اخر الاخبار

تركيا في مسعى لإبرام صفقات عالمية بحثاً عن الطاقة والنفوذ

بداية من الغاز الطبيعي الأميركي إلى النفط، في جنوب شرق آسيا، واليورانيوم في أفريقيا جنوب الصحراء، تخوض تركيا حملة عالمية للبحث عن الطاقة والسلع الأساسية، مستغلة تنامي نفوذها في السياسة الخارجية لتعزيز مكانتها في سباق السيطرة على الموارد.

تسير هذه الحملة بخطى متسارعة هذا العام، حيث وقّعت أنقرة اتفاقيات استكشاف في ثلاث قارات، كان أحدثها الأسبوع الماضي في سلطنة عُمان، كما أمّنت سفناً متخصصة لدعم هذه العمليات. في الوقت نفسه، تستعد شركة الغاز الحكومية التركية “بوتاش” للعب دور جديد كشركة تداول دولية.

الهدف من ذلك هو تأمين الوصول إلى السلع الحيوية اللازمة لتغذية اقتصاد تركيا البالغ حجمه 1.4 تريليون دولار، في وقت يتزايد فيه عدم اليقين حول سلاسل الإمداد. يشبه هذا التوجه ما قامت به الصين، لكن على نطاق أوسع بكثير، منذ تسعينات القرن الماضي عبر توسّع شركاتها الحكومية دولياً. أما بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، فإنها وسيلة أيضاً لتعزيز نفوذ بلاده وبناء علاقات اقتصادية واسعة.

وفقاً لأحمد تورك أوغلو، رئيس شركة البترول التركية الحكومية “تيركي بتروليري” (Turkiye Petrolleri AO) المتخصصة في أنشطة الاستكشاف والإنتاج، والتي تنتج حالياً بعض النفط في روسيا وأذربيجان والعراق بالإضافة إلى الإنتاج المحلي، فإن هذه المشاريع أصبحت ضرورة لا بد منها.

قد يهمك أيضاً: تركيا تتجه لتوسيع نشاطها النفطي.. من ليبيا والعراق إلى البحر الأسود

قال في خطاب ألقاه الشهر الماضي: “الحقائق الجيوسياسية، مثل أمن الإمداد والتكنولوجيا، لم تعد خيارات بل أصبحت ضروريات”.

لكن هذا الطموح يبدو مفرطاً في بعض جوانبه، إذ يتم إحالة مسؤولية مشاريع الاستكشاف، التي عادة ما تضطلع بها شركات الطاقة العملاقة أو شركات متخصصة أصغر، إلى موظفين حكوميين. وهذا يعني أن الاستثمار والإنفاق ينطوي على عنصر من المخاطرة باستخدام المال العام.

قالت فاليري مارسيل، المديرة التنفيذية لشبكة “المنتجون الجدد للطاقة المستدامة” (New Producers for Sustainable Energy): “بالنسبة لشركة نفط وطنية، فإن الدخول في أنشطة استكشاف أولية يُعد مخاطرة كبيرة بأموال عامة”. أضافت: “هذا مجال يمكن فيه تحقيق أرباح كبيرة، لكنه ينطوي أيضاً على احتمال الخسارة”.

أنقرة تروج لنفسها 

تركيا ليست الدولة الوحيدة التي تسعى وراء السلع الأساسية. فعلى سبيل المثال، أطلقت أوروبا حملة كبيرة لشراء الغاز الطبيعي المسال مع سعيها إلى التخلص من الاعتماد على روسيا.

وخلال ترويجها لنفسها أمام الحكومات الأجنبية، تبرز أنقرة مشروع الغاز التابع لها في أعماق البحر الأسود كدليل على قدرتها على تنفيذ مشاريع معقدة على نطاق واسع. كما تُسلط الضوء على موقعها الجغرافي، بين أوروبا وآسيا، وعلى غياب الإرث الاستعماري مقارنة بنظرائها الغربيين.

كذلك، توسع تركيا أسطولها من السفن المتخصصة. فقد اشترت شركة البترول التركية الحكومية مؤخراً سفينتي حفر من شركة “إلدورادو دريلينغ” (Eldorado Drilling) النرويجية مقابل نحو 245 مليون دولار لكل منهما.

هذا العام، وقّعت شركات تسيطر عليها وزارة الطاقة اتفاقيات تنقيب وإنتاج مع كلٍ من عُمان وليبيا وباكستان وأذربيجان والمجر، وجميعها دول عززت تركيا علاقاتها معها خلال السنوات الأخيرة.

طالع أيضاً: أردوغان: تركيا ستبدأ استكشاف النفط والغاز في المياه الليبية

في قطاع التعدين، تدرس تركيا موارد الذهب في السودان، حيث قدمت الدعم للحكومة التي تخوض حرباً أهلية. كما أشار مسؤولون إلى أنهم يجرون محادثات لعقد صفقات في أنغولا وماليزيا وإندونيسيا والنيجر وتركمانستان والعراق وبلغاريا.

تُظهر المحادثات مع النيجر، وهي إحدى أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، كيف استفادت تركيا من الانقلاب الذي شهدته البلاد عام 2023، ومن سعي المجلس العسكري الحاكم لطرد شركة الإنتاج الفرنسية “أورانو” (Orano) التي عملت في البلاد لسنوات طويلة.

نفوذ متزايد لتركيا

سيسهم التحكم بالموارد الطبيعية الحيوية في الخارج في تعزيز نفوذ تركيا داخل هذه الدول، ويفتح الباب أمام فرص للتعاون في مجالات أخرى، مثل التجارة والدفاع.

تستند هذه الاستراتيجية إلى ما بدأته شركات النفط الوطنية الكبرى في الصين قبل نحو ثلاثة عقود؛ حين بدأت في ترسيخ وجودها في الدول النامية. ومنذ ذلك الحين، تضاعف نطاق عملها ووسعت مكاتبها التجارية في الخارج، ما عزّز دورها في أسواق الطاقة.

قالت دفنه أرسلان، المديرة الأولى في “مجلس الأطلسي” بتركيا: “تسعى تركيا إلى ممارسة دبلوماسية الطاقة ضمن هدف سياسي أوسع: تعزيز مكانتها كقوة إقليمية”.

تجارة الطاقة

تتوسع شركة “بوتاش” الوطنية للغاز في تركيا دولياً أيضاً، إذ تتحول من مجرد مستورد يستقبل الإمدادات إلى متاجر عالمي يمكنه البيع والشراء لتحقيق الأرباح.

وقد وقّعت الشركة عقوداً لاستيراد الغاز الطبيعي المسال تمنحها السيطرة على عمليات الشحن للمرة الأولى، كما تجري محادثات للحصول على كميات مرنة إضافية، خاصة من الولايات المتحدة، وفقاً لأشخاص مطلعين رفضوا الكشف عن هوياتهم لمناقشة مسائل داخلية.

وتخطط الشركة لافتتاح مكتب في سويسرا هذا العام، بحسب أحد الأشخاص، وهي خطوة ستمنحها وجوداً بين أكبر متاجري السلع الأساسية في العالم.

لم ترد “بوتاش” ولا “تيركي بتروليري” ولا وزارة الطاقة على طلبات للتعليق حول هذا الأمر.

النمو السريع في صادرات الغاز الأميركي المسال والطلب العالمي المتزايد يوفّر فرصاً تجارية مربحة. وغالباً ما يتصرف المشترون التقليديون، من الصين إلى اليابان، كتجار يعيدون بيع شحناتهم إلى أوروبا عندما تسنح الفرصة.

تأثير تركيا في الطاقة العالمية

سيتيح الوصول إلى الغاز الطبيعي المسال على مستوى عالمي لتركيا تنويع مصادرها الحالية، التي تشمل روسيا وأذربيجان وإيران، كما قد يمكّنها من الانضمام إلى قائمة الدول المصدّرة، ما يعزّز تأثيرها في سوق الطاقة العالمي.

أما في مجال الاستكشاف، فإن المشروع الخارجي الأبرز حتى الآن هو في الصومال، حيث أنهت سفينة أبحاث تابعة لشركة “البترول التركية” مؤخراً عملية بحث عن الهيدروكربونات استغرقت سبعة أشهر. وإذا جاءت النتائج، التي لم تُعلن بعد، إيجابية، فستحصل تركيا على حقوق إنتاج حصرية، مضيفة مورداً طبيعياً مربحاً إلى محفظتها في هذا البلد.

لكن في ظل المخاطر المرتبطة ببعض هذه المشاريع، تُثار تساؤلات حول تكاليفها. ولم توضح الحكومة كيف سيتم تمويل التوسع الدولي لتلك الشركات.

قال علي عارف أكتورك، الرئيس السابق لقسم مشتريات الغاز في “بوتاش” والذي يعمل الآن مستشاراً مستقلاً: “سواء كان الأمر في البحر الأسود أو الصومال، فإن الإنفاق من الأموال العامة”. وأضاف: “أنشطة المنبع (التنقيب والإنتاج) في النفط والغاز تنطوي على الكثير من عدم اليقين والمخاطر التقنية والجيولوجية، وفي هذه الحالة لا يوجد شفافية بشأن حجم الأموال المعرضة للخطر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *