اخر الاخبار

بينالي جدة للفنون الإسلامية يعرض صورة السعودية الجديدة

تشكّل القطعة المحورية في “بينالي الفنون الإسلامية” الذي انطلق في جدة الأسبوع الماضي عملاً غير مألوف سواء من حيث فكرته أو موقعه. فقط قُم بالمرور تحت واحد من عشرات الأشكال المخروطية الشاهقة التي تظلل صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبد العزيز الدولي بمدينة جدة، وارفع بصرك إلى الأعلى لكي ترى أحد أكثر الرموز الإسلامية قدسية، وهو غطاء الكعبة المشرفة الذي كان يكسوها في مكة متدلياً من السقف.

يُعرف هذا الغطاء باسم “كسوة الكعبة المشرفة” وهي مصنوعة من الحرير الأسود ومطرزة بآيات من القرآن بخيوط ذهبية. على مر القرون، يتم استبدال كسوة الكعبة، وهي البناء مكعّب الشكل الذي يستقطب المسلمين من جميع أنحاء العالم، بكسوة جديدة كل عام خلال موسم الحج. أما الكسوة القديمة، فعادةً ما يتم الاحتفاظ بها في مستودع، أو تقسيمها إلى أجزاء لتقدمها الحكومة السعودية كهدايا.

عرض كسوة العام الماضي كعمل فني للجمهور يُعدّ خروجاً لافتاً عن المألوف. تقول فريدة الحسيني، مديرة البينالي إنها “المرة الأولى التي يتم فيها عرض كسوة كاملة بهذا الشكل، وقد لا تتكرر هذه الفرصة”. تهدف هذه التجربة إلى “إلهام الشعور بالهيبة والتواضع تُجاه مكانتنا كبشر في هذا العالم”.

تُعدّ الكسوة واحدة من بين أكثر من 500 قطعة يحتضنها المعرض الذي يستمر حتى 25 مايو، وتشمل أعمالاً مثل مصحف عملاق، وآثاراً قديمة مُعارة من الفاتيكان، وأعمالاً فنية معاصرة مصنوعة من براميل النفط والعصي والألواح. يُقام البينالي هذا العام في دورته الثانية، ولكن على نطاق أوسع بكثير من النسخة الأولى التي أُقيمت في عام 2023.

اقرأ المزيد: “بينالي” الفنون الإسلامية في جدة ينطلق تحت عنوان “أوّل بيت”

تفاعل ثقافي مختلف

على الرغم من أن موسم الحج لهذا العام لن يبدأ قبل أوائل يونيو المقبل، فإن المعرض سيكون متاحاً للمسلمين الذين يسافرون عبر جدة في طريقهم إلى مكة لأداء مناسك العمرة التي تُقام على مدار العام، وكذلك للسياح الذين يزورون وجهات أصبحت تحظى بشعبية متزايدة مثل “العُلا” أو ساحل البحر الأحمر. كان أكثر من 600 ألف شخص قد زاروا بينالي الفنون الإسلامية قبل عامين، ويتوقع المنظمون أن لا يقل العدد هذا العام عن ذلك.

بالنسبة للزوار، يمثل “بينالي جدة” فرصة لاستكشاف أبرز ملامح الإبداع والثقافة في الحضارة الإسلامية. ورغم وجود متاحف مخصصة للفن الإسلامي في أماكن مثل القاهرة وإسطنبول والدوحة، فإن البينالي يُقدم شكلاً مختلفاً تماماً من التفاعل الثقافي، حيث يعرض الفن مباشرةً للجمهور، ولا سيما المسلمين، وليس العكس. أما بالنسبة للسعودية، حيث كانت العروض الفنية العامة نادرةً حتى قبل عقد من الزمن، فتمثل هذه الفعالية فرصة لمواكبة المراكز الثقافية الأخرى في العالم الإسلامي، من خلال معرض يكتسب شرعية إضافية لكونه يُقام على مقربة من مهد رسالة الإسلام.

