ترمب والصين يدفعان بوتين ومودي للتقارب

زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند هي الأولى له منذ غزو أوكرانيا عام 2022، وأتاحت لموسكو ونيودلهي فرصةً لتأكيد استمرارية علاقتهما الاستراتيجية طويلة الأمد، حتى مع ابتعاد الهند عن النفط الروسي في ظل الرسوم الجمركية الأميركية وتشديد العقوبات الغربية.
بالنسبة لبوتين، مثّلت القمة فرصةً لعرض صفقات الطاقة والأسلحة، وللإشارة إلى أن روسيا ما يزال لديها شركاء مهمون على الرغم من عزلتها عن الغرب.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، فكانت فرصة لإعادة تأكيد العلاقات مع مورد دفاعي رئيسي مع تأكيد استقلالية السياسة الخارجية، وسط ضغوط أميركية للنأي بالنفس عن موسكو. وهيمنت قضايا الدفاع والتجارة والطاقة وتنقل العمالة على جدول الأعمال.
ليس واضحاً كيف سيتفاعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب -الذي ضاعف الرسوم الجمركية على الهند إلى 50% بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي- مع تجدد الدفء في العلاقات الهندية الروسية.
آفاق نمو اقتصاد الهند تزداد ضبابية وسط ضغط من رسوم ترمب
تُخاطر الهند بشكل محسوب في مواجهة ترمب. ما تزال موسكو مورداً دفاعياً أساسياً، ومحورياً في جاهزية الهند العسكرية، برغم انخفاض حصتها من واردات الأسلحة الهندية بحدة خلال العقد الماضي.
هل يوازن الدب الروسي ثقل التنين الصيني؟
كما تلعب روسيا دوراً في موازنة الصين، وهي التهديد الأمني الرئيسي للهند، مع أن اعتماد موسكو على بكين، المدفوع بعزلتها عن الغرب فيه مخاطر على نيودلهي.
لكن جاذبية روسيا تتضاءل. فباستثناء النفط، تُعتبر التجارة الثنائية بين البلدين ضئيلة. وقدرة روسيا على الإيفاء بالتزاماتها بتسليم الأسلحة متزعزعة، ودعمها الدبلوماسي في ظل خلافات الهند مع باكستان والصين غير متكافئ.
ترمب ومودي يقتربان من هدنة عبر معادلة النفط مقابل السلاح
قد يدفع ذلك نيودلهي إلى بذل المزيد من الجهود لنقل التقنية وللتصنيع المحلي المشترك للمعدات الدفاعية بغرض تعزيز قدراتها. مع احتمال استمرار الحرب في أوكرانيا حتى عام 2026، فإن احتضان روسيا بشكل أوضح قد يعقد علاقات الهند مع الولايات المتحدة وأوروبا.. تماماً كما تسعى نيودلهي إلى إبرام صفقات تجارية وتعاون تقني لتطوير التصنيع المحلي وتقليل اعتمادها على الصين في الإلكترونيات والآلات والسلع المصنعة الأخرى.
في الوقت نفسه، تسعى روسيا إلى توثيق العلاقات مع الهند، وهي ركيزة أساسية في الجنوب العالمي، بسبب المواجهة المستمرة بين موسكو والغرب وحاجتها إلى شركاء موثوق بهم في عالم متعدد الأقطاب.
هل تستمر الهند بإمساك العصا من الوسط
إن رفض الهند أن تنضم كلياً إلى العقوبات الغربية، رغم الرسوم الجمركية الأميركية على مشترياتها من النفط الروسي، يعزز الشراكة. كما يُوازن تعميق العلاقات مع الهند اعتماد موسكو الكبير على الصين، التي ارتفعت حصتها من التجارة الروسية إلى 36.4% في عام 2024، مقارنةً مع 11.7% في عام 2014.
ومع أن نفوذ الهند على روسيا محدود، لكنها مهتمة بأن تنتهي الحرب في أوكرانيا، إذ تعمل على إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة وبناء شراكة أعمق مع الاتحاد الأوروبي، وهي علاقات غالباً ما تُفسدها علاقاتها مع روسيا. قدمت نيودلهي بعض المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، ودعمت دعوات الحوار والسلام، لكنها رفضت الانضمام إلى الإدانات أو العقوبات الغربية على موسكو.
التجارة على جدول الأعمال
التجارة هيمنت على جدول أعمال القمة، رغم أن الارتفاع الكبير في التجارة الثنائية بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 قد بلغ ذروته على الأرجح. ومع توقع انخفاض حاد في مشتريات الهند من نفط روسيا، يُرجح أن تركز القمة على توسيع الصادرات الهندية.
وحثت نيودلهي موسكو على شراء مزيد من الأدوية والمنسوجات والسلع الزراعية لتنويع التجارة وتقليص اختلال الميزان التجاري. لم تكن روسيا من بين أكبر 10 شركاء تجاريين للهند حتى عام 2021، لكنها كانت رابع أكبر شريك تجاري للهند العام الماضي، ويرجع ذلك بالكامل تقريباً إلى النفط منخفض السعر.
الهند تعود لشراء نفط روسي غير خاضع لعقوبات مع زيادة الخصومات
بلغ حجم التجارة الثنائية 72.2 مليار دولار في عام 2024، أو 10.4% من إجمالي التجارة الخارجية لروسيا. ومع ذلك، ما تزال واردات روسيا من الهند ضئيلةً مقارنةً مع وارداتها من الصين.
وأوقفت معظم المصافي الهندية مشتريات النفط الخام الروسي منذ دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في 21 نوفمبر، على الرغم من أن بعضها قد استمر في الشراء من موردين غير خاضعين للعقوبات. ويُتوقع أن تنخفض واردات الهند من النفط الخام الروسي إلى حوالي ثلث أحجامها مقارنة بفترة سابقة من العام.
محور تركيز أساسي آخر.. التعاون الدفاعي
المحادثات تناولت مشتريات هندية إضافية لأنظمة الدفاع الجوي ”إس-400“، وتعويض الصواريخ التي استهلكتها في الصراع الأخير مع الباكستان، والتصنيع المشترك المحتمل لنظام الدفاع الصاروخي ”إس-500“.
كما تعمل روسيا على دفع مبيعات مقاتلات سوخوي ”إس يو-57“، رغم عدم توقع أي اتفاق جديد كبير خلال هذه الزيارة.
تأتي الاستحواذات الجديدة مع مخاطر، فقد كان سجل التسليم الروسي غير متكافئاً ويعاني تأخيرات، وقد تؤدي المشتريات الكبرى إلى زيادة توتر العلاقات مع واشنطن، التي تريد من الهند الحد من اعتمادها على موسكو وتوسيع مشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة.
الاتحاد الأوروبي يدعو إلى قيود على حجم وموازنة جيش روسيا ضمن تسوية أوكرانيا
وركز المسؤولون الهنود على تأمين جداول تسليم أكثر صرامة، وصيانة الأنظمة القديمة، وضمانات بأن الصراعات المستمرة مثل الحرب في أوكرانيا لن تعطل الإمدادات.
ما تزال شراكة الهند الدفاعية مع روسيا كبيرة. وقد تطورت من الواردات إلى البحث والتطوير والإنتاج المشترك، بما في ذلك صواريخ ”براهموس“. وحديثاً، اتفاقية لإنتاج مشترك لطائرات الركاب.
ما تزال الأنظمة الروسية تُرسخ التأهب العسكري للهند، فقد لعبت صواريخ ”إس-400“ دوراً محورياً في اشتباك مايو مع باكستان، وتشكل الطائرات الروسية الجزء الأكبر من أسطول المقاتلات الهندي، ما يجعل نيودلهي تعتمد على قطع الغيار والصيانة الروسيين.
العمالة لمعالجة النقص الروسي
في الوقت الذي تشغل فيه روسيا الهنود لتخفيف النقص الحاد في العمالة الماهرة، ووقع البلدان اتفاقية تنقل العمالة لتمكين الهجرة القانونية وحماية حقوق العمال.
ارتفع عدد العمال الهنود الوافدين إلى روسيا إلى 17700 في عام 2025 -بزيادة 22 ضعفاً خلال عام واحد فقط- مع ارتفاع الحصص السنوية إلى 71800 عامل في قطاعات الإلكترونيات والآلات والبناء.
الروس بدأوا يشعرون بألم اقتصادي حقيقي من حرب بوتين
مع ذلك، لمعالجة نقص العمالة الروسية بشكل هادف، ستكون هناك حاجة إلى مئات الآلاف من العمال الهنود كل عام. تنبع أزمة العمالة الحالية في روسيا من التراجع الديموغرافي بسبب شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد والحرب في أوكرانيا، أي خسائر ساحة المعركة والتجنيد والهجرة، التي أدت مجتمعة إلى إبعاد أكثر من مليون رجل من الاقتصاد المدني منذ عام 2022.
بلغ معدل البطالة أدنى مستوى له على الإطلاق بنسبة 2.2%، مع وجود 2.2 مليون وظيفة شاغرة، ووصل تضخم الأجور إلى أعلى مستوى له في 16 عاماً. وتشير التوقعات إلى أن روسيا ستعاني من عجز يتراوح بين 10 ملايين و11 مليون عامل بحلول عام 2030.
جدير بالذكر أنه إذا استمرت الحرب في أوكرانيا، فإن العمال الهنود يخاطرون بأن يتعرضوا للتجنيد في الجيش الروسي، غالباً بشكل غير مباشر، وهي ممارسة موثقة منذ عام 2023.
وتسعى الهند للحصول على ضمانات بأن موسكو ستحد من مثل هذا التجنيد.



