاً جيداً جداً. لا توتر. نريد أن نفعل ما هو صحيح لشعبينا، وهذا ما سيحدث”.
وقال الرئيس أيضاً إنه لم يطلق على كارني لقب “الحاكم”، كما كان يفعل أحياناً مع ترودو، وأضاف: “لم أفعل ذلك بعد، وربما لن أفعل. لقد استمتعت كثيراً مع ترودو. لكنني أعتقد أن هذه خطوة جيدة للأمام، وخطوة كبيرة بالنسبة لكندا”.
الرسوم والقطاعات المتأثرة
فرض ترمب رسوماً جمركية بنسبة 10% و25% على كندا في مارس، مع استثناء بعض السلع المشمولة في اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية. وقال إن هذه الرسوم ضرورية للحد من تجارة مخدر الفنتانيل، رغم أن بيانات الحكومة الأميركية تُظهر أن القليل جداً من هذا المخدر يدخل من كندا.
وردّت كندا بإجراءات مضادة شملت فرض رسوم على سلع استهلاكية أميركية.
كما فرض ترمب رسوماً جمركية عالمية بنسبة 25% على قطاعات تُعد كندا مورّداً رئيسياً فيها للولايات المتحدة، بما في ذلك السيارات والألمنيوم، وهدّد بفرض رسوم على قطاعات أخرى مثل الأخشاب، وآخرها صناعة السينما.
وقد يكون تأثير ذلك كبيراً بشكل خاص على صناعة السيارات التي تعتمد على سلاسل توريد مترابطة عبر الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
خفّف الرئيس من وطأة الرسوم المفروضة على السيارات عبر تطبيقها فقط على الأجزاء غير الأميركية، مما خفّض المعدل الفعلي المفروض على المركبات المصنعة في كندا كجزء من قطاع السيارات القاري المتكامل بشكل كبير.
كما قال إنه سيطبّق الرسوم على قطع السيارات المتوافقة مع اتفاق التجارة الأميركي-المكسيكي-الكندي (USMCA)، لكنه لم يحدّد موعد التنفيذ. ودخلت الرسوم الجمركية العالمية على قطع غيار السيارات الأخرى حيّز التنفيذ في 3 مايو.
قال كارني إنه طالب برفع الرسوم، وأطلع ترمب على جهود كندا لتعزيز أمن الحدود. كما ناقش الطرفان سبل تعزيز صناعة السيارات في أميركا الشمالية في مواجهة المنافسة الخارجية، لا سيما من آسيا.
وقال مسؤول كبير في الحكومة الكندية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن ترمب طلب من كارني وجهة نظره حول قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك روسيا وإيران والصين.
الإنفاق الدفاعي والتبادل التجاري
قال المسؤول الكندي إن كارني سعى إلى توضيح أسباب عدم منطقية الرسوم الأميركية على كندا، مع الحرص على القيام بذلك من دون تصعيد، كما عرض خطة بلاده لزيادة الإنفاق الدفاعي، خصوصاً في منطقة القطب الشمالي، وهو ما أثار اهتماماً كبيراً لدى الرئيس.
تبادلت كندا والولايات المتحدة سلعاً وخدمات بقيمة 916 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي. وبلغ العجز التجاري الأميركي مع كندا 36 مليار دولار في 2024، مدفوعاً جزئياً بواردات النفط والغاز.
وسط الحرب التجارية، تراجعت الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة في مارس، حتى مع زيادة الشحنات إلى وجهات أخرى. ووفقاً لبيانات “إحصاءات كندا” الصادرة يوم الثلاثاء، تراجعت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 6.6%، في أكبر انخفاض منذ جائحة كورونا، فيما تراجعت الواردات بنسبة 2.9%.
تعديلات طفيفة على الاتفاق مع كندا والمكسيك
أشار ترمب إلى أنه سيُجري “تعديلات طفيفة” على اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والذي تم التفاوض عليه خلال ولايته الأولى، مؤكداً أن المفاوضات ستكون “ودية للغاية”. وقال: “هذه مناقشة أكبر بكثير. هناك قوى أكبر بكثير تشارك، وهذا سيستغرق بعض الوقت”.
كان فوز كارني بالانتخابات قد مثّل تحولاً مذهلاً للحزب الليبرالي، مدفوعاً إلى حدّ كبير بتصريحات ترمب التي أثارت موجة غضب في كندا ودعوات لمقاطعة المنتجات الأميركية وتراجع السياحة العابرة للحدود. وأظهرت استطلاعات الرأي سابقاً تقدماً واضحاً لزعيم حزب المحافظين بيير بولييفر قبل استقالة ترودو.
وقال ترمب مازحاً يوم الثلاثاء: “أعتقد أنني كنت أعظم شيء حدث له، لكن لا يمكنني أن أنسب الفضل لنفسي بالكامل”. وأضاف: “ربما كانت واحدة من أعظم عمليات العودة في التاريخ السياسي، وربما أعظم حتى من عودتي أنا”.
وألمح الرئيس إلى أنه سيُصدر “إعلاناً عظيماً خلال الأيام المقبلة” قبل سفره إلى الشرق الأوسط، لكنه قال إن الإعلان “لن يكون بالضرورة متعلقاً بالتجارة.”