تحوّل في سوق تأجير العقارات: هل يمكن الاستغناء عن “Airbnb”؟
استقطب جيسي فاسكيز أكثر من 600 شخص منهم مالكو مساكن ووكلاء عقاريون إضافة إلى مديري عقارات صغيرة إلى منتجع فاخر في سان دييغو في أبريل، وكان غرضهم أن يستمعوا إلى نصائحه. فاسكيز مندوب مبيعات سابق كان يعمل لدى شركة ترعى مرضى لا يرجون الشفاء، وهو اليوم يدير أكثر من عشرة عقارات إضافة إلى عمله الجانبي في تدريب زملائه من قطاع تأجير المساكن.
شدد فاسكيز خلال عرض تلقائي على أن النجاح في المجال العقاري يستوجب تقليل الاعتماد على منصات تأجير المنازل لفترات قصيرة والسعي لبناء قدرة على العثور على المستأجرين بشكل مستقل. وقال للحضور: “لسنا مضطرين للاعتماد على “إير بي إن بي” (Airbnb) … لا تسمحوا لهذه الشركات الكبرى أن تكون مصدر زبائنكم. فلتبن منازل لها على أرضها”.
صعوبات في السوق
أسهم موقع “إير بي إن بي” على مدى 15 سنة في نشوء سوق جديدة في مجال تأجير العقارات لفترات قصيرة. وقد مكن الموقع، إلى جانب شركات أخرى منافسة تشابهه مثل “فربو” (Vrbo)، ملاك العقارات من استقطاب المستأجرين من خلال مساعدة المسافرين في العثور على بدائل للفنادق، وتولّيه لبعض التفاصيل المتعلقة بالمعاملات.
بالتالي قدم فرصة ذهبية لكثير من ملاك العقارات الذين وجدوا عبره مصدر دخل جديد يعينهم على دفع أقساط الرهون العقارية أو على تمويل ترميم منازلهم.
كانت “إير بي إن بي”، التي تُعد أكبر منصة لتأجير العقارات لفترات قصيرة، أضافت أكثر من مليون عقار للإيجار خلال العام الماضي، محققة أرباحاً قياسية، فيما ارتفعت قيمتها السوقية بأكثر من الضعفين لتصل إلى 97 مليار دولار منذ طرحها الأولي العام عام 2020.
إلا أن استقطاب المستأجرين الذين يحجزون عبر “إير بي إن بي” بات أصعب اليوم، أقلّه في الولايات المتحدة. فقد تراجعت أرباح المضيفين الأميركيين على أساس سنوي في 22 من الأشهر الـ28 الماضية حتى مايو، بحسب شركة “إير دي إن إيه” (AirDNA)، برغم تسجيل تحسن طفيف في الأشهر القليلة الماضية، فقد ارتفعت أرباح المضيفين الأميركيين في ثلاثة أشهر من أصل الخمسة الأولى من العام.
في غضون ذلك، أصبحت أسواق عديدة مشبّعة بالعقارات المؤجرة لفترات قصيرة، فيما تراجع الطلب على منازل العطلات الواسعة بما أن مزيداً من المسافرين باتوا أكثر انفتاحاً على الإقامة في فنادق تقدم أسعاراً تنافسية أو على السفر إلى الخارج.
زد على ذلك أن عدة مدن كبرى، مثل لوس أنجلوس ونيويورك وفينيكس وسان دييغو، تفرض قيوداً على تأجير المنازل لفترات قصيرة، ما يحول دون استفادة المضيفين من السوق. يشكو بعض المضيفين من أن “إير بي إن بي” تصعّب من تحقيقهم لأرباح بسبب سياساتها المتعلقة باسترداد الأموال، والخوارزميات التي تحدد ترتيب ظهور العقارات في نتائج البحث. وفي ظل ارتفاع أسعار الفائدة، لم يعد أمام كثير من المالكين خيار أن يبيعوا عقاراتهم ليتركوا هذا النشاط.
إيجارات متوسطة الأجل
دفعت هذه التحديات بمضيفين مثل فاسكيز وجمهور ندوته لأن يحاولوا الاستغناء عن “إير بي إن بي”، في تكرار لما يحدث عادةً عندما يعتمد الناس على المنصات الإلكترونية لكسب رزقهم. من أمثلة ذلك أن سائقي “أوبر” يطلبون من الركاب أن يتصلوا بهم مباشرة حين يحتاجون لمركبة مستقبلاً، أو حين يبرم مؤثرون على “يوتيوب” أو مشاهير “تيك توك” صفقات مباشرة مع العلامات التجارية لضمان حصولهم على دخل إعلاني دون أن يضطروا لتقاسمه مع المنصات. ففي النهاية، من يحبّ التعامل مع وسيط؟
تتيح “إير بي إن بي” فرصة مميزة للاستفادة من ارتفاع الطلب على الإيجارات متوسطة الأجل، ونعني بذلك الإقامة لمدة تتجاوز 30 يوماً ولا تتخطى سنةً، أي أقل من عقود الإيجار السنوية التي يوقعها الأشخاص عادة لاستئجار شقق يجعلونها مسكناً رئيسياً لهم. لكن في حين أن استقطاب عدد يُعوّل عليه من الزبائن لاستئجار شقتك مرة أو مرتين في الأسبوع يستوجب اعتماد خدمة مثل “إير بي إن بي”، يصبح منطقياً أكثر أن تبحث عن مستأجرين بنفسك إن كنت لا تحتاج إلا لعدد قليل منهم في السنة.
مع ذلك، على أرض الواقع، تقتصر إسهامات هذه الاستراتيجية على مكسب جانبي يُضاف إلى ما يجنيه المضيفون من تعاملهم مع “إير بي إن بي”، لكنه لا يكفي ليكون بديلاً عنه.
كان من بين الحاضرين لندوة فاسكيز فيفيان يب، وهي مضيفة من أوستن كانت قد بدأت تجربتها في الإيجارات متوسطة الأجل قبل أكثر من ثلاث سنوات في بداية تفشي وباء كورونا عام 2020 حين ألغت “إير بي إن بي” الحجوزات بالنيابة عن المضيفين دون دفع تعويضات كاملة لهم. قالت: “اكتشفت مدى هشاشة تجارتي، وأدركت لحظتها أن علي تنويع نشاطي ومصادر دخلي”.
التفاف على “إير بي إن بي”
أولى الحجوزات متوسطة الأجل التي تلقتها يب كانت من أسرة تبحث عن مكان تقيم فيه أثناء ترميم منزلها الأساسي، وذلك بعد أن أدرجت إعلاناً عن المنزل الذي تعرضه للإيجار على موقع “فرنيشد فايندر” (Furnished Finder). ثم عادت وأجّرته لفريق من دالاس يعمل على مشروع بناء في أوستن.
بحلول 2021، تمكنت يب من ترك وظيفتها ضمن سلسلة توريد لصالح شركة “أبل”، لتركز على عملها في المجال العقاري. ومنذ ذلك الحين، توسعت شركتها المتخصصة بإدارة العقارات لتشمل أكثر من 20 منزلاً، وتقول إنها تحقق دخلاً من ستة أرقام. مع ذلك، ما تزال تعتمد على “إير بي إن بي” في نصف حجوزاتها، وتقول: “لست قوية بما يكفي لأستغني عن (إير بي إن بي)”.
قلّل رئيس “إير بي إن بي” التنفيذي بريان تشيسكي من تأثير التفاف المضيفين الأفراد على خدمات شركته. وعلّق على ذلك في 2021 قائلاً: “الأشخاص العاديين لا يروننا وسيطاً… ولا يمكنهم تخيل” العمل دون “إير بي إن بي” لأنهم ليسوا بصدد إدارة نشاط واسع.
وفي ردّ على طلبنا التعليق لهذا التقرير، قال متحدث باسم الشركة في رسالة عبر البريد الإلكتروني إن منصة “إير بي إن بي” تقدم عدّة خدمات للمضيفين سواء كانوا يقدمون إقامات قصيرة أو طويلة الأجل، مثل التحقق من خلفية العملاء ومعالجة الدفعات وبوالص التأمين. كتب المتحدث: “عندما تنتقل الحجوزات والتواصل إلى خارج منصتنا، لا نعود قادرين على ضمان استفادة المضيفين والضيوف مما نقدمه من دعم وحماية واسعين”.
تعاون مع شركات تؤمّن حجوزات منتظمة
في غضون ذلك، ازداد استخدام الضيوف لموقع “إير بي إن بي” لحجز إقامات متوسطة الأجل، حيث ازدادت حصة هذه الفئة من أعمال الموقع منذ أيام الجائحة، حسبما قالته المديرة المالية إيلي ميرتز للمستثمرين في مايو. فقد بلغت نسبة الإقامات التي تزيد عن 28 يوماُ 24% من إجمالي الحجوزات في الربع الأول من 2021، مقارنة مع 13% خلال الفترة نفسها من 2019، لتعود هذه النسبة وتستقر عند حوالي 18% خلال العام الماضي.
وقد استمرت حجوزات الإقامة متوسطة الأجل في النمو فيما اتخذت “إير بي إن بي” عدة تدابير لتعزيز هذه الفئة، منها مثلاً خفضها رسوم الخدمة التي تتقاضاها عن الإقامات التي تزيد عن ثلاثة أشهر في الصيف الماضي.
ورغم لك، تهيمن حالياً شركات عقارية كبرى على هذه الفئة، ومنها “أنيبليس” (Anyplace) و”بلو غراوند” (Blueground) و”جون هومز” (June Homes)، التي جمعت آلاف الشقق المفروشة والغرف فنادق البوتيك تحت مظلتها وأدرجتها عبر “إير بي إن بي” وعلى مواقعها الإلكترونية الخاصة أيضاً. وقد دخل بعض صغار اللاعبين على الخط أيضاً، فعمدوا لشراء برامج لإدارة العقارات وإنشاء مواقع حجز، وهم يحاولون استقطاب المستأجرين من خلال عرض العقارات التي يراها الزبائن أولاً على موقع “إير بي إن بي” أو “فربو” بأسعار أرخص.
