أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على مرّ سنين إصراره على الفوز بجائزة نوبل للسلام. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، كثف حملته بضغوط جريئة علناً وخلف الأبواب. كما قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر: “الجميع يقول إنني يجب أن أحصل على جائزة نوبل للسلام”.
في الشهر نفسه، اعتبر أن عدم منحه الجائزة سيكون “إهانة كبيرة” لأميركا. لقد قاومت اللجنة النرويجية المستقلة التي تختار الفائزين بالجائزة مثل هذه الضغوط في الماضي، برغم أن قراراتها كان لها تداعيات على النرويج. فقد توترت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية للبلاد مع الصين لست سنوات بعد منح “نوبل” لناشط حقوق الإنسان المسجون ليو شياو بو في 2010.
إن ظهر أن النرويج تجاهلت ترمب حين تعلن اختيارها في 10 أكتوبر، فهناك خطر من أن يؤدي ذلك إلى رد انتقامي من الولايات المتحدة، ربما في شكل رسوم جمركية أعلى على سلع البلاد أو قيود على صندوق الثروة السيادية الذي يبلغ حجمه 2 تريليون دولار.
ماكرون: إذا أراد ترمب جائزة نوبل للسلام فعليه وقف حرب غزة
رُشح حوالي 338 شخص لجائزة نوبل للسلام لعام 2025. وفي حين أن هناك كثير من الشكوك حول ما إذا كانت جهود ترمب تستحق الجائزة المرموقة، إلا أنه اعتباراً من 7 أكتوبر، كان مرشح المرتبة الثانية المفضل لوكالات المراهنة، كما بيّنت شركة ”أودس تشيكر“ (Oddschecker). ويأتي ترتيبه بين المرشح الأوفر حظاً لدى وكالات المراهنات، وهو غرف الطوارئ في السودان، وهي شبكة مساعدات تطوعية تعمل في الدولة التي مزقتها الحرب، ويوليا نافالنايا، أرملة زعيم المعارضة الروسي الراحل أليكسي نافالني.
مع ذلك، يمكن أن تكون هذه الاحتمالات مؤشراً غير موثوق، إذ أن اختيار من يحصل على جائزة نوبل للسلام عملية سرية.
ما هي جائزة نوبل للسلام؟
إنها واحدة من خمس جوائز نوبل أنشئت بموجب وصية ألفريد نوبل، السويدي الذي اخترع الديناميت وتوفي عام 1896. تحتفي الجوائز الأربع الأخرى بإنجازات في مجالات الفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب والأدب. ثم أضاف البنك المركزي السويدي جائزة العلوم الاقتصادية في عام 1968 تخليداً لذكرى نوبل.
نصت وصية نوبل على أن جائزة السلام تُكافئ شخصاً “بذل قصارى جهده لتعزيز الصداقة بين الأمم، وإلغاء الجيوش النظامية أو تقليصها، وإنشاء مؤتمرات السلام وتعزيزها”.
مُنحت أول جائزة نوبل للسلام في 1901 وتقاسمها هنري دونان، المؤسس المشارك للجنة الدولية للصليب الأحمر، لجهوده الإنسانية لمساعدة الجنود الجرحى، والسياسي الفرنسي فريدريك باسي لعمله مدى الحياة في حركة السلام الدولية.
صحفيان يفوزان بجائزة نوبل للسلام.. فلبينية وروسي
يمكن تقاسم الجائزة بين ما يصل إلى ثلاثة أفراد ويمكن أيضاً منحها لمنظمة. ويمكن للكيانات الحصول على الجائزة عدة مرات. اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على سبيل المثال، تقلتها ثلاث مرات في أعوام 1917 و1944 و1963. وجاء تغيير للقواعد في عام 1974 بما يقضي بعدم منح الجائزة لشخص بعد وفاته إلا إذا مات بعد الإعلان عن الاختيار النهائي إي قبيل تسليمه الجائزة.
حتى نهاية العام الماضي، مُنحت جائزة نوبل للسلام 105 مرات. وكان هناك 19 عاماً لم تُمنح فيها جائزة، معظمها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. ويمكن للجنة التي تحكم في العملية اختيار عدم منح الجائزة إذا رأت أن المرشحين لا يستوفون المعايير.
