تخارجات قياسية من الصين تزيد الضغوط على اليوان
وسط تحديات كبيرة تواجه اليوان الصيني، مثل ضعف الاقتصاد المحلي وارتفاع الدولار الأميركي واحتمالات فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية أعلى، برزت أزمة جديدة تتمثل في تدفق قياسي لرأس المال الباحث عن فرص استثمارية خارج البلاد.
سجل حساب رأس المال في الصين، الذي يرصد تدفقات الأموال الداخلة والخارجة، مستويات قياسية من التخارجات العام الماضي، وسط بحث المستثمرين عن عوائد أفضل في الأسواق الأجنبية. ونتيجة لذلك، تجاوزت المدفوعات الرأسمالية والمعاملات المالية التي أجرتها البنوك نيابة عن عملائها تلك المرتبطة بالحساب الجاري، والتي تركز بشكل رئيسي على التجارة، وفقاً للبيانات الرسمية.
هذا الوضع غير المسبوق، من شأنه إثارة مخاوف بشأن استنزاف رأس المال بشكل كبير، ما قد يقوض قدرة بكين على إدارة سعر صرف اليوان ويزيد احتمالية اتخاذ إجراءات تنظيمية صارمة.
مخاطر خفض قيمة اليوان
صرح فيليب ماكنيكولاس، الخبير الاستراتيجي للديون السيادية في “روبيكو سنغافورة” (Robeco Singapore)، أن زيادة التدفقات الرأسمالية وتلك المتعلقة بالحسابات المالية في الصين للخارج “تشير إلى ميل نحو خفض قيمة العملة، أو استنزاف الاحتياطيات في حال بقاء سعر الصرف ثابتاً”.
اقرأ أيضاً: البنوك الصينية تواجه أزمة سيولة وسط تزايد الضغوط على اليوان
وأضاف أن “التحدي أمام بنك الشعب الصيني يتمثل في أن النمو الضعيف يعقد قدرة البلاد على جذب الاستثمارات الأجنبية، بينما تجعل المخاطر المتعلقة بجدوى الأعمال الأجنبية في الصين الشركات متعددة الجنسيات أكثر تردداً حيال الاستثمار في البلاد، أو في بعض الحالات الانسحاب أو بيع استثماراتها القائمة”.
تراجع سعر صرف اليوان الصيني بنحو 2.8% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مواكباً خسائر العملات الآسيوية الأخرى، وسط ارتفاع الدولار عقب فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر. وانخفض اليوان هذا الشهر إلى أضعف مستوى له منذ سبتمبر 2023.
الأموال تتدفق للخارج
أرسلت البنوك المحلية الصينية صافياً قدره 1.33 تريليون يوان (182 مليار دولار) للخارج نيابة عن عملائها العام الماضي، وهو رقم قياسي وفق حسابات “بلومبرغ”. ويشمل هذا الرقم الاستثمارات الأجنبية في الصين، إضافة إلى مشتريات المستثمرين المحليين للأوراق المالية الأجنبية.
تعرض حساب رأس المال الوطني لضغوط نتيجة انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين، وزيادة رغبة الشركات المحلية في التوسع بالخارج، بالإضافة إلى هروب الأموال من الأسهم المحلية. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع الطلب على الدولار، وزيادة تخارج الاستثمارات، وتصاعد تقلبات سعر صرف اليوان.
في الوقت نفسه، بدأ الدعم الذي قدمه الفائض التجاري على مدى عدة أعوام للصين، والذي بلغ مستوى قياسياً قدره 992 مليار دولار العام الماضي، في التراجع تدريجياً. إذ يفضل المصدرون الاحتفاظ بإيراداتهم الدولارية بسبب الفارق الكبير في العوائد بين الأصول الأميركية ونظيرتها الصينية.
تشديد الرقابة على العملة
كان أحد البنود الرئيسية على جدول أعمال بنك الشعب الصيني خلال العام الماضي هو منع تراجع قيمة اليوان من التفاقم.
اقرأ أيضاً: الصين تحكم قبضتها على اليوان عبر سعر صرف مرجعي أقوى
في الأسابيع الأخيرة، أصدر البنك المركزي عدة تحذيرات ضد أي سلوك يعتبره مضراً بالسوق، كما شدد قبضته على العملة عبر تحديد سعر صرف مرجعي يومي للتداول المحلي. كما اتخذ إجراءات لتقليص السيولة في الأسواق الخارجية عبر التعهد بإصدار كمية قياسية من السندات في هونغ كونغ.
وقال لي شيا، كبير الاقتصاديين الآسيويين في “بي بي في إيه هونغ كونغ” (BBVA Hong Kong)، إن تأثير التخارجات الاستثمارية المتزايدة على اليوان قد تزيد تعقيد جهود بنك الشعب الصيني لدعم العملة.
وأضاف: “في ظل الضغوط الحالية على اليوان، قد تكون إدارة التدفقات الرأسمالية أكثر صرامة هذا العام، وهو إجراء منطقي بالنظر إلى الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار المالي”.