بين شح وغلاء.. أزمة الدواء تؤرق المصريين مع وعود حكومية بإنهائها
“البحث عن الدواء” أصبح أحدث بند يضاف إلى قائمة الصعوبات التي يواجهها المصريون يومياً، وسط أزمات عديدة تضغط على اقتصاد البلاد الذي بدأ يسترد جانب من قوته بعد أن أرهقته عدة أزمات بدءاً من وباء كورونا حتى الاضطرابات الجيوسياسية الجارية.
“بعد لفة طويلة على الصيدليات لا أجد ما احتاجه لمدة شهور من أدوية “.. هكذا يصف طلعت محمد أحد أصحاب الأمراض المزمنة معاناته للبحث عن الدواء في مصر. محمد الذي يحتاج إلى أدوية لعلاج القلب والضغط وأدوية أخرى للكبد قال لـ”الشرق” أنه لا يستطيع الحصول على أي من تلك الأدوية في السوق المحلية حتى الآن، ويضطر للتواصل مع أصدقائه بدول الخليج لتلبية طلباته وإرسالها مع أقرب زائر.
رفعت مصر أسعار نحو 200 صنف دواء بنسبة تصل إلى 50% خلال شهري يونيو ويوليو 2024، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما ساهم في توفير نحو 20% من الأدوية الناقصة بالسوق، بحسب رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية على عوف لـ”الشرق”.
رئيس الشعبة قال في حديثه مع “الشرق”: “تم رفع أسعار 200 صنف دواء في السوق المحلية خلال الشهرين الماضيين بما يتراوح بين 10% و30% لأدوية الأمراض المزمنة وبين 30% و50% لغير المزمنة.. “أتوقع ارتفاع أسعار 200 صنف آخر خلال أغسطس الجاري وسبتمبر المقبل بنفس نسب الزيادة السابقة”.
تستورد البلد العربي الأكثر اكتظاظاً بالسكان نحو 90% من الخامات الدوائية من الخارج.
عجز في توافر الأدوية
وأضاف رئيس الشعبة: “السوق المحلية بمصر لديها عجز في نحو 1000 صنف دواء من إجمالي 17 ألف صنف متداول بالبلاد”. وأشار إلى توفير نحو 20% من الأدوية الناقصة بالسوق خلال أخر شهرين ومستهدف نفس النسبة خلال الشهرين الجاري والمقبل ليتم تغطية نحو 50% من الأدوية الناقصة بحلول سبتمبر.
عزا عوف أزمة نقص الأدوية في مصر إلى فروق العملة الناتجة عن تحريك سعر الصرف في مارس الماضي.
تقصر مصر تسجيل وتسعير وتداول ورقابة سوق المستحضرات والمستلزمات الطبية على “هيئة الدواء المصرية” التي انتقلت إليها هذه التخصصات حصراً قبل 4 سنوات، بدلاً من وزارة الصحة والسكان.
رئيس شعبة الأدوية في مصر أوضح لـ”الشرق” أنه بعد تعويم الجنيه في مارس الماضي، سمحت هيئة الدواء المصرية للشركات التقدم لرفع الأسعار، وخلال الفترة من شهر مارس وحتى يونيو، درست الهيئة بدقة زيادة الأسعار، وبدأت من يونيو الماضي منح الشركات زيادات لبعض الأصناف.
في يونيو الماضي، شكلت الحكومة المصرية لجنة استشارية تتولى مراجعة أسعار الدواء كل 6 أشهر، في محاولة منها لمراعاة مصالح المواطنين والشركات مع تذبذب سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية منذ تحرير سعر الصرف فى مارس 2024.
ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، قال لـ”الشرق”، إن الهيئة رصدت نقص نحو أكثر من 81 صنفاً دوائياً في السوق المصرية، وشكاوي من المواطنين من عدم توافر نحو ألف صنف آخر سواء بسبب سوء توزيع وغياب البديل المحلي لهم، وهو ما عملت الهيئة على حله من خلال توزيع الدواء بطريقة أفقية تتيح لأكبر عدد من الموزعين والمخازن ضخ الأدوية في الصيدليات والأسواق لتوافرها للمواطنين.
عانت سوق الدواء المصرية من نقص في بعض الأصناف وزيادات متتالية في الأسعار خلال السنوات الماضية، بسبب نقص المواد الخام اللازمة للإنتاج، أو تكدس الأدوية بالموانئ لعدم توفر السيولة الدولارية المطلوبة للإفراج عنها.
أضاف رجائي لـ”الشرق”، أن كافة شركات الأدوية في مصر قدمت طلبات لهيئة الدواء الفترة الماضية، بزيادة أسعار بعض أصناف الأدوية لديها نتيجة التأثر بزيادة سعر صرف الدولار الفترة الماضية، وارتفاع أسعار المواد الخام للأدوية، ويتم بحث ذلك وفق معايير محددة من قبل لجنة تسعير الدواء، والتي تراعي في عملها البعد الاجتماعي للمواطن المصري.
رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قال في يوليو الماضي، إنه سيحدث ارتفاع بسيط في أسعار بعض أصناف الأدوية لضمان توافرها بالأسواق، وسيتم حل مشكلة نقص الأدوية خلال 3 أشهر عندما تحدث عن الأمر في يوليو.
طلب جماعي لرفع الأسعار
رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أضاف لـ”الشرق” أنه يتم حالياً العمل على توفير الأدوية الناقصة بالأسواق. وهيئة الدواء تتابع توزيع الأدوية منذ خروجها من المصنع وحتى وصولها للموزعين والصيدليات.
يوجد في مصر نحو 180مصنعاً يعمل في قطاع الأدوية بحجم عمالة مباشرة وغير مباشرة يصل إلى نصف مليون عامل.
محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة بالقاهرة، يقول لـ”الشرق”، إن جميع شركات الأدوية في مصر تقدمت بطلبات لهيئة الدواء خلال الفترة الماضية، لزيادة أسعار الأدوية لديها بنسب لا تقل عن 25%، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام للأدوية، وارتفاع تكاليف الانتاج، وتم الاستجابة لبعض الشركات ومن المتوقع حل أزمة نقص الأدوية في الأسواق خلال شهرين بحد أقصى.
هناك نحو مليون و300 ألف عبوة من عقار الأنسولين الذي يُعد من الأدوية الناقصة في السوق لعلاج مرض السكر المزمن، في الموانئ المصرية وبدأ الإفراج عنها منذ أيام قليلة، وهو ما يشير إلى انفراجة قادمة في أزمة الأدوية، كما أن بعض الشركات بدأت في ضح كميات كبيرة من منتجاتها التي كانت ناقصة بالأسواق، وبخاصة الأدوية المستوردة التي كانت بها مشكلة كبيرة الفترة الماضية، نتيجة عدم توافر العملة الصعبة لاستيرادها، بحسب رمزي.
يتزامن ذلك مع تصريحات رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، نهاية الأسبوع قبل الماضي، بعد أن أعلن عن توفير 7 مليارات جنيه؛ للعمل على سرعة توافر الأدوية والمستلزمات الطبية المطلوبة بالمستشفيات والصيدليات في مصر.
أكد محفوظ، عودة عمل خطوط الانتاج في معظم مصانع وشركات الأدوية في مصر، بشكل طبيعي، لكن الأزمة لم تحل بشكل نهائي، ومن المتوقع خلال الشهرين المقبلين، توفير كافة الأدوية المحلية والمستوردة في الأسواق واستقرار أسعار الأدوية وتوفير كافة الأصناف الناقصة.
ضوء أخضر لرفع الأسعار
منذ أسبوعين، حصلت شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية (راميدا) على موافقة الهيئة المصرية للأدوية على رفع أسعار جميع منتجاتها الأساسية التي تضم 22 صنفاً دوائياً، بمتوسط زيادة يتراوح ما بين 40%-50%، بحسب بيان الشركة.
“راميدا” ليست وحدها التي تحصل على موافقة هيئة الدواء لرفع أسعارها، فقد حصلت شركة يوني سواب المتخصصة في صناعة الأدوية على موافقة بالزيادة بنسب مختلفة للعديد من الأصناف، تبدأ من 20% و30% وتصل إلى 50% في بعض الأصناف لديها بحسب تصريحات نسيم أحمد مدير المبيعات بشركة يوني سواب لـ”الشرق”.
على بعد 200 كيلو متر من القاهرة إلى صعيد مصر، يقول حسام سيد الذي بلغ مطلع العقد الرابع من عمره ومقبل على الزواج: “احتاج إلى دواء (ستاجيرون) لعلاج مشكلة الأذن الوسطى والدوار الذي أعاني منه لكن لا أجده، ما يضطرني للسفر إلى القاهرة بحثاً عنه، ونادراً ما أجد منه عبوة بل يصل الحال أحيانا لشراء شريط واحد فقط والذي لا يكفي لمدة أسبوع”.