اخر الاخبار

تجهيزات كأس العالم رافعة لتحفيز اقتصاد المغرب في 2025

لن تغادر 2024 ذاكرة المغاربة بسهولة، فهي السنة الجافة السادسة على التوالي، ضمن أطول فترة جفاف متواصلة في التاريخ المعاصر للمملكة؛ ما تسبب في فقدان آلاف الوظائف وكبح النمو الاقتصادي، في وقت تستعد البلاد لضخ استثمارات، قد تصل إلى 100 مليار دولار، في مشاريع كبرى، مدفوعة بشكل أساسي باستضافة كأس العالم 2030.

سينمو الناتج المحلي للبلاد هذا العام في حدود 2.6% مقابل 3.4% المحققة العام الماضي وفقاً لبنك المغرب المركزي، وذلك تحت تأثير تراجع القيمة المضافة للقطاع الزراعي بنسبة تقدر بـ4.6% بسبب الظروف المناخية غير المواتية حيث لم يشهد الموسم الزراعي الحالي تساقطات مطرية كافية.

استمرار الجفاف وتأثيره على الاقتصاد وتباطؤ النمو في أوروبا والحاجة لتمويلات ضخمة لإطلاق المشاريع الكبرى تُعتبر أبرز التحديات التي تواجه المملكة خلال عام 2025. في المقابل تستفيد البلاد من أداء استثنائي لقطاعي الصناعة والسياحة لهذا العام وهو زخم مرشح للاستمرار، فهل يستطيع المغرب تحقيق “ريمونتادا” في العام المقبل وهو المصطلح المعروف في عالم الرياضة إلى التعافي والعودة إلى الفوز بعد خسارة؟

نمو اقتصادي محدود

تستهدف ميزانية 2025 تحقيق نمو اقتصادي بنحو 4.6% العام المقبل. لكنه هدف صعب في نظر يوسف كراوي، الباحث في الاقتصاد ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير. حيث اعتبر بحدبث لـ”الشرق” أن “هذا الهدف غير ممكن بتاتاً في ظل توالي سنوات الجفاف، وأقصى ما يمكن هو الاقتراب من 3% حال تحقيق ديناميكية في القطاعات غير الفلاحية”.

أهمية القطاع الزراعي بالنسبة للمغرب تكمن في مساهمته بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل أداؤه دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي، باعتبار أن 40% من سكان البلاد يعيشون في القرى، و75% منهم يعملون في الزراعة.

يتسبب الجفاف في فقدان 1 إلى 1.5 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي سنوياً، بحسب عبد الغني يُمني، الخبير الاقتصادي والمتخصص في السياسات العمومية. وذكر لـ”الشرق” أن استمرار سنوات الجفاف يؤثر على سوق العمل لأن أربعة من أصل 10 مشتغلين يعملون في القطاع الزراعي.

لمواجهة النقص المائي، أطلق المغرب مشاريع لبناء محطات لتحلية مياه البحر بهدف تأمين مياه الشرب وأيضاً توفير مياه الري لتخفيف الضغط على المياه العذبة. قال يُمني إن المغرب اختار تحلية المياه بديلاً لضمان أداء معقول لقطاع الزراعة الموجَّه للصناعات الغذائية لأنه يستهلك 80% من المياه العذبة في البلاد. ظلت صادرات القطاع رغم ذلك مستقرةً عند 7 مليارات دولار في نهاية نوفمبر في ظل استمرار الجفاف، ما يعكس زيادة الاعتماد على تقنيات الري واللجوء إلى الموارد غير التقليدية للمياه.

صناعات تدعم الصمود

يلعب الأداء الاستثنائي لعدد من القطاعات غير الزراعية دوراً في دعم “صمود” الاقتصاد المغربي، على رأسها القطاعات الصناعية المدعومة بصادرات السيارات والطائرات، إضافة إلى أداء استثنائي لقطاع السياحة على مستوى عدد الوافدين والإيرادات المحققة.

يُعتبر المغرب أول مُصنع للسيارات في القارة الأفريقية بقدرة إنتاجية تبلغ 700 ألف سيارة في السنة، وهو قطاع حققت صادراته أكثر من 13 مليار دولار حتى نهاية نوفمبر، ويُتوقع أن تبلغ رقماً قياسياً عام 2026 بأكثر من 20 مليار دولار بحسب توقعات بنك المغرب المركزي. بينما ينمو قطاع صناعة الطائرات برقمين متجهاً لرقم قياسي بأكثر من 2.2 مليار دولار بنهاية العام.

قطاعا السيارات والطيران مرشحان لاستقطاب استثمارات ضخمة خلال السنوات المقبلة، فالتحول للتنقل الكهربائي أعطى دينامية جديدة لصناعة السيارات في المملكة حيث تقود شركات صينية مشاريع ضخمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بينما يُتوقع أن تنتعش أعمال الشركات المصنعة للطيران عبر العالم والتي لها فروع في البلاد.

السياحة هي الأخرى انضمت لقائمة الأرقام القياسية، إذ قفزت أعداد السياح 20% خلال أول 11 شهراً من العام الجاري إلى 15.9 مليون سائح متجاوزةً العدد المحقق في العام الماضي. هذا الزخم الذي يشمل عدداً من القطاعات مرشح للاستمرار خلال العام المقبل بحسب توقعات الحكومة.

100 مليار دولار استثمارات 

تبرز فرص كبيرة أمام المملكة في سنة 2025 مع الشروع في تطوير مشاريع ضخمة من القطاعين الحكومي والخاص بقيمة تُقدر بنحو 100 مليار دولار حتى نهاية العقد، بحسب تقرير لبنك “التجاري وفا”، أكبر مُقرض في البلاد. تشمل هذه الاستثمارات المشاريع الضرورية لتأهيل البلاد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم، وتطوير منشآت تحلية مياه البحر لمواجهة الأزمة المائية، ومشاريع إعادة إعمار مناطق زلزال الحوز، وتطوير الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات.

أغلب المشاريع تخص الاستعداد لتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2030، وهو موعد تعوّل عليه الحكومة لتحفيز الاقتصاد. قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش للمشرعين الأسبوع الماضي: “إن الموعد سيشكل محفزاً حقيقياً وفرصة فريدة لتعزيز النمو الاقتصادي، من خلال جذب المستثمرين المحليين والأجانب وتسريع الاستثمارات المقررة في عدة قطاعات، بما في ذلك كرة القدم والبنية التحتية الرياضية، والنقل، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأمن والصحة”.

لدعم اقتصاد البلاد أمام مختلف التحديات، أقر بنك المغرب المركزي في ديسمبر الجاري ثاني خفض للفائدة هذا العام لتصل إلى 2.5%. هذه الخطوة التيسيرية ستؤدي إلى تخفيف تكاليف الاقتراض لدعم المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تقودها المملكة، بينما تسعى لحفز القطاع الخاص على الاستثمار أكثر لرفع حصته من الثلث حالياً إلى الثلثين.

قال محللون في وحدة الأبحاث التابعة لبنك “التجاري وفا” إن خفض الفائدة من طرف المركزي سيُحفز الاستثمار مع الحفاظ على هوامش مالية بميزانية الدولة. وقدّروا أن خفض الفائدة خلال العام الجاري بإجمالي 50 نقطة أساس سيوفر للدولة هوامش فائدة سنوية تبلغ 62 مليون دولار.

تتوقع السوق خفضاً إضافياً للفائدة خلال العام المقبل، وفقاً لاستطلاعات أجرتها وحدة الأبحاث التابعة لـ”التجاري وفا” ومركز الأبحاث التابع لـ”بنك أفريقيا”. حيث رجحوا أن يصل سعر الفائدة إلى 2.25% وهو توقع يفترض عزم البنك المركزي على دعم دينامية الاستثمار في سياق انحسار الضغوط التضخمية.

التضخم أقل من المستهدف

من المعارك التي نجح فيها المغرب هذا العام كبح التضخم، فخلال العامين الماضيين، سجل تضخم أسعار المستهلكين مستويات قياسية بنحو 6.6% و6.1% على التوالي. لكن الرقم يتجه لنسبة متوسطة بنهاية العام الحالي قريبة من 1% وفقاً لآخر التوقعات الصادرة عن بنك المغرب المركزي.

ساد التخوف في مايو الماضي بعدما أقدمت الحكومة على رفع أسعار أسطوانات غاز الطهي بنسبة 25% إلى 5 دولارات. لكن تأثير ذلك كان محدوداً فلم يتم تسجيل ارتفاع في أسعار المستهلكين. تشير الحكومة إلى أن الإعانات النقدية الشهرية التي تمنحها للأسر ذات الدخل الضعيف بقيمة لا تتجاوز 50 دولاراً في الشهر ساهم في الحفاظ على القدرة الشرائية.

رغم تباطؤ وتيرة التضخم وفقاً للأرقام الرسمية، يشير رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير إلى أن “أسعار السلع مستمرة في الارتفاع، لأن مستهدف التضخم 2% يعني أن الأسعار ترتفع لكن بوتيرة متحكم فيها، لكن هذا لا يوازيه زيادة كافية في الأجور لمواكبة غلاء المعيشة، لذلك فالمطلوب من الحكومة القيام بإجراءات إضافية”.

سيظل معدل التضخم معتدلاً على المدى المتوسط، بحسب ما قاله عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب المركزي في لقاء صحفي الأسبوع الماضي، إذ يتوقع أن يبلغ 2.4% العام المقبل و1.8% عام 2026، وهو بذلك يتماشى مع هدف استقرار الأسعار، وهو مؤشر على إمكانية الاستمرار في السياسة التيسيرية خلال العام المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *