اخر الاخبار

تحقيق الطبقات الوسطى للحلم الآسيوي لا يزال بعيد المنال

لا تنمو الطبقة المتوسطة في آسيا بالسرعة التي تتطلبها مواكبة الطموحات، ويتعين على الساسة في القارة أن يركزوا على تعزيز سبل العيش، وألا يهملوا تحسين مستوى الحياة، كي يتسنى للمواطنين تحقيق “الحلم الآسيوي”. لكن إلى أن يحدث هذا، يبقى الحلم الآسيوي أسطورة يجافيها الواقع.

ليس هنالك تعريف متعارف عليه يوضح سمات الحلم الآسيوي، لكنه قد يكون مستلهماً من الحلم الأميركي، وهو مصطلح أحدثه الكاتب جيمس تروسلو آدامز في 1931 عندما كتب أن “الحلم الأميركي هو حلم بأرضٍ، حيث الحياة أفضل وأغنى وأكثر كمالاً للجميع، ويتيح فرصاً لكل فرد وفقاً لقدراته أو إنجازاته”.

إن آسيا بعيدة كل البعد عن تحقيق هذه الطموحات الكبيرة. منذ خمسة عقود، كانت أغلب المناطق هناك زراعيةً يعمها فقر شديد وحكم فاسد. ثم شهدت أغلب بلدان المنطقة تحسينات مبهرة، فقد أدى التصنيع والتعليم والحوكمة الأفضل إلى ارتفاع نوعية الحياة ومستويات المعيشة.

وكان العقد الماضي قوياً بشكل خاص. بين 2015 و2021، شكلت المنطقة 57% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي 2021 ساهمت بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي (عند احتسابه بناءً على تكافؤ القوة الشرائية)، وفاقت بهذا أي منطقة أخرى. لكن السكون غلب هذا الزخم الآن.

المؤشر الإندونيسي

إن إندونيسيا، وهي اقتصاد ناشئ قوامه أكثر من 270 مليون نسمة، بمثابة طائر الكناري الذي يوضع في منجم فحم لاختبار صلاحية الهواء. أظهرت البيانات الأخيرة من المكتب المركزي للإحصاء هناك أن عدد المصنفين ضمن الطبقة المتوسطة انخفض بنحو 9.5 مليون في السنوات الخمس الماضية، معظمهم بسبب الجائحة، لكن أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا لم يكن وحده في هذا، وقد قال رئيس البلاد آنذاك جوكو ويدودو: “هذه المشكلة موجودة في جميع البلدان تقريباً”.

قد تكون هذه كلمات زعيم يحاول الدفاع عن إرثه، لكن لم يجافه الصواب كليةً. إذ تشهد الصين تآكلاً في ثروة الأسر بسبب انهيار أسعار العقارات، وتُجبر أسر الطبقة المتوسطة على إعادة التفكير في أولوياتها المالية، فتنسحب من استثماراتها أو تبيع أصولها لتحصل على السيولة. كما ترسم الهند صورة مقلقة مشابهة، فالنمو يتباطأ، والرواتب الحضرية خاصة في المدن الكبرى تتقلص، والإنفاق آخذ في الانخفاض.

تلعب الطبقة المتوسطة غالباً دوراً مهماً في التنمية السياسية والاقتصادية، كما جاء في تقرير لمركز التنمية لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صدر في 2021. وتميل المجتمعات الأغنى للدفع نحو زيادة المشاركة الديموقراطية وتقليص الفساد فتتحسن الحكومة. وتعتمد السياسات الجيدة على دعم الرأي العام، ويُرجح أن تكون أقوى بين الطبقات المتوسطة الكبيرة، التي تشكل نموذجاً للديموقراطيات المستقرة.

لكن هناك أدلة تشير إلى أن معظم الآسيويين يثقون بما هو آت، برغم التباطؤ. لقد أظهرت دراسة شملت أكثر من 12000 شخص من 12 سوقاً في آسيا، أعدتها ”ماكان وورلد غروب“، وهي شبكة وكالات إعلانية، أن ثلثي المشاركين يعتقدون أنهم ليسوا مضطرين إلى مغادرة آسيا بحثاً عن حياة أفضل، وهو ما يشير إلى اعتقادهم بأن تطلعاتهم ستتحقق في نهاية المطاف في أوطانهم.

قالت لي شيلبا سينها، رئيسة قسم الاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ماكان”: “لقد فاجأني مدى ارتباط هؤلاء الناس بفكرة أن مستقبلهم ينتمي إلى المنطقة، فقد قال كثيرون إنهم أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبلهم في آسيا وليس في أماكن مثل الغرب”.

دور حكومي مهم

لكي يبقى الآسيويون متفائلين حيال مستقبلهم، يتوجب على الحكومات أن تبذل كثيراً من الجهود. إن زيادة القاعدة الضريبية في بلدان مثل إندونيسيا من شأنها أن تساعد في إضافة الإيرادات التي تشتد أهميتها من أجل ميزانيات التعليم والرعاية الصحية، وكلاهما من الأولويات. وفي الصين، يحاول صناع السياسات معالجة التوعك من خلال دورات تحفيز، لكن قد يكون ذلك أقل مما ينبغي، كما أنه متأخر جداً من حيث تشجيع الأسر على الإنفاق.

هناك الكثير على المحك، وتتوقع مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس” أن تتضاعف الطبقة المتوسطة في الأسواق الناشئة في العقد المقبل من 354 مليون أسرة في 2024 إلى 687 مليون أسرة بحلول 2034. حتى لو لم تعد الصين تسجل أسرع معدل نمو للطبقة المتوسطة في العالم، فإنها ستظل أكبر سوق استهلاكية، وبحلول 2029، يُتوقع أن يكون اثنان من كل ثلاثة مستهلكين من الطبقة المتوسطة من آسيا. وستأتي أكبر الزيادات من الصين والهند وإندونيسيا والفلبين وفيتنام.

يتطلب كل هذا سياسات حكومية فعّالة لجذب الاستثمارات الأجنبية المتميزة على نحو متزايد، فضلاً عن تسخير إمكانات الطبقة المتوسطة القائمة. ربما يظهر بعض الوهن في عصر النمو في آسيا، لكن الحلم ما زال يحمل زخماً.

ربما يكمن الوعي في أن يدرك المواطنون، كما اكتشف الناس في الاقتصادات المتطورة، أن بلوغ الطبقة المتوسطة شيء والبقاء فيها شيء آخر، وقد يكون هو الأصعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *