تدفق الوافدين على دبي يؤثر سلبياً على الرواتب السخية وأنماط الحياة

يستذكر تريفور ميرفي، رئيس شركة التوظيف “كوبر فيتش”(Cooper Fitch)، زمناً كانت فيه إعلانات الوظائف في دبي تستقطب نحو 100 متقدم فقط. أما اليوم، فقد يصل عدد المتقدمين إلى ألفين، مع تدفق الأجانب إلى المدينة المعروفة برواتبها المجزية وأنماط حياتها الراقية.
قال ميرفي: “التدفق الكبير من الوافدين الأجانب يجعل سوق العمل في دبي حالياً ضحية لنجاحها”.
بات تأثير تزايد السكان ملموساً على نطاق واسع، إذ ارتفعت الإيجارات إلى مستويات قياسية، وازدادت الاختناقات المرورية، وامتلأت المدارس المرموقة عن آخرها. ويؤكد خبراء التوظيف أن وفرة المواهب تؤثر سلبياً على مستويات الرواتب.
مميزات دبي
برزت دبي عالمياً بعد وباء كوفيد-19، مع توافد أعداد كبيرة من الأجانب للاستفادة من سياسات التأشيرات الميسرة والضرائب المنخفضة. بعد مرور 3 سنوات، يواجه السكان الوجه الآخر لهذا النمو، إذ تزداد تكلفة المعيشة وتشتد المنافسة على الوظائف المتميزة.
أظهر استطلاع أجرته “كوبر فيتش” أن الرواتب في العديد من الوظائف قد تبقى ثابتة العام الجاري.
تختلف التقديرات حول الرواتب بين شركات التوظيف، وما يزال بعض الأفراد يحققون زيادات كبيرة في أجورهم. أوضح المكتب الإعلامي لحكومة دبي أن الإمارة الخليجية تستقطب شركات جديدة توفر فرص عمل، مشيراً إلى دراسة لشركة “ميرسر” (Mercer) تتوقع ارتفاعاً متوسطاً في الرواتب 4% العام الحالي، مع خطط لدى العديد من الشركات لزيادة عدد موظفيها.
رغم ذلك، يتفق مُعظم مسؤولي التوظيف والمسؤولين التنفيذيين الذين تحدثوا إلى بلومبرغ على أن المزايا المالية وأنماط الحياة المتميزة التي جذبت المسؤولين التنفيذيين الأجانب إلى دبي بدأت تتراجع، بسبب تصاعد أعداد المتنافسين على نفس الوظائف.
منذ 2020، استقبلت دبي أكثر من 400 ألف شخص، ما رفع عدد السكان إلى أكثر من 3.8 مليون نسمة. أدى تزايد الازدحام المروري خلال ساعات الذروة إلى قيام المدينة بزيادة الرسوم التي يتقاضاها شركة التشغيل “سالك” للرسوم. أما إيجارات المنازل العائلية المستقلة، المعروفة محلياً بالفلل، ارتفعت 94% منذ بداية الوباء، في حين زادت إيجارات الشقق 66%، وفق شركة الاستشارات العقارية “جيه إل إل” (JLL). أما أسعار الفلل فقفزت 103%، بينما صعدت أسعار الشقق 54%.
دبي أغلى مدن الشرق الأوسط
في العام الماضي، قفزت دبي في التصنيفات لتصبح أغلى مدينة في الشرق الأوسط للموظفين الدوليين، بحسب بيانات شركة الاستشارات “ميرسر”. احتلت المرتبة 15 عالمياً، متقدمة بثلاثة مراكز عن 2023، متجاوزةً تل أبيب والرياض إقليمياً. دفع ذلك العديد من العائلات إلى الادخار بدرجة أقل مما كانت عليه في السابق.
ما يزال العديد من المسؤولين التنفيذيين يحصلون على دخل أعلى في دبي بسبب غياب ضريبة الدخل. رغم ذلك، قال نك أييغبوسي، المدير المساعد في وحدة “روبرت والترز” (Robert Walters) في الشرق الأوسط والمتخصص في التوظيف القانوني، إن “الفجوة في الرواتب بين لندن ودبي آخذة في التقلص، إذ لم يعد على الشركات تقديم زيادات كبيرة لجذب الموظفين”.
في الماضي القريب، كان بإمكان العاملين في الخدمات المهنية في لندن توقع زيادة كبيرة في الرواتب وحزم مزايا سخية عند قبول وظيفة في دبي، تشمل تغطية تكاليف السكن والتعليم.
لكن وفق خبراء توظيف، لم يعد على الشركات في المركز المالي للشرق الأوسط تقديم حوافز كبيرة لاستقطاب الموظفين الجدد، إذ أصبح غياب الضرائب على الدخل الحافز الأساسي في كثير من الأحيان.
ذكر غاريث إل ميتوري، الذي كان حتى وقت قريب مسؤول توظيف بارز في إحدى الشركات الكبرى في دبي: “خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، شهدنا ضغوطاً على الرواتب. يُعزى ذلك من وجهة نظري إلى أننا نشهد تزايداً في انتقال المواهب من المملكة المتحدة إلى دبي”.
مصاعب الحياة في دبي
لكن هناك مشكلات أبعد من الرواتب. لا يكاد يعثر الأجانب على مقعد في المدارس الحكومية، فيما أصبحت قوائم الانتظار طويلة في العديد من المؤسسات الخاصة. أعلنت إحدى المدارس مؤخراً عن افتتاحها برسوم تصل إلى 33 ألف دولار سنوياً.
كل ذلك زاد من الضغوط على صناع السياسات لإدارة متطلبات النمو السكاني. تعمل دبي حالياً على تنفيذ 11 مشروعاً كبيراً للطرق، مع 22 مشروعاً إضافياً مخططاً حتى 2027 لتخفيف الازدحام المروري. ووفق المكتب الإعلامي للمدينة، تسعى الحكومة إلى الحفاظ على سوق العقارات في متناول السكان. تشمل جهودها خططاً للتقسيط وضبط التوازن بين العرض والطلب.
رغم الضغوط المتزايدة، لم يُسجل خروج كبير للسكان. ويعود ذلك جزئياً إلى عدم فرض ضرائب على الدخل، إضافة إلى أن العديد من المقيمين يجدون فرصاً محدودة في أماكن أخرى.
خلال 2021، أطلقت الإمارات فئة جديدة من التأشيرات ضمن سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى جذب المزيد من الأشخاص وتعزيز النمو. أتاحت تأشيرات “الإقامة الذهبية” طويلة الأجل للعمالة عالية المهارة البقاء في البلاد لمدة 10 سنوات دون الارتباط بصاحب عمل معين. كما سمحت الحكومة للأجانب بامتلاك 100% من الشركات في بعض القطاعات، بعدما ألغت شرطاً اتحادياً كان يضع سقفاً لملكيتهم للشركات المحلية عند 49%.
التأقلم مع المتغيرات في دبي
يجد العديد من المقيمين الأجانب طرقاً للتأقلم مع التغيرات. مع ارتفاع الإيجارات، يضطر بعضهم إلى الانتقال إلى أطراف المدينة أو حتى إلى إمارة الشارقة، التي لا تحظى بنفس الجاذبية.
قالت كارين يونغ، كبيرة الباحثين في “مركز سياسات الطاقة العالمية” بجامعة “كولومبيا”: “لطالما كان التحدي الذي تواجهه دبي هو تحديد ما إذا كانت تريد بقاء السكان لفترات طويلة، القواعد الجديدة المتعلقة بالتأشيرات طويلة الأجل وامتلاك العقارات شجعت هذا التوجه، لكنني لست متأكدة مما إذا كان عدد الأشخاص الذين يستقرون لمدة 20 عاماً أو أكثر قد شهد تغييراً كبيراً”.