قال أمين جعفر، أحد المديرين الفنيين للبينالي: “المعرض يُظهر أن السعودية، والتي لم تكن تُعرف قبل 10 أعوام أو 15 عاماً باحتضانها مشهداً ثقافياً، باتت اليوم قادرة على إطلاق وتنظيم مشروعات ثقافية كبرى تضاهي أفضل ما يُقدم عالمياً من حيث الجودة”، مضيفاً: “أصبحت المملكة حاضرة على الساحة الثقافية”.

اقرأ المزيد: السعودية على موعد مع أول “بينالي” للفنون الإسلامية في جدة

تحول جذري بالسعودية

إنه أيضاً فرصة أخرى لاستعراض التحول الجذري الذي تشهده المملكة تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. تم توجيه الكثير من الرسائل المرتبطة بهذا التحول إلى الجمهور في الغرب والليبراليين، مفادها: حفلات الروك في الرياض تتحدى الصورة التقليدية للمملكة باعتبارها معقلاً للطابع المحافظ الشديد.

لكن البينالي يخاطب شريحة مختلفة تماماً. فالغالبية العظمى من الحجاج الذين يصلون إلى جدة يأتون من دول الجنوب العالمي، وكثير منهم من مجتمعات تقليدية. وبالنسبة لكثيرين، سيكون البينالي أول تجربة لهم مع السعودية الجديدة في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. يقول الفنان السعودي مهند شونو، وهو القيّم الفني على أعمال الفن المعاصر في المعرض، إن البينالي “يضع تحفاً أثرية إسلامية في تفاعل مباشر وحوار مع الفكر المعاصر”.

لم تغب هذه المفارقة عن الزوار الأوائل للمعرض. تقول زينب أنور، فنانة باكستانية تبلغ من العمر 25 عاماً، زارت البينالي مع والدتها في اليوم التالي من افتتاحه: “السعودية لم تكن لتقدم شيئاً كهذا قبل وقت طويل. هذا مزيج من الفن غير المسبوق، وطريقة للاستفادة من أصولهم كميزة للترويج للسياحة”.

اقرأ أيضاً: مركز لفنون المستقبل والوسائط الجديدة في الدرعية

تحدثت أنور بينما كانت تتأمل تشكيلة فنية تضم سبعة أعمدة كانت تحيط ذات يوم بموقع أداء المناسك حول الكعبة. أما والدتها، شبانة، فكانت مهتمة بشكل خاص بمجموعة المصاحف التي تعود إلى دول مثل مصر والمغرب وإسبانيا وتركيا.

على مقربة من هناك، في حديقة خارجية محمية من الشمس بالمظلات، حيث تتلاشى أصوات محركات الطائرات البعيدة لتشكل خلفية هادئة لزوار الأعمال الفنية التجريدية والمعاصرة، تحدثت مواطنة سعودية حول الصور النمطية الثقافية التي لا تزال بحاجة إلى تجاوزها.

قالت عُلا الحداد، البالغة من العمر 28 عاماً من جدة والتي تدرس علوم الحاسوب: “بعض الناس عالقة بأذهانهم فكرة خاطئة عنا، وأننا لا نرحب بالآخرين أو نفتقر إلى كرم الضيافة”. فهي تأمل أن يُظهر البينالي للزوار “كيف نفكر في العصر الجديد للسعودية”.

في الداخل حيث تتدلى الكسوة يرفع الزوار بصرهم ليتأملوا الستائر بتركيز عميق. بالنسبة إلى غير المسلمين مثلي، قد يكون هذا أقرب ما يمكننا الوصول إليه من المشاعر الجياشة التي يعيشها الملايين من الحجاج أثناء الطواف حول الكعبة كل عام. الصمت المتأمل، بل والممزوج بالوقار، الذي يغشانا جميعاً تحت هذا التصميم المخروطي يبدو أمراً طبيعياً تماماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *