تحقيق المساواة بين الجنسين في مصر ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي

تؤكد الإصلاحات الشاملة والمدروسة، إلى جانب استثمار الجهود في تمكين المرأة، التزام البلاد بتحقيق نمو مستدام في السنوات القادمة
تستعرض رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في مصر، الجهود المبذولة في إطار الإصلاحات التي أسهمت بفاعلية في ضمان اقتصاد أكثر تنافسية وتنوعًا وشمولية.
في ظل التحديات التي تمثلها انخفاض إيرادات قناة السويس، كيف تؤثر هذه المعطيات على أجندة الإصلاح الحكومية؟
بينما تواجه مصر صعوبات نتيجة التقلبات وعدم اليقين العالمي والتوترات الجيوسياسية، فإن النهج الإصلاحي الذي تتبناه يعزز من استقرار البيئة الاقتصادية ويعزز من قدرتها على التنبؤ.
لقد حققت مصر تقدمًا كبيرًا في مسار الإصلاحات الاقتصادية، حيث أصبح الاقتصاد أكثر استقرارًا وإمكانيةً للتنبؤ، مع تنفيذ إصلاحات هيكلية تضمن الاستدامة على المدى الطويل. تستمر الحكومة في تعزيز النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص من خلال تطبيق إصلاحات هيكلية تعزز القدرات الاقتصادية وتوفر بيئة جذابة للاستثمارات، سواء المحلية أو الدولية.
تركز الرؤية الاقتصادية الحالية على الانتقال من القطاعات غير القابلة للتداول التجاري (غير التجارية) إلى القطاعات القابلة للتداول (التجارية)، بهدف زيادة القيمة المضافة للمنتجات المحلية وتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
في العام 2024، شهدت عائدات قناة السويس المصرية انخفاضًا كبيرًا تجاوز 60 في المئة مقارنة بالعام السابق، نتيجة للاختلالات الإقليمية التي أثرت على حركة الشحن العالمي، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى تغيير مساراتها. ومع ذلك، بدأت تظهر مؤشرات مبكرة على الانتعاش، حيث أُعيد توجيه 47 سفينة إلى القناة في فبراير/شباط 2025 وفقًا لهيئة قناة السويس.
لا تزال الحكومة ملتزمة بالاستمرار في عملية الإصلاح الهيكلي لمواكبة التغيرات المحلية والإقليمية، وتحسين بيئة الأعمال، وتمكين القطاع الخاص. وفي الواقع، شهد النمو الاقتصادي خلال الربع الأول من السنة المالية 2024/2025 انتعاشًا ملحوظًا نتيجة للإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي بدأتها الحكومة منذ مارس/آذار 2024، حيث سجل معدل نمو قدره 3.5 في المئة.
أظهر النمو خلال هذه الفترة تقدمًا ملحوظًا، ليس فقط من حيث معدل النمو، بل أيضًا من حيث الجودة. فقد شهد قطاع التصنيع غير النفطي نموًا بنسبة 7.1 في المئة في الربع الأول، مسجلًا أعلى معدل نمو منذ الربع الثالث من السنة المالية 2021/2022. كما انتعشت الصادرات غير النفطية من البضائع في نفس الربع، بفضل جهود الحكومة في تسهيل الإفراج عن مدخلات الإنتاج من الجمارك وتعزيز التصنيع في مختلف القطاعات، سواء للسلع الجاهزة أو شبه الجاهزة.
وفي إطار جهود الحكومة لتنفيذ حوكمة قوية للاستثمار العام، اكتسب النمو الذي يقوده القطاع الخاص زخماً، حيث يمثل الاستثمار الخاص 63 في المئة من إجمالي الاستثمارات في الربع الأول من السنة المالية 2024/2025.
رغم التحديات العالمية المستمرة والشكوك المتزايدة، تظل مصر ملتزمة بأجندتها للإصلاح الاقتصادي، مع تحديد الأولويات، وتركيز النمو بقيادة القطاع الخاص، والضبط المالي، والتحول الهيكلي. مع وجود علامات على الانتعاش في قناة السويس، والشراكات الإقليمية الاستراتيجية، والتركيز على تعزيز الاستثمار الخاص والإنتاجية، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بشكل مطرد، بنسبة تصل إلى 4 في المئة بحلول يونيو/حزيران 2025 و4.5 في المئة في السنة المالية التالية. ستظل الجهود المستمرة لتهيئة بيئة مستقرة وملائمة للأعمال التجارية عاملاً أساسيًا في الحفاظ على مرونة الاقتصاد وقدرته التنافسية على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً | مدبولي: الدين الخارجي لمصر ينخفض 15 مليار دولار خلال 6 أشهر
كيف تقوم الحكومة بإشراك القطاع الخاص لضمان النمو الشامل والمستدام؟
يعدّ تعزيز مشاركة القطاع الخاص أحد المكونات الأساسية لأجندة الإصلاح الحكومية، حيث يهدف إلى تحويل الاعتماد على النمو من الدولة إلى القطاع الخاص في الصناعات الرئيسية. هذا التحول الاستراتيجي يعد ضروريًا لدفع النمو المستدام والشامل. كجزء من هذا الجهد، تسعى الحكومة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، مستهدفة حصة تصل إلى 65 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
لتحسين بيئة الأعمال، نفذت الحكومة العديد من التدابير، بما في ذلك تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال مراجعة الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة. كما تم تبسيط إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات عبر التحول الرقمي، مع إطلاق منصة “الترخيص الذهبي” الإلكترونية. توفر هذه المنصة للمستثمرين معلومات شاملة حول نظام الترخيص الذهبي وتتيح لهم تقديم طلبات موافقة واحدة.
تشمل الإصلاحات الأخرى حوافز جديدة ومعايير مرنة للمشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار لمواجهة التحديات التي يواجهها المستثمرون في مصر. وإدراكًا لأهمية سد الفجوات المعلوماتية لإطلاق إمكانات القطاع الخاص بالكامل، أطلقت حكومة مصر أيضًا مركز المشورة والتمويل والاستثمار للمؤسسات، المعروف بمنصة “حافز”.
تربط هذه المنصة بين كيانات القطاع الخاص و75 خدمة مالية وغير مالية تقدمها 20 شريكًا في التنمية. نتيجة لهذه الإصلاحات، كان 2024 هو العام الأول الذي تجاوز فيه التمويل الميسر الموجه للقطاع الخاص المبلغ المخصص للحكومة، مما يشير إلى إنجاز بارز في التحول الاقتصادي في مصر.
ما هي المبادرات والاستراتيجيات الرئيسية التي تنفذها مصر للنهوض بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام؟
إن النهوض بالمساواة بين الجنسين لا يُعتبر ضرورة أخلاقية فحسب، بل هو ضرورة اقتصادية أيضًا. يقدر صندوق النقد الدولي أن سد الفجوات بين الجنسين في مشاركة القوى العاملة يمكن أن يعزز الناتج الاقتصادي بمعدل يصل إلى 35 في المئة في البلدان التي تعاني من عدم المساواة. تستثمر مصر بشكل مستمر في تمكين المرأة، مما يضمن لها الحصول على الفرص والموارد والدعم اللازم لدفع عجلة النمو والازدهار المستدامين في البلاد.
استنادًا إلى الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية (2016-2030)، تلتزم الحكومة بتبني ميزانيات تراعي الفوارق بين الجنسين وإدماج المنظورات الجنسانية في جميع مشاريع التنمية. إلى ذلك، تقود وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي جهود التنسيق لعدد 89 مشروعًا يركز على النوع الاجتماعي بالتعاون مع الشركاء الثنائيين والمتعدّدي الأطراف.
في العام 2020، أطلقت الوزارة، بالتعاون مع المجلس الوطني للمرأة والمنتدى الاقتصادي العالمي، مبادرة “محفز سد الفجوة بين الجنسين”، وهو تعاون غير مسبوق بين القطاعين العام والخاص في إفريقيا والشرق الأوسط، يهدف إلى تعزيز التكافؤ بين الجنسين في القوى العاملة من خلال تحسين الفرص الاقتصادية وزيادة مشاركة المرأة وتطوير السياسات الشاملة عبر مختلف القطاعات. هذه الخطوات البارزة في تمكين المرأة تعكس الإرادة السياسية القوية والالتزام الثابت ببناء مجتمع شامل وعادل.
علاوة على ذلك، يحدد برنامج عمل الحكومة الجديدة 2024-2027 سبعة أهداف استراتيجية، أحدها مخصص لتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، إلى جانب تعزيز صحة المرأة وحمايتها من العنف.
اسمحوا لي أن أترككم مع الرسائل الرئيسية الثلاث: أولاً، المساواة بين الجنسين ضرورة اقتصادية؛ فإطلاق إمكانات المرأة يعد أمرًا حيويًا لدفع عجلة النمو وتعزيز الابتكار والمرونة. ثانيًا، الإرادة السياسية والشراكات هما أمران حاسمان؛ فالتزام القادة والجهود التعاونية عبر القطاعات ضروريان لتهيئة بيئة تنمو فيها المساواة بين الجنسين. وأخيرًا، فإن تمكين المرأة يعزز من المرونة الاقتصادية والمجتمعية؛ فعندما تُمنح المرأة الفرصة، تزدهر المجتمعات المحلية، مما يؤدي إلى مزيد من الاستقرار والازدهار للجميع.
انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات الخاصة.