من يمنح جائزة نوبل للسلام؟
نصت وصية نوبل على أن تقرر لجنة مكونة من خمسة أشخاص يختارهم البرلمان النرويجي جائزة السلام، بينما تُمنح الجوائز الأخرى من قبل مؤسسات سويدية. لم يتضح لماذا اختار نوبل النرويج لتكون الحكم على جائزة السلام، برغم أنه خلال حياته، كانت النرويج والسويد جزءاً من اتحاد تحت حكم ملك واحد، حتى أصبحت النرويج مملكة مستقلة في عام 1905.
يُنتخب أعضاء لجنة نوبل النرويجية لمدة ست سنوات ويمكن إعادة انتخابهم. وللتغلب على الاعتقاد بأن السياسيين النرويجيين يؤثرون على عملية صنع القرار بشأن من يُمنح الجائزة، تم استبعاد أعضاء البرلمان الحاليين من الانضمام إلى اللجنة منذ عام 1977.
الديمقراطيون يشيدون بجهود ترمب في اتفاق غزة.. والجمهوريون: يستحق جائزة نوبل
ترشح أكبر الأحزاب السياسية في النرويج أعضاء اللجنة بما يعكس توازن القوى في الهيئة التشريعية، ويجب أن توافق عليهم الأغلبية البرلمانية. ستنتهي ولاية عضوين على الأقل في عام 2026، ما يعني أن تشكيل اللجنة قد يتغيرـ إذ قد ينتقل أحد هذه المقاعد إلى حزب التقدم الشعبوي، الذي فاز بحوالي 24% من الأصوات في الانتخابات العامة النرويجية في سبتمبر.
كيف تقرر اللجنة من تمنح جائزة نوبل للسلام؟
لا يحق تقديم مرشحين إلا لمن يستوفون معايير معينة؛ ولا يمكنهم ترشيح أنفسهم. ولا يوجد حد أقصى لعدد السنوات التي يمكن ترشيحهم فيها.
من المؤهلين لتقديم الترشيحات أعضاء البرلمانات أو المنظمات مثل محكمة العدل الدولية وأساتذة الجامعات والحائزين السابقين على جائزة نوبل للسلام. بعد انقضاء الموعد النهائي للترشيحات، تُقلّص لجنة نوبل النرويجية عدد المرشحين في قائمة، وتطلب من الخبراء التابعين رسمياً لمعهد نوبل المساعدة في التدقيق في صحة الطلبات.
مع اقتراب اللجنة من القائمة المختصرة، أو إذا احتاجت إلى معلومات أو حقائق أكثر تحديداً حول المرشحين، فإنها تتواصل مع الباحثين والخبراء الدوليين. وتخضع مداولات اللجنة ومداخلات مستشاريها لتعهد بسريتها مدة 50 عاماً.
نوبل وموسم التكهنات.. هل يخترق العرب منصة التتويج؟
لقد تمكنت اللجنة في الغالب من اتخاذ قرار بالإجماع بشأن الجائزة. ومع ذلك، عندما لا يمكن التوصل إلى توافق في الآراء، يكون الاختيار عبر تصويت الأغلبية البسيط.
حكم اللجنة نهائي ولا يمكن استئنافه. كما لا يمكن إلغاء الجائزة. ومع ذلك، يمكن لمتلقي الجائزة أن يرفضوها، وقد فعل ذلك السياسي الفيتنامي لي دوك ثو ذلك عندما حصل على الجائزة عام 1973 إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر لتفاوضه على وقف إطلاق نار خلال حرب فيتنام. رفض لي دوك ثو الجائزة على أساس أن الهدنة انهارت ولم يحلّ السلام بعد.
من أبرز من تلقواً جائزة نوبل للسلام؟
يضم الحائزون على جائزة نوبل، وعددهم 142 حتى الآن، 92 رجلاً و19 امرأةً و28 منظمةً (وقد حظيت منظمتان -اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- بالجائزة في أكثر من عام).
ملالا يوسف زاي هي أصغر شخص يحصل على جائزة نوبل في أي فئة. في سن 17، حصلت على جائزة السلام عام 2014 تقديراً لدفاعها عن حقوق تعليم الفتيات. وقحصلت على الجائزة مناصفةً مع الناشط المناهض لعبودية الأطفال كايلاش ساتيارثي.
تلقى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الجائزة في عام 2009، بعد أشهر فقط من بدء ولايته الأولى – لدعمه لعالم خالٍ من الأسلحة النووية و”جهوده الاستثنائية لتعزيز الدبلوماسية الدولية”. كان ذلك قراراً مثيراً للجدل، اعتبره البعض من قبيل الأمل وليس مكافأةً على عمل جوهري. كما يشير النقاد إلى أن رئاسة أوباما تميزت بزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان وزيادة ضربات المسيّرات في باكستان وأماكن أخرى.
دونالد ترمب.. “هوس” بجائزة نوبل للسلام
هذه ليست الجائزة الوحيدة التي أثارت تساؤلات بعد منحها، فقد تلقاها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في عام 2019 بعد كسر الجمود في نزاع حدودي طويل الأمد مع إريتريا المجاورة. لكن بعد 12 شهراً، تورط في حرب أهلية في منطقة تيغراي في البلاد خلّفت مئات آلاف القتلى، وفقاً لمشروع حرب تيغراي في جامعة غينت.
لماذا ترمب؟
ما هي معطيات طرح منح ترمب جائزة نوبل للسلام؟ لطالما أعرب ترمب عن رغبته في الحصول على جائزة السلام واشتكى من أن مهاراته في عقد الصفقات لم تُنصف من حيث محاكمتها. قال العام الماضي: “لو كنتُ أوباما، لكنتُ حصلتُ على جائزة نوبل في 10 ثوانٍ“.
يصر ترمب على أنه حلّ “سبع حروب لا نهاية لها” منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، بما في ذلك صراع مسلح بين الهند وباكستان في مايو. لكن أوراق اعتماده في صنع السلام موضع نقاش.
كانت بعض الأعمال العدائية التي ساهم بحلّها صغيرة النطاق، وما تزال صراعات أخرى مستمرة أو انتهت منذ فترة طويلة، وكان دور ترمب وتأثيره كوسيط موضع خلاف.
ترشيح ترمب ممن أتى وهل بلغ قائمة اللجنة؟
قدمت أحد ترشيحات ترمب لجائزة السلام لهذا العام كلوديا تيني، عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري في نيويورك، مستشهدةً بعمله على الاتفاقيات الإبراهيمية خلال ولايته الأولى. وأدت هذه الاتفاقيات، التي وُقعت في عام 2020، إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وكثير من الدول العربية.
في حين أن تقديم تيني يشير إلى أن ترمب قد دخل في مجموعة المرشحين، إلا أنه ما لم يُعلن متلقياً للجائزة في 10 أكتوبر، فسيتعين علينا على الأرجح الانتظار نصف قرن لمعرفة ما إذا كان قد وصل إلى القائمة المختصرة للجنة.
يبدو أن حملة ترمب ليذهب بالجائزة إلى البيت الأبيض العام المقبل قد بدأت. قال كثير من قادة العالم إنهم رشحوا ترمب لجائزة نوبل للسلام، على الرغم من أن ترشيحاتهم كانت بعد الموعد النهائي في 31 يناير لدورة 2025. يشمل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت.
إذا نجحت خطة ترمب للسلام في غزة أو تمكن من التوسط في إنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، فسيكون في وضع أقوى لتلقي الجائزة في عام 2026 في الذكرى 125 لتأسيسها.
ما هي الجوائز التي تُمنح مع جائزة نوبل للسلام؟
يُمنح الحائزون على الجائزة ميدالية ذهبية عيار 18 قيراطاً وشهادة وشيك بمبلغ كبير من المال. سيحصلون هذا العام على 11 مليون كرونة سويدية (1.2 مليون دولار)، وهو نفس المبلغ الذي حصلوا عليه في عامي 2023 و2024.
ترك نوبل معظم ثروته – التي كانت آنذاك واحدة من أكبر الثروات في العالم – لإنشاء جائزة نوبل. نصت وصيته على تحويل أكثر من 31 مليون كرونة، أو ما يقرب من 2.2 مليار كرونة بالعملة الحالية، إلى صندوق واستثمارها في “أوراق مالية آمنة”.
تدير هذه المهمة مؤسسة نوبل ويُستخدم العائد المكتسب لتمويل جوائز نوبل. في حين يُعلن عن الفائزين في أكتوبر، فإن الجائزة تُسلم في قاعة مدينة أوسلو في يوم نوبل، الذي يصادف يوم 10 ديسمبر، الذكرى السنوية لوفاة نوبل.