بالنسبة لبعض المضيفين، يكمن السر في عدم البحث عن المستأجرين فردياً، بل عبر بناء علاقات مع مؤسسات يمكنها أن تأتيهم بحجوزات منتظمة، وقد يشمل ذلك شركات تساعد موظفيها على الانتقال إلى مدن جديدة، أو شركات تأمين ومؤسسات حكومية تبحث عن سكن مؤقت لعائلات فقدت مساكنها أو لعمال متعاقدين.
عملت كريستين شي في تأجير العقارات من خلال موقع “إير بي إن بي” في لاس فيغاس على مدى ثلاث سنوات، ونجحت العام الماضي في تحويل تجارتها إلى شركة متخصصة في الإيجارات متوسطة الأجل. إذ أبرمت إلى جانب شريكيها التجاريين اتفاقية مع منظمي بطولة العالم للبوكر توفّر بموجبها شركتها مساكن لموزعي بطاقات اللعب والعاملين في تنظيم الفعاليات خلال البطولات التي تستمر عدة أسابيع. كما فازت الشركة بعقد لتوفير السكن للموظفين المنتقلين إلى المدينة من أجل العمل في أحد الكازينوهات بعد أن طرحت الفكرة على مدير تنفيذي في ذلك الكازينو في ردهة مكتبه.
تدريب على تأجير العقارات
يفتح هذا الاهتمام بالحجوزات المباشرة آفاقاً جديدة أمام شركات مثل “فرنيشد فايندر” حيث يتقاضى الموقع 150 دولاراً سنوياً بدل كل إعلان عوضاً عن أخذ عمولة. وقد أصبح اسمه شائعاً بين المضيفين الذين يقدمون إقامات لعدة أشهر تستهدف الممرضين المتنقلين.
زاد الاهتمام بالموقع في الخريف عندما فرضت مدينة نيويورك من حيث التطبيق حظراً على تأجير الشقق لفترات قصيرة، فازداد عدد المنازل المدرجة على الموقع في أكتوبر عن أي شهر منذ تأسيس الشركة قبل عشر سنوات، بحسب رئيسها التنفيذي جيف هيرست.
يضمّ موقع “فيرنيشد فايندر” 300 ألف إعلان لمنازل في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن هذا العدد ليس إلا قطرة في بحر إعلانات “إير بي إن بي” وعددها 7.7 مليون عالمياً، إلا أن الموقع يحقق أرباحاً ويخطط لتوظيف مزيد من المهندسين ومديري المنتجات، حسب هيرست الذي عُين في منصبه في 2023، وهو واحد من موظفي “فربو” السابقين الذين انتقلوا إلى الشركة.
كانت الرغبة في ابتكار استراتيجيات جديدة لاستقطاب المستأجرين الحافز الأساسي لمن دفعوا 897 دولاراً لفاسكيز كي يحضروا ندوته، إذ تضاعف عدد الحضور مقارنةً مع السنة الماضية. تحدث الرجل خلال المؤتمر عن أهمية أن يحيل المضيفين زبائن فيما بينهم، وقال: “الإيجارات متوسطة الأجل تستند إلى العلاقات”.
أجّر فاسكيز ممرضة متنقلة أول عقاراته لفترة متوسطة الأجل في 2015، ثمّ وسّع محفظته عبر إبرام اتفاقية إسكان مع المستشفى المحلي في مدينته موديستو في كاليفورنيا، وعبر إدارة ممتلكات بالنيابة عن أشخاص آخرين. واليوم، يحقق أكثر من 80 ألف دولار شهرياً من تسعة عقارات يملكها وثمانية عقارات يديرها لصالح آخرين.
وزاد عدد متابعي فاسكيز عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل هائل بعدما شارك في بودكاست العام الماضي ليشرح عمله. وقد أسهمت نجوميته بإحداث مصدر دخل ثان له يفوق ما يجنيه من تأجير المنازل، فهو يقدّم الاستشارات للراغبين بتأجير العقارات.
بعد عرض حلقة البودكاست، التحق أكثر من 300 طالب جديد ببرنامجه الإرشادي الذي يستغرق سنة كاملة بتكلفة 6500 دولار لكل طالب. ويقول إن برنامجه الإرشادي عبر الإنترنت حقق له أرباحاً بلغت 1.3 مليون دولار العام الماضي. كما جذبت الندوة 60 طالباً يضافون إلى 450 شخصاً سبق والتحقوا بالدورة. ويتوقع أن تتجاوز أرباحه مليون دولار هذا العام أيضاً.
وقال فاسكيز: “الشعور بأن هذا التحوّل يحصل حقاً جنوني، وقد تمكنت أنا من تحفيزه